mardi 1 mai 2012




الإيقـاف التـحفظي
***
                                 المعضلة وعلاجها
*

                                                              الهـادي كـرّو
    


لا شكّ في أن إعتقال الإنسان في السجن إجراء خطير لا يبرره سوى حكم جزائي قابل للتنفيذ مهما كان الإسم الذي يطلق على الإيقاف.

ويكون الخطر أعظم عندما يعتقل الإنسان في طوري التحقيق والمحاكمة.

ومع ذلك فقد سمح قانون المرافعات الجنائي الصادر بالأمر العلي المؤرخ في 30 ديسمبر 1921 (1) بإيقاف المظنون فيه قبل ثبوت إدانته وصدور الحكم عليه.

أما القانون عدد 23 لسنة 1968 المؤرخ في 24 جويلية 1968 (2) الذي ألغي القانون السابق الذكر وأعاد تنظيم أحكامه ومنها المتعلقة بالإيقاف وخصّص لها الفصلين 84 و85 من مجلة الإجراءات الجزائية تحت عنوان الإيقاف التحفظي.

إن لم تعرّف مجلة الإجراءات الجزائية الإيقاف التحفظي فقد تولت تشخيصه في فصلها 81 المتعلق ببطاقة الإيداع والقاضي بأن تتضمن نصّ القرار الصادر من حاكم التحقيق إلى كبير حراس السجن الإذن بقبول المتهم وإعتقاله.

وهكذا يكون المفهوم الصريح للإيقاف التحفظي هو إعتقال الإنسان بالسجن بدون حكم نافذ.
وللإيقاف مصادر قانونية ومحطات يتخذ فيها لذلك يتمّ التعرّض في الجزء الأول من هذه الدراسة لمصادر أحكامه وميادين تطبيقها وفي الجزء الثاني من الدراسة لمحطات وقوع الإيقاف.




الجزء الأول
مصادر الأحكام وميدان تطبيقها

إن المتأمل في نصّ الفقرة الأولى من الفصل الثاني عشر من الدستور (3) القاضي بأن: "يخضع الإحتفاظ للرقابة القضائية ولا يتم الإيقاف التحفظي إلا بإذن قضائي ويحجر تعريض أي كان لإحتفاظ أو لإيقاف تعسفي." يلاحظ أن الإيقاف الشرعي نوعان وهما: 
ـ الإحتفاظ
ـ والإيقاف التحفظي
وإن الفرق بينها يتجسم في أن الأول يخضع للرقابة القضائية والثاني لا يتمّ إلا بإذن قضائي وأنه لا يحجر تعريض أي كان للإيقاف إلا إذا كان تعسفيا.
والمعلوم أن الإحتفاظ من إختصاص مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس وأعوان الديوانة (4) ويقضى بالأماكن التابعة لمراكز البحث فأما الإيقاف التحفظي فإنه من إختصاص السلطة القضائية ويقضى بالسجن بمقتضى بطاقة إيداع.
أما مجلة الإجراءات الجزائية فإنها استعملت ـ وقت صدورها ـ  ألفاظا متعددة للدلالة على الإيقاف منها :
1) الإيقاف المؤقت (5)
2) إلقاء القبض (6)
3) الإبقاء تحت الطلب (7)
4) الإبقاء موقوفا (8)
5) الوضع مؤقتا بمحلّ الإيقاف (9)
6) الإيقاف (10)
7) الإيداع بالسجن المدني (11)
8) الإيقاف التحفظي (12)
9) يصدر بطاقة إيداع في السجن (13)
10) الأمر الصادر من الحاكم إلى كبير حراس السجن بقبول المتهم واعتقاله (14)
والملاحظ أن تعدد الأوصاف المتعلقة بالإيقاف في مجلة الإجراءات الجزائية لا يترتب عنه ـ بالضرورة ـ تعدد أنواعه لأن الأوصاف هي في الواقع إشارات للظروف المجيزة للإيقاف ولكيفية وقوعه وللمكان الذي ينفذ فيه.
فالمقصود بالإيقاف المؤقت ـ على سبيل المثال ـ هو الإيقاف الذي ينتهي مفعوله بالنسبة لمن يأذن به بمجرد تقديم المتهم للمحكمة علما وأن هذا التقديم يتحتم أن يكون في أجل قصير إن لم يكن فورا.
كما أن التعبير عن الإيقاف بإلقاء القبض أو الإيداع في السجن أو الإعتقال أو الإبقاء تحت الطلب هي تعابير ترمز كلّها إلى الإيقاف وغايته ومكانه.
وعليه لا يمكن بحال إعتبار الإيقاف الخاص بالهيئات القضائية أنواع متعدّدة منها ما هو خاص بالنيابة العمومية ومنها ما هو خاص بالتحقيق وما هو خاص بالمحكمة وإنما هو إيقاف واحد خاص بكل الهيئات القضائية.
وعلى هذا الأساس فلا يمكن أن يختصّ حاكم التحقيق وحده بالإيقاف التحفظي لأن وصف التحفظي يشير إلى ظروف إتخاذه (15)  ـ من ناحية ـ كما أن الفصل 325 من مجلة الإجراءات الجزائية يمكن وكيل الجمهورية وليس حاكم التحقيق بإيقاف الأجنبي إيقافا تحفظيا عند التأكد وبناءا على طلب السلطات القضائية للدولة الأجنبية التي تطلب تسليمه بمجرد الإتصال بما يثبت وجود الوثائق المؤيدة لطلب التسليم.  
كما أن لفظة التحفظي ـ حسب إعتقادي ـ هي ترجمة منحرفة للنص الفرنسي الذي كان يعبّر عن الإيقاف قديما بالإيقاف الإحتياطي وأصبح يعبّر عنه اليوم بالإيقاف المؤقت(16) وهو الحبس الإحتياطي في مصر والإعتقال الإحتياطي في المغرب والتوقيف الإحتياطي في لبنان
إن كان هذا هو مدلول الإيقاف فإن الأحكام القانونية المنطبقة على مؤسسة الإيقاف التحفظي لها مصادر قانونية وميادين تنطبق عليها لذلك يتم التعرض في الفصل الأول من هذا الجزء إلى مصادر أحكام الإيقاف التحفظي وفي الفصل الثاني إلى ميادين تطبيقها.

الفصل الأول
مصادر أحكام الإيقاف التحفظي

إن الأحكام القانونية المنطبقة على مؤسسة الإيقاف التحفظي قد تضمنتها مجلة الإجراءات الجزائية (القسم الأول) والقوانين المنقحة لها (القسم الثاني)

القسم الأول
مجلة الإجراءات الجزائية وقواعد الإيقاف التحفظي

لقد إستهلت مجلة الإجراءات الجزائية أحكام الإيقاف التحفظي بمبدإ نصّ عليه الفصل 84 وهو: " الإيقاف التحفظي وسيلة إستثنائية" وهذا يفيد أن السراح هو الأصل والإيقاف هو الإستثناء بالنسبة للمتهم.
لذلك تولى المشرع ضبط شروط الإيقاف التحفظي (الفقرة الأول) ووسيلة الإذن به (الفقرة الثانية) والهيئة المؤهلة لإتخاذه (الفقرة الثالثة).


الفقرة الأولى
 شروط الإيقاف التحفظي

إن قرار إيقاف المظنون فيه تحفظيا وإيداعه بالسجن قرار صارم وخطير لذلك أوجب المشرع ـ عند إتخاذه ـ مراعاة القواعد التالية:
1 ـ أن تكون الجريمة المرتكبة من نوع الجناية أو الجنحة المتلبّس بها
2 ـ أو أن تظهر قرائن قوية تستلزم الإيقاف بإعتباره
    ـ وسيلة أمن يتلافى بها إقتراف جرائم جديدة.
    ـ أو ضمانا لتنفيذ العقوبة.
    ـ أو طريقة توفر سلامة سير البحث.
ويبقى مع ذلك الإيقاف التحفظي إجراءا خطيرا يعمد بواسطته إلى سجن إنسان يعتبره الدستور (17) بريئا إلى أن تثبت إدانته مؤكدا أنه يحجر تعريض أي كان لإحتفاظ أو لإيقاف تعسفي.
وإن الإذن بالإيقاف التحفظي هو قرار قضائي خاضع للقواعد القانونية بالقياس على ما أقرته الدوائر المجتمعة بمحكمة التعقيب (18) " إن القرارات الصادرة من قلم التحقيق أو دائرة الإتهام في مطالب الإفراج عن الموقوفين هي قرارات قضائية خاضعة لقواعد قانونية (الفصل 58 وما بعده من قانون المرافعات الجنائية) يجب احترامها لصحة القرار.
وتأسيسا على ذلك فان القرارات الصادرة في هذا الشأن عن دائرة الإتهام قابلة للطعن بطريق التعقيب فتنظر محكمة التعقيب فيها لمراقبة صحّة تطبيق تلك القواعد القانونية وصحة تطبيق النصّ القانوني على الجريمة المنسوبة للمتهم.
أما إتجاه مطلب الإفراج من عدمه فلا شأن لها فيه إذ أن ذلك يرجع فيه لتقدير الوقائع وظروف القضية وخطورتها ومصلحة سير العدالة وهي أمور أوكلها القانون لإجتهاد قاضي الموضوع وحسن تبصّره."
وقد أكّد ذلك قرار تعقيبي لاحق (19) حين قال:
" إن الطعن بالتعقيب في قرار دائرة الاتهام المتعلقة بالإيقاف والإفراج المؤقت لا يقبل إلا إذا كان الطعن مؤسسا على خرق النصوص القانونية التي طبقت قواعد الإيقاف والإفراج المؤقت حسبما ذهب إليه اجتهاد محكمة التعقيب بقرارها الصادر عن دوائرها المجتمعة في 03 ديسمبر 1966 تحت عدد 5088.  
 ـ لا جدال في وجاهة الإيقاف من عدمه لأنه جدال موضوعي لا شأن لمحكمة التعقيب به "





الفقرة الثانية
 وسيلة الإيقاف التحفظي

إن وسيلة الإيقاف التحفظي هي بطاقة الإيداع وهي إحدى البطاقتين القضائيتين اللتين تعرّضت لهما مجلّة الإجراءات الجزائية وهما بطاقة الجلب وبطاقة الإيداع.
أما البطاقة الأولى فإنها تصدر ضدّ المظنون فيه لعدم حضوره للبحث أو للجلسة بعد إستدعائه كما يجب ولتوفر الشروط القانونية التي تمكّن من إيقافه تحفظيا.
وتتجسّم هذه البطاقة في إعطاء الإذن لكلّ عون من أعوان القوّة العامّة بإلقاء القبض على المظنون فيه وجلبه أمام الحاكم.
ويجب أن يستنطق المتهم بعد تنفيذ البطاقة في أجل لا يتجاوز الثلاثة أيام من تاريخ إيداعه بالسجن.
وبإنقضاء هذا الأجل وعند عدم إستنطاقه يقدّم كبير حراس السجن المتهم إلى وكيل الجمهورية الذي يطلب من حاكم التحقيق الذي أصدر البطاقة مباشرة إستنطاقه حالا.
وفي صورة ما إذا إمتنع حاكم التحقيق من مباشرة الإستنطاق أو تعذر عليه ذلك يتولى الإستنطاق رئيس المحكمة أو الحاكم الذي يعينه وإذا لم يقع هذا الإستنطاق يأمر وكيل الجمهورية بالإفراج حالا عن ذي الشبهة.
وعندما تصدر المحكمة بطاقة الجلب فعليها أن تستنطق المتهم حالا في صورة إحضاره أو بواسطة أحد أعضائها وإن تعذّر ذلك ففي أجل قدره ثلاثة أيام من تاريخ إيداعه بالسجن وبإنقضاء هذا الأجل يقدّم مدير السجن وجوبا المتهم إلى وكيل الجمهورية الذي يطلب من المحكمة إتخاذ قرار في شأنه وإن لم تفعل يأذن بالإفراج عنه حالا.
هذا والملاحظ أن المشرع لم يضبط الأجل الواجب إحترامه والذي يفصل تاريخ إنقضاء أجل الثلاثة أيام الأولى وتاريخ الأمر بالإفراج حالا من وكيل الجمهورية عند عدم إستنطاق المظنون فيه لأنه وإن قال حالا فهو يحتاج إلى التحديد.
أما البطاقة الثانية وهي بطاقة الإيداع فإن إصدارها يتمّ ضد المظنون فيه من حاكم التحقيق بعد استنطاقه وأخذ رأي وكيل الجمهورية إذا كانت الفعلة تستوجب عقابا بالسجن أو عقابا أشدّ.
يتضّح من نصّ الفصل 80 من مجلة الإجراءات الجزائية أن بطاقة الإيداع تصدر بعد مثول المتهم أمام حاكم التحقيق وإستنطاقه.
ويقع إعلام المتهم ببطاقة الإيداع شفاهة من حاكم التحقيق ويسلم للعون المكلف بتنفيذها المتهم إلى كبير حراس السجن الذي يعطيه وصلا بالإعتراف بالتبليغ والإيداع.
  
الفقرة الثالثة
 سلطة الإذن بالإيقاف التحفظي

من يأذن بالإيقاف التحفظي؟
يجيب عن هذا السؤال الفصل 12 من الدستور القاضي بأن لا يتم الإيقاف التحفظي إلا بإذن قضائي.
أما الفصل 80 من مجلة الإجراءات الجزائية فإنه  يسمح لحاكم التحقيق بعد إستنطاق ذي الشبهة بأن يصدر بطاقة إيداع في السجن بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية وذلك إذا كانت الفعلة تستوجب عقابا بالسجن أو عقابا أشدّ. 
ولئن تعرّض المشرّع لبطاقة الإيداع ضمن أحكام التحقيق فإن إصدارها غير مقصور على حاكم التحقيق وإنما يمكن أن تصدر عن السلط التالية:
 
ـ وكيل الجمهورية وبطاقة الإيداع
 يعطي الفصل 34 من مجلة الإجراءات الجزائية لوكيل الجمهورية مع سلطة التتبع(20) جميع ما لحاكم التحقيق من السلط في جميع صور الجنايات أو الجنح المتلبس بها وهكذا يمكن لوكيل الجمهورية إصدار بطاقة إيداع ضدّ المتهم في صورة التلبس بجنحة أو بجناية.
وعند إحالة المظنون فيه توا من وكيل الجمهورية على المحكمة الإبتدائية بعد إستنطاق بسيط في صورة الجريمة المتلبس بها فإنه يمكن لوكيل الجمهورية إذا لم يكن في ذلك اليوم جلسة أن يصدر بطاقة إيداع ويأذن بوضع المظنون فيه بمحلّ الإيقاف.
ويلزم إحضار المظنون فيه في هذه الصورة بأقرب جلسة ممكنة وذلك طبقا لأحكام الفصل 206 ثالثا مكرّر من مجلة الإجراءات الجزائية.
إذا كانت القضية غير مهيأة للحكم فإنه يمكن للمحكمة أن تؤخرها لزيادة التحرّي لأقرب جلسة مقبلة كما يمكن لها أن تؤيد بطاقة الإيداع طبقا لأحكام الفصل 206 مكرّر من نفس المجلة.

ـ التحقيق بدرجتيه وبطاقة الإيداع
1) حاكم التحقيق
سبق أن بينا أنه يمكن لحاكم التحقيق ـ من ناحية ـ إصدار بطاقة إيداع ذي الشبهة في السجن بعد إستنطاقه وأخذ رأي وكيل الجمهورية وذلك إذا ما كانت الفعلة تستوجب عقابا بالسجن أو عقابا أشدّ طبقا لأحكام الفصل 80 من مجلة الإجراءات الجزائية.
ويمكن لحاكم التحقيق الذي سبق له أن أصدر قرارا يقضي بالإفراج المؤقت عن المظنون فيه ـ من ناحية أخرى ـ إصدار بطاقة إيداع جديدة ضدّه إن دعت الحاجة لذلك بسبب عدم حضوره بعد استدعائه كما يجب أو بسبب ظهور ظروف جديدة وخطيرة طبقا لأحكام الفصل 88 من مجلة الإجراءات الجزائية.
أما إذا سبق لحاكم التحقيق أن أصدر قرارا يقضي برفض طلب الإفراج المؤقت عن ذي الشبهة وقرّرت دائرة الإتهام الإفراج المؤقت خلافا لذلك فإنه لا يمكن لحاكم التحقيق في هذه الصورة إصدار بطاقة إيداع جديدة إلا إذا وافقته دائرة الإتهام على ذلك بقرار يصدر بعد سماع ممثل النيابة العمومية.
2) دائرة الإتهام
يجوز دائما لدائرة الإتهام أن تصدر بطاقة إيداع ضدّ المظنون فيه في القضايا المحالة عليها عملا بأحكام الفصل 117 من مجلة الإجراءات الجزائية.

ـ المحكمة المختصّة وبطاقة الإيداع
أ ـ لقد أكدّت مجلة الإجراءات الجزائية ضمن الأحكام المشتركة بين مختلف المحاكم أنه إذا فرّ المتهم تفصيا من التتبع المجرى ضدّه فللمحكمة أن تصدر في شأنه بطاقة إيداع تطبيقا للفصل 142 من مجلة الإجراءات الجزائية (21)
ب ـ كما يمكن للمحكمة المنشورة لديها القضية إصدار بطاقة إيداع جديدة ضد المظنون فيه إن دعت الحاجة إلى ذلك بسبب عدم حضوره بعد إستدعائه كما يجب أو بسبب ظهور ظروف جديدة خطيرة وذلك بعد أن سبق لها أن أصدرت قرارا في شأنه  يقضي بالإفراج المؤقت عنه تطبيقا للفصل 88 من مجلة الإجراءات الجزائية.

ـ حاكم الناحية وبطاقة الإيداع
يمكن أيضا لحاكم الناحية إصدار بطاقة إيداع بالسجن في مادة المخالفات قصد إبقاء المظنون فيه تحت طلبه إن كان بحالة سكر أو عجز عن التعريف بنفسه أو كان لا مقرّ معيّن له أو كان يخشى من وقوع التشويش من سراحه إلا أنه لا يمكن أن تتجاوز بحال مدّة هذا الإيقاف ثمانية أيام طبقا لأحكام الفصل 202 من مجلة الإجراءات الجزائية.
إن كان الإيقاف عنصرا مشتركا بين الإيقاف التحفظي والإحتفاظ فإلى أي نوع ينتمي الإيقاف الذي يأذن به حاكم الناحية في الصورة السابقة الذكر.
لا يعتبر هذا الإيقاف إحتفاظا لأنه إجراء خاص بمأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس والقمارق وله شروط مضبوطة وهو تحت الرقابة القضائية.
بل يعتبر من قبيل الإيقاف التحفظي لأن وسيلة الإذن به هي بطاقة الإيداع ولو كانت مدّته قصيرة.  
ولأن المشرّع الذي لم يسمح بحال إبقاء المظنون فيه موقوفا ـ في هذه الحالة ـ مدّة تتجاوز الثمانية أيام يعتبر أن هذه المدّة كافية لوضع حدّ للظروف التي أوجبت إيقاف المظنون فيه. 

ـ محكمة الإستئناف وبطاقة الإيداع
نلاحظ بخصوص مآل بطاقة الإيداع عند وقوع الطعن بالإستئناف في الأحكام الإبتدائية أن بطاقة الإيداع في السجن عند إستئناف الحكم تظلّ عاملة إلى إنقضاء أمد العقاب المحكوم به إبتدائيا أو إلى أن يصدر الحكم من محكمة الإستئناف إذا كان الطعن بطلب من ممثل النيابة العمومية طبقا لأحكام الفصل 214 من مجلة الإجراءات الجزائية.
إلى هنا يتأكد أن إيداع المظنون فيه بالسجن لا يتمّ إلا بإذن قضائي وهو إجراء معمول به رغم أن المشرّع لم يتعرض للإيقاف التحفظي في قانون المرافعات الجنائي الصادر بالأمر المؤرخ في 30 سبتمبر 1921 على غرار ما نصّت عليه مجلة الإجراءات الجزائية الصادرة بالقانون المؤرخ في 24 جويلية 1968.
ولئن أجاز القانونان المذكوران إيداع المظنون فيه بالسجن ولم يحدّدا مدّة الإيقاف فإنهما حتّما الإفراج بضمان أو بدونه بعد إستنطاق المظنون فيه بخمسة أيام إذا كان له مقرّ معيّن ولم يسبق الحكم عليه بأكثر من ثلاثة أشهر سجنا إذا كان أقصى العقاب المقرّر قانونا للجريمة دون العام سجنا (22).
إن كانت هذه هي ملامح أحكام الإيقاف التحفظي إثر صدور مجلة الإجراءات الجزائية فما هي التغييرات التي أدخلت عليها لاحقا.

القسم الثاني
                         أحكام الإيقاف التحفظي في القوانين الجديدة

 من الثابت أن مجلة الإجراءات الجزائية تسمح بإيداع المظنون فيه بالسجن قبل ثبوت الإدانة وصدور الحكم أن الإيقاف هو وسيلة إستثنائية ورغم ذلك فإن الحكم بعدم سماع الدعوى وترك السبيل كثيرا ما يصدر بعد أن يقضي المظنون فيه مدّة طويلة بالسجن.
ولئن أعطى القانون عدد 94 لسنة 2002 المؤرخ في 29 أكتوبر 2002 المتعلق بالتعويض للموقوفين والمحكوم عليهم الذين ثبتت براءتهم (23) لكلّ من أوقف تحفظيا أو نفذت عليه عقوبة السجن حقّ مطالبة الدولة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحقه من جراء ذلك فإن ما يلحق الشخص من الأذى المعنوي والصحّي عند دخوله السجن لا يعوّض بمال إذا كان بريئا أو أفرط في حبسه.
حقا لقد تعدّدت تدخلات المشرّع لتحقيق السرعة في الفصل والنطق بحكم يقضي إما بسراح الموقوف أو بسجنه مدّة معلومة وإتجهت العناية بأحكام الإيقاف التحفظي بواسطة القوانين التالية التي نخصص لكل واحد منها فقرة من هذا القسم:

الفقرة الأولى
القانون عدد 70 لسنة 1987

لقد أولى القانون عدد 70 لسنة 1987 المؤرخ في 26 نوفمبر 1987 المتعلق بتنقيح بعض الفصول من مجلة الإجراءات الجزائية (24) إهتماما بالإيقاف التحفظي حين ألغى الفصول  85 و86 و87  من المجلة المذكورة وعوّضها بأحكام جديدة.
فبخصوص الإيقاف التحفظي فقد تضمنت أحكامه بعد التنقيح الفصلان 84 و85 من مجلة الإجراءات الجزائية: 
1 ـ أما الفصل 84 فإن الإبقاء على نصّه القديم حجّة على تمسّك المشرّع بالمبدأ القاضي بأن الإيقاف التحفظي وسيلة إستثنائية ـ من ناحية ـ وعلى أنه يجب عند إتخاذه مراعاة القواعد التي تضمنها الفصل 85 ـ من ناحية أخرى ـ
2 ـ أما الفصل 85 المشتمل قبل التنقيح على فقرتين إثنتين فقد أضاف له القانون عدد 70 لسنة 1987 المؤرخ في 26 نوفمبر 1987 ثلاث فقرات جديدة توسطت فقرتيه السابقتين وهو يتعلق بالأحكام التالية:
ـ الفقرة الأولى من الفصل 85: تتعلق بالأحكام المعهودة والواجب مراعاتها عند إتخاذ وسيلة الإيقاف التحفظي وهي إما التلبس بالجناية أو الجنحة وإما ظهور قرائن قوية تجعل الإيقاف وسيلة أمن يتلافى بها إقتراف جرائم جديدة أو ضمانا لتنفيذ العقوبة أو طريقة توفر سلامة سير البحث .
وكانت الطريقة الأخيرة قبل التنقيح "توفر صدق البحث" فأصبحت بعد التنقيح توفر سلامة سير البحث.
ـ الفقرة الثانية من الفصل 85: تتضمن أحكاما يفهم منها أن المشرّع أراد أن يتدارك بها الإهمال الحاصل في عدم تحديد مدّة الإيقاف وضرب أجل لنهايته وهو ما نلمسه في النصّ التالي:
" والإيقاف التحفظي في الحالات المنصوص عليها بالفقرة السابقة لا يجوز أن يتجاوز الستة أشهر."
 ـ الفقرة الثالثة من الفصل 85: تمكّن هذه الفقرة من التمديد في مدّة الإيقاف على النحو التالي: "وإذا اقتضت مصلحة البحث إبقاء المظنون فيه بحالة إيقاف يمكن لقاضي التحقيق بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية وبمقتضى قرار معلّل تمديد فترة الإيقاف مرّة واحدة بالنسبة للجنحة أو مرّتين بالنسبة للجناية على أن لا يتجاوز الستة أشهر ".
وهكذا أصبحت بمقتضى هذه الأحكام مدّة الإيقاف التحفظي القصوى عاما كاملا بالنسبة للجنحة وعاما ونصف العام بالنسبة للجناية
لقد سبق أن بينا أن بطاقة الإيداع في السجن يمكن أن يصدرها وكيل الجمهورية وحاكم التحقيق ودائرة الإتهام والمحكمة المختصّة
فهل يمكن لهم تمديد فترة الإيقاف بمقتضى قرار طبقا للشروط الواردة بالتنقيح؟
إن كان من الممكن لوكيل الجمهورية إصدار بطاقة إيداع في السجن فإن هذا الإذن يصدر بعد إثارة الدعوى العمومية التي تعقبها أعمال التتبع وهي:
1) في صورة الجناية
على وكيل الجمهورية أن يطلب حالا من حاكم التحقيق الذي بمنطقته إجراء بحث قانوني (25)
وبمقتضى قرار تعهد بمقتضاه القضية بصفة لا رجوع فيها لحاكم التحقيق (26) الذي يمكنه إصدار بطاقة إيداع في السجن بعد إستنطاق ذي الشبهة إذا كانت الفعلة تستوجب عقابا بالسجن أو عقابا أشدّ (27)
2) في صورة الجنحة
يحيل وكيل الجمهورية مباشرة ملف القضية على المحكمة الإبتدائية إن ظهر له عدم لزوم إحالتها على حاكم التحقيق وله أن يحيل المظنون فيه توا على المحكمة بعد إستنطاق بسيط في صورة الجريمة المتلبس بها
3) في صورة المخالفة والجنح التي هي من أنظار الناحية
يحيل وكيل الجمهورية مباشرة ملف القضية في صورة المخالفة أو الجنحة على حاكم الناحية
ومن هنا يتضح أن المدّة الفاصلة بين إثارة الدعوى العمومية وأول عمل تتبع لا يستغرق مبدئيا مدّة الإيقاف التحفظي وهي ستة أشهر حتى يحتاج إلى التمديد.
بالنسبة لدائرة الإتهام يمكنها أن تصدر قرار يتعلق بالتمديد في مدّة الإيقاف التحفظي وهو أمر وارد
وما هو سائد في الأوساط القضائية أن المحكمة عندما تصدر بطاقة إيداع المتهم في السجن فإنها غير معنية بالفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلقة بالإيقاف التحفظي وإنما بنصوص قانونية تمكنها من ذلك وهي الفصل 202 بالنسبة لمحكمة الناحية والفصل 206 بالنسبة للمحكمة الإبتدائية.
هذا وقد إشترط المشرّع أن يكون قرار التمديد الذي إقتضت مصلحة البحث إتخاذه معلّلا.
لئن فرض المشرّع تعليل قرار تمديد الإيقاف التحفظي فالأجدر أن يبادر بفرض تعليل القرار من البداية عند إصدار بطاقة إيداع المتهم في السجن لا بعد أن قضّى به ستة أشهر في صورة الجنحة وستة أشهر أو عام في صورة الجناية 
 ـ الفقرة الرابعة من الفصل 85: أكّدت الفقرة الرابعة من الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية أن القرار القاضي بتمديد فترة الإيقاف للمرّة الأولى والأخيرة بالنسبة للجنحة وللمرّة الأولى أو الثانية والأخيرة بالنسبة للجناية قابل للإستئناف لدى دائرة الإتهام
هذا وإضافة إلى حقّ الطعن المذكور يجوز لوكيل الجمهورية أن يطعن بالإستئناف لدى دائرة الإتهام في القرار المخالف لطلباته عندما يأخذ حاكم التحقيق رأيه بخصوص إصدار بطاقة إيداع المتهم بالسجن بعد إستنطاقه  طبقا لأحكام الفصل 80 من مجلة الإجراءات الجزائية.
وبالإضافة إلى هذا الطعن فقد تضمن الفصل 87 من مجلة الإجراءات الجزائية بعد تنقيحه بالقانون عدد 70 لسنة 1987 المؤرخ في 26 نوفمبر 1987 الأحكام التالية:
"القرار الصادر عن قاضي التحقيق في قبول أو رفض مطلب الإفراج المؤقت يقبل الإستئناف لدى دائرة الإتهام من طرف وكيل الجمهورية أو القائم بالحق الشخصي أو المظنون فيه كما يقبل الإستئناف من الوكيل العام.
وإستئناف وكيل الجمهورية يحول دون تنفيذ قرار الإفراج.
أما إستئناف الوكيل العام والقائم بالحق الشخصي فلا يحولان دون تنفيذ ذلك القرار
ومن هنا يتضح تعدّد أوجه الطعن بالإستئناف في قرارات حاكم التحقيق والطعن بالتعقيب في قرارات دائرة الإتهام وكلّ طعن هو في الحقيقة إجراء في ظاهره ممارسة لحقّ مشروع وفي باطنه مزيدا من بقاء إنسان في السجن.
ـ الفقرة الخامسة من الفصل 85: تتعلق بالإفراج الوجوبي بضمان أو بدونه بعد الإستنطاق بخمسة أيام على شرط أن يكون للمتهم: 
ـ مقرّ معيّن بالتراب التونسي بعد أن كان الشرط قبل التنقيح أن يكون له مقرّ معيّن
ـ إذا توّفرت الشروط المضبوطة والمتعلقة بسوابق المتهم وبعقاب الجريمة المنسوبة إليه.
 وقد أدخل التنقيح على هذه الشروط التغيير التالي :
فبعد أن كان الشرط المطلوب ليتمتع المتهم بالإفراج بضمان أو بدونه أنه لم يسبق الحكم عليه بأكثر من ثلاثة أشهر سجنا وكان أقصى العقاب المقرّر قانونا دون العام سجنا أصبح الشرط ـ بعد التنقيح ـ أنه لم يسبق الحكم عليه بأكثر من ثلاثة أشهر سجنا وأقصى العقاب المقرّر قانونا لا يتجاوز العام سجنا
وبذلك يكون من لم يسبق الحكم عليه بأكثر من ثلاثة أشهر سجنا وكان أقصى العقاب المقرّر قانونا هو عام سجنا يتمتع بالإفراج بعد التنقيح الواقع سنة 1987 في حين أنه لم يكن يتمتع به قبل التنقيح وبذلك يزداد عدد المنتفعين بالإفراج الوجوبي.
 ومن البديهي أن تكون غاية هذه الشروط منع تمديد مدّة الإيقاف إلا عند الضرورة الملحّة وهو إجراء من شأنه أن يحث على السرعة في النطق بالحكم الذي ينقضي به الإيقاف التحفظي ويعوّض إما بالسّراح أو بالسجن النافذ.

الفقرة الثانية
القانون عدد 114 لسنة 1993

لقد نقّح القانون المؤرخ في 22 نوفمبر 1993 المتعلق بتنقيح وإتمام بعض فصول من مجلة الإجراءات الجزائية (28) الفقرة الثالثة من الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلقة بالتمديد  في مدّة الإيقاف التحفظي وجعلها بالنسبة إلى الجنحة مرّة واحدة لا تزيد مدّتها على ثلاثة أشهر وبالنسبة إلى الجناية مرّتين إثنتين لا تزيد مدّة كلّ واحدة على أربعة أشهر
وهكذا أصبحت المدّة القصوى للإيقاف التحفظي بعد التنقيح تسعة أشهر بالنسبة للجنحة وعام وشهرين إثنين بالنسبة للجناية
كما نقّح هذا القانون الشرط المتعلّق بعقاب الجريمة المنسوبة للمتهم لكي يتمتع بالإفراج الوجوبي فبعد أن كان أقصى العقاب المقرّر قانونا عاما سجنا أصبح أقصى العقاب المقرّر قانونا لا يتجاوز العام سجنا.
ومن الواضح أن هذا التنقيح نقصّ في المدّة القصوى للإيقاف التحفظي وزاد بالإضافة إلى ذلك في عدد الموقوفين المتمتعين بالإفراج الوجوبي بعد التنقيص من مدّته. 

الفقرة الثالثة
القانون الدستوري عدد 51 لسنة 2002

عندما ينصّ الفصل 12 من الدستور قبل تنقيحه على أن:
"كلّ متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه."
فإنه يترتب عن هذا المبدإ ـ بدون شكّ ـ أن الحكم النهائي القاضي بالإدانه والسجن الصادر من المحكمة المنتصبة للقضاء في ظروف عادية توفرت فيها الضمانات الكفيلة بالدفاع عن المتهم هو وحده الذي يزيل عن المتهم صفة البراءة التي هي الأصل في الإنسان.
أما وقد نصت مجلة الإجراءات الجزائية ـ أولا ـ في الفصل 13 مكرّر أنه:
" في الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث لا يمكن لمأموري الضابطة العدلية المبيّنين بالعددين 3 و4 من الفصل 10 ولو في حالة التلبس بالجناية وبالجنحة ولا لمأموري الضابطة العدلية من أعوان القمارق في نطاق ما تخوله لهم المجلة القمرقية الإحتفاظ بذي الشبهة لمدّة تتجاوز ثلاثة أيام يمكن التمديد فيها مرّة واحدة ولنفس المدّة من وكيل الجمهورية ـ كما نصت ثانيا ـ في فصول أخرى من المجلة على أنه يمكن لوكيل الجمهورية ولحاكم التحقيق ولدائرة الإتهام والمحكمة المختصة إصدار بطاقة إيداع المتهم في السجن قبل صدور الحكم عليه ولمدّة لا تتجاوز الستة أشهر قابلة للتمديد فإن هذه النصوص مخالفة للدستور.
لذا وتأكيدا للمبدأ الدستوري القاضي بأن تضمن الجمهورية التونسية الحريات الأساسية وحقوق الإنسان تمّ تنقيح الفصل 12 من الدستور وأضاف له القانون الدستوري عدد 51 لسنة 2002 المؤرخ في غرّة جوان 2002 المتعلق بتنقيح بعض أحكام من الدستور (29) في فقرة أولى الأحكام التالية:
" يخضع الإحتفاظ للرقابة القضائية ولا يتمّ الإيقاف التحفظي إلا بإذن قضائي ويحجر تعريض أي كان لإحتفاظ أو لإيقاف تعسفي "
وبذلك أصبح الإحتفاظ ومثله الإيقاف التحفظي إستثناءا دستوريا للمبدأ الذي تنصّ عليه الفقرة الأولى من الفصل 12 من الدستور والقاضي " بأن كل متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته"في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه " مع الإعتراف الصريح بخطورة الإحتفاظ والإيقاف التحفظي لأن أمر تعريض أي كان لإحتفاظ أو لإيقاف تعسفي محجر دستوريا.    

الفقرة الرابعة
من القانون عدد 21 لسنة 2008

لقد أضاف الفصل الثاني من القانون عدد 21 لسنة 2008 المؤرخ في 04 مارس 2008 المتعلق بوجوب تعليل قرار التمديد في الإحتفاظ والإيقاف التحفظي (30) إلى آخر الفقرة الثانية من الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية العبارة التالية:
"ويكون قرار الإيقاف التحفظي معللا ويتضمن الأسانيد الواقعية والقانونية التي تبرره"
والملاحظ في هذا الصدد أن المشرع الذي سبق له أن اشترط تعليل قرار التمديد في مدّة الإيقاف التحفظي بالقانون عدد 70 لسنة 1987 المؤرخ في 26 نوفمبر 1987 لم يشترط التعليل عند إتخاذ القرار الرئيسي وهو قرار الإذن بإيقاف المظنون فيه إيقافا تحفظيا في كلّ الحالات التي ضبطها المشرع في مجلة الإجراءات الجزائية وقد سبق بيان ذلك
لقد وقع تدارك هذا السهو حين اشترط المشرّع بالنسبة للإيقاف التحفظي أن يتخذ أول مرّة بقرار معلّل يتضمن الأسانيد الواقعية والقانونية التي تبرّر الإيقاف وهو أمر يستوجب تشخيص الحالات التي ضبطها الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية والداعية للإيقاف مع بيان أركانها القانونية والواقعية.

الفقرة الخامسة
من القانون عدد 75 لسنة 2008

لقد أدخل هذا القانون عدد 75 لسنة 2008 المؤرخ في 11 ديسمبر 2008 المتعلق بتدعيم ضمانات المتهم وتطوير وضعية الموقوفين وتيسير شروط الإدماج (31) على أحكام الإيقاف التحفظي تحويرات تجسّم سعي المشرّع المتواصل في تحقيق هدفه الرامي إلى عدم إستعمال حقّ التمديد في مدّة الإيقاف واللجوء إليه بسهولة وبدون موجب.
وبما أن ما يهمّ موضوع الدراسة من هذا القانون هي الإجراءات الكفيلة بمواصلة توفير سلامة سير البحث دون التمادي على سجن الشخص تحفظيا بعد انتهاء المدّة القانونية للإيقاف التحفظي لذلك يتمّ التعرّض من هذا القانون إلى:
أولا: الفقرة الجديدة التي أضيفت للفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية
ثانيا: التنقيح الواقع للفقرة الخامسة من الفصل 85 مجلة الإجراءات الجزائية
ثالثا: الفصل 104 مكرّر الذي أضيف لمجلة الإجراءات الجزائية
ـ أولا: الفقرة الجديدة من الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية
إنه يتعين التذكير بخصوص الفقرة الجديدة المضافة إلى الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية بأن هذا الفصل كان يشتمل قبل التنقيح الأخير على خمس فقرات أضيفت له فقرة جديدة أدرجت مباشرة قبل الفقرة الأخيرة وهي التالية:
" ولا يمكن أن يترتب عن قرار دائرة الإتهام بإحالة الملف إلى قاضي التحقيق لمواصلة بعض الأعمال التي تقتضيها تهيئة القضية للفصل تجاوز المدّة القصوى للإيقاف التحفظي للمتهم الذي يتحتم في هذه الحالة على قاضي التحقيق أو دائرة الإتهام حسب الأحوال الإذن بالإفراج عنه مؤقتا دون أن يمنع ذلك من إتخاذ التدابير اللازمة بضمان حضوره".
إن موضوع هذه الفقرة الخامسة الجديدة من الفصل 85 يستدعي التذكير بالأحكام التالية:
أ ـ يعطي الفصل 116 من مجلة الإجراءات الجزائية لدائرة الإتهام إمكانية الإذن بإجراء بحث تكميلي بواسطة حاكم التحقيق.
لا شكّ أنه يترتب عن ممارسة هذا الحقّ إرجاع ملف القضية إلى حاكم التحقيق للقيام بالأعمال المأذون بها التي تقتضيها تهيئة القضية للفصل وهو أمر يتطلب في الواقع وقتا يزيد مدّة الإيقاف التحفظي طولا.
ب ـ كما يعطي الفصل 116 أيضا لدائرة الإتهام الحقّ في الإذن بإجراء تتبع جديد أو في البحث بنفسها أو بواسطة عن أمور لم يقع إجراء تحقيق في شأنها.
لا شكّ أيضا في أنه يترتب عن ممارسة هذا العمل مزيدا في طول المدّة التي يقضيها المتهم الموقوف تحفظيا بالسجن لذلك أكّد المشرّع بالتنقيح المذكور أن قرار دائرة الإتهام بإجراء البحث لا يمكن أن يترتّب عنه تجاوز المدّة القصوى للإيقاف التحفظي وأوجب على حاكم التحقيق أو دائرة الإتهام حسب الأحوال الإذن بالإفراج مؤقتا عن المتهم بانقضاء هذه المدّة.
ـ ثانيا: الفقرة الأخيرة من الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية
لا بدّ من التذكير بخصوص تنقيح الفقرة السادسة من الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية بما يلي:
إن للفقرة الأخيرة من الفصل 85 تاريخ وجذور.
 لقد مكّن قانون المرافعات الجنائي الصادر سنة 1921 حاكم التحقيق من الإذن بسجن المظنون فيه في الجنح المتلبس بها وكلما توجدت قرائن قوية إستبان منها لزوم الإيقاف كوسيلة تحفظية تجتنب بها جرائم أخرى أو ضمان يتحقق به تنفيذ العقاب أو طريقة يحصل بها تحقيق البحث
ويكون الإيقاف في السجن لزوميا في جميع صور الجناية المتلبس بها.
إن سكت قانون المرافعات الجنائي عن مدّة الإيقاف التحفظي ولم يحدّدها فإنه لم يهمل إمكانية الإفراج المؤقت عن المظنون فيه وبيّن سبل تحقيقه في الفصل 65 وهي:
1) بأمر من حاكم التحقيق من تلقاء نفسه.
2) بطلب من ذي الشبهة أومن وكيله أي محاميه. 
3) بطلب من المدعي العمومي.
4) بالقانون الذي يحتم الإفراج عن المظنون فيه في الصورة التي يبيّنها ويضبط شروطها.
والرأي عندي أن المشرع لم يغفل في البداية عن تحديد مدّة الإيقاف وما كان له أن يحدّدها بعد أن ضبط شروطا متى توفرت أمكن إيقاف المظنون فيه وإيداعه بالسجن
وحين ترك المشرّع باب الإفراج الإختياري بضمان أو بدونه مفتوحا فإنه يعتبر أن الإيقاف يمكن أن يمتدّ إلى آخر المحاكمة ما لم يتّخذ الحاكم قرارا في الإفراج المؤقت من تلقاء نفسه أو بطلب من المتهم أو من محاميه
وهذا يفيد أن المشرع يعتبر إن المتهمين الذين توفرت فيهم شروط الإيقاف وإيداعهم بالسجن يستحقون ذلك إلى صدور الحكم ما لم يتخذ الحاكم قرارا في الإفراج المؤقت عن المتهم من تلقاء نفسه أو بطلب من المظنون فيه أو من محاميه.
وأضاف المشرّع لذلك صورة الإفراج الوجوبي للمتهمين الموقوفين الذين لا تتجاوز خطورتهم حدّا تولى ضبطه واعتبر توفر شروطه فيهم يحتّم الإفراج عنهم بعد إستنطاقهم بخمسة أيام.
ومع ذلك فمن الثابت أن صورة الإفراج الوجوبي لم يقع إلغاؤها بعد أن ضبط المشرّع مدّة الإيقاف التحفظي بل لاقت على العكس عناية متجددة من القوانين التي تولت تنقيح أحكام الإيقاف التحفظي وتطويرها.
ليس من شكّ في أن المشرّع يسعى بكل تنقيح يتعلّق بأحكام الإيقاف التحفظي في تمكين أكبر عدد ممكن من المتهمين من الإفراج المؤقت بضمان أو بدونه وهو ما يتبيّن بصفة جليّة من الكشف التاريخي للشروط الواجب توفرها في المتهم الذي يتحتم الإفراج عنه بضمان أو بدونه بعد إستنطاقه بخمسة أيام وهو التالي :
سنة 1921 ـ  له مقرّ معين (الجزء الأخير من الفقرة 2 من الفصل 59)
           ـ لم تسبق محاكمته بأكثر من ثلاثة أشهر سجنا
           ـ إذا كان أقصى العقاب المعيّن قانونا للجريمة دون العام سجنا
سنة 1968 ـ له مقرّ معين (الفقرة 2 من الفصل 85)
            ـ لم يسبق الحكم عليه بأكثر من ثلاثة أشهر سجنا
            ـ إذا كان أقصى العقاب المقرّر قانونا دون العام سجنا
سنة 1987 ـ  له مقرّ بالتراب التونسي
            ـ لم يسبق الحكم عليه بأكثر من ثلاثة أشهر سجنا
            ـ يكون أقصى العقاب المقرّر قانونا عام سجنا
سنة 1993 ـ له مقرّ معين بالتراب التونسي (الفقرة الخامسة الفصل 85)
            ـ لم يسبق الحكم عليه بأكثر من ثلاثة أشهر سجنا
            ـ إذا كان أقصى العقاب المقرّر قانونا لا يتجاوز العام سجنا
سنة 2008 ـ له مقرّ معين باتراب التونسي (الفقرة السادسة)
            ـ لم يسبق الحكم عليه بأكثر من ستة أشهر سجنا
            ـ إذا كان أقصى العقاب المقرّر قانونا لا يتجاوز عامين سجنا فيما عدا 
              الجرائم المنصوص عليها بالفصل 68 و70 و217 من المجلة الجزائية

والملاحظ في هذا الصدد أنه إن كتب على الفقرة المتعلقة بالإفراج الوجوبي الهبوط في الرتبة في كلّ تنقيح يقع للفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية فإنه كتب لها أيضا أوعليها الثبات في الدرجة والبقاء دائما في الدرجة الأخيرة من سلّم فقرات الفصل 85 وذلك بعد أن كانت هي الفقرة الثانية والأخيرة سنة 1921 أصبحت السادسة والأخيرة سنة 2008.
ورغم ذلك لا بدّ من الإعتراف بأن كلّ هبوط يزيد هذه الفقرة تقديرا عند الموقوفين الذين تمكنهم من الإفراج بعد توسيع نطاق الإفراج الوجوبي في كلّ مرّة.
ومن الممكن أن يكون تطوّر أحكام هذه الفقرة ناتج عن إختلاف الآراء بخصوص الإيقاف التحفظي.
فقد يرى البعض أن إيداع الإنسان بالسجن قبل ثبوت الإدانة عمل خطير يقوى الشكوك ويسلب الحرية بينما يرى البعض الآخر أنه يمنع فرار المتهم وطمس أدلة الجريمة وإعدامها لذلك إهتمت القوانين قديما بما يحقق عقاب الجاني دون الإلتفات إلى حقوقه كإنسان.
أما مجلة الإجراءات الجزائية فإنها حاولت التوفيق بين حق المجتمع في ردع المعتدي وهو ما يلمس في الفقرة الأولى من الفصل 85 وقت صدورها وبين حق الإنسان في أن تحترم حريته وهو ما يلمس في الفقرة الثانية والأخيرة من نفس الفصل.
والملاحظ أن الفقرة الأولى مكنت من الإيقاف التحفظي دون تحديد مدّته لذلك يمكن أن يستغرق الإيقاف كامل وقت المحاكمة
أما الفقرة الثانية والأخيرة فإنها عالجت مدّة الإيقاف التحفظي في صورة واحدة يتحتم فيها الإفراج عن المظنون فيه بضامن أو بدونه إذا توفرت فيه شروط محدّدة تغيّرت وتتطوّرت بمناسبة كلّ تنقيح واقع لها.
ولقد كثر في السنوات الأخيرة الإعتناء بحقوق الإنسان وقد صدر في هذا المعنى القانون عدد 75 لسنة 2008 المؤرخ في 11 ديسمبر 2008 الذي نقح الفقرة الأخيرة' من الفصل 85 وإستثنى بعض الجرائم وجعل إرتكابها يمنع من الإستفادة بالإفراج الوجوبي الذي وسّع نطاقه بصفة ملحوظة و يلمس ذلك في النصّ التالي لهذه الفقرة:
 "ويتحتم الإفراج بضمان أو بدونه بعد الإستنطاق بخمسة أيام عن المتهم الذي له مقرّ معيّن بالتراب التونسي ولم يسبق الحكم عليه بأكثر من ستة أشهر سجنا إذا كان أقصى العقاب المقرّر قانونا لا يتجاوز عامين سجنا فيما عدا الجرائم المنصوص عليها بالفصول 68 و70 و217 من المجلة الجزائية."
والملاحظ أن الفصل 68 من المجلة الجزائية يتعلق بالمؤامرة الواقعة لإرتكاب إحدى الإعتداءات ضدّ أمن الدولة الداخلي والمقرّرة بالفصول 63 و64 و65 و72 من المجلة المذكورة والتي يعاقب مرتكبيها بالسجن مدّة خمسة أعوام ...
وإذا لم تتبع المؤامرة بفعل تحضيري لإنجاز الإعتداء فالعقاب يكون بالسجن مدّة عامين.
أما الفصل 70 من المجلة الجزائية فإنه يتعلق بإبداء الرأي لتكوين مؤامرة للقيام بالإعتداءات المقرّرة بالفصل 63 و64 و65 و72 من الجلة الجزائية ضدّ أمن الدولة الداخلي.
أما الفصل 217 من نفس المجلة فإنه يتعلّق بالقتل عن غير عمد الواقع أو المتسبّب عن قصور أو عدم إحتياط أو إهمال أو عدم تنبه أو عدم مراعاة القوانين يعاقب مرتكبه بالسجن مدّة عامين وخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار.
ـ ثالثا: بخصوص الفصل 104 مكرّر الذي أضيف لمجلة الإجراءات الجزائية بالقانون عدد 75 لسنة 2008 المؤرخ في 11 ديسمبر 2008
إن إضافة الفصل 104 مكرر لمجلة الإجراءات الجزائية الغاية منه تمكين حاكم التحقيق من طريقة تمكنه من التعامل مع الصورة التي تكون أعمال التحقيق قد تمت فيها بالنسبة لبعض الموقوفين في حين أنها لم تتمّ بالنسبة للبعض الآخر.
وللوقوف على قيمة الأحكام الجديدة والمتعلقة ببعض الموقوفين تحفظيا يتمّ التعرّض إلى مقتضيات الفصل 104 المتعلق بقرار ختم البحث ـ أولا ـ وإلى مقتضيات الفصل 104 مكرّر الجديدة ـ ثانيا ـ لأن المقارنة بينهما تبيّن تشعب الأعمال التي تزيد مدّة الإيقاف طولا بدون جدوى مع التأكيد بأن الفصل 104 يتعلق بقرار التحقيق بعد الإنهاء التام لأعمال القضية وختم البحث في حين يتعلق الفصل 104 مكرر الجديد بقرار حاكم التحقيق عند إنهاء الأعمال بالنسبة لبعض الموقوفين دون الآخرين وما يجب أن يقوم به في مثل هذه الحال.
أولا: قرار ختم البحث والفصل 104 من مجلة الإجراءات الجزائية
 إن الأعمال التي يقوم بها حاكم التحقيق مباشرة إثر إنتهاء البحث الذي يقتضي قبل التنقيح أن يشمل كل المتهمين هي التالية:
1 ـ بعد تأكد حاكم التحقيق من أنه أنهى الأعمال اللازمة بالنسبة لجميع المتهمين في القضية.
2 ـ يجب عليه إحالة الملف على وكيل الجمهورية.
3 ـ وعلى وكيل الجمهورية إرجاع الملف إلى حاكم التحقيق في غضون ثمانية أيام مع طلبات كتابية ترمي إلى القيام بأحد الأعمال التالية:
ـ إما إحالة القضية على المحكمة المختصة.
ـ وإما حفظ التهمة.
ـ وإما زيادة البحث في القضية.
ـ وإما التخلي عن القضية لعدم أهلية النظر.
4 ـ بمجرد إرجاع الملف من وكيل الجمهورية إلى حاكم التحقيق ودون أن يكون ملزما بالإستجابة  لطلبات وكيل الجمهورية يصدر حاكم التحقيق قرارا يجسم رأيه المؤدي إلى إصدار أحد القرارات التالية:
أ ـ قرار في التخلي عن القضية لأنها ليست من أنظاره
ب ـ قرار بحفظ القضية مع الإفراج على المظنون فيه إذا كان موقوفا
ت ـ  قرار يحيل بموجبه المظنون فيه على المحكمة ذات النظر والإفراج عنه إن كانت الجريمة من قبيل المخالفة أو كانت لا تستوجب العقاب بالسجن
ث ـ قرار إحالة القضية على دائرة الإتهام إذا كانت الجريمة من قبيل الجناية
ويعبّر عن هذا القرار بقرار ختم البحث ويجب أن يتضمّن البيانات المتعلقة:
ـ بجميع المتهمين
ـ وبكلّ ما ينسب لجميع المتهمين من التهم لا لبعضهم.
ـ بكلّ ما أبداه وكيل الجمهورية من الطلبات
ـ برأي حاكم التحقيق بناء على ما ضمّن بتقريره من بيانات تتعلق بالمتهم وملخص الدعوى والوصف القانوني للفعلة وأسباب وجود أم عدم وجود أدلّة كافية على الفعلة المذكورة.
ومن هنا يتضح أن عمليّة التفكيك ليس لها أحكام قانونية تحتمها قبل التنقيح وقرار ختم البحث يتعلق بجميع المتهمين.
والملاحظ أن حاكم التحقيق يوجه لوكيل الجمهورية ملف القضية مهما كان نوع القرار الذي يأخذه:
لأن لوكيل الجمهورية حقّ الإستئناف في جميع الأحوال.
ولأن النظر في مطلب الإستئناف من خصائص دائرة الإتهام.
تلك إذن هي أحكام قرار ختم البحث في الفصل 104 فما هي أحكام الفصل 104 مكرر؟
ثانيا: قرار ختم بحث الملف المفكّك والفصل 104 مكرّر
يشمل الفصل 104 مكرّر الجديد على ثلاث فقرات

ـ الفقرة الأولى من الفصل 104 مكرر: تتعلق بصورة القضية الجزائية التي يتعلق ملفها بمتهمين ينسب إلى بعضهم جرائم من نوع المخالفة أو الجنحة وينسب إلى البعض الآخر جرائم من نوع الجنايات
وتعطي هذه الفقرة لحاكم التحقيق إمكانية تفكيك الملف وإحالته على وكيل الجمهورية لتقديم طلباته الكتابية بالنسبة للمتهم المنسوبة إليه أفعال يعتبرها القانون مخالفة أو جنحة وذلك بعد تهيئة القضية للفصل بالنسبة إليه دون توقف على إنهاء الأعمال بالنسبة لغيره ممن ينسب إليه أفعال يعتبرها القانون جناية .
من الطبيعي أن يتطلب تهيئ القضية الفصل مدّة أطول بالنسبة للجناية من مدّة تهيئ القضية للفصل بالنسبة للمخالفة أو الجنحة.
لذلك تدخل المشرّع ومكّن بالفقرة الأولى من الفصل 104 مكرّر الجديد حاكم التحقيق من إتخاذ قرار ختم بحث بخصوص المتهم بإرتكاب المخالفة أو الجنحة وإحالته على وكيل الجمهورية ثمّ على المحكمة المختصّة قبل إنهاء أعماله بالنسبة لمن هم متهمون بإرتكاب جناية .

ـ الفقرة الثانية من الفصل 104 مكرر: تتعلق هذه الفقرة بالصورة التي ينسب فيها لكلّ المتهمين إرتكاب الجرائم من نوع الجناية والتي تعطلت فيها أعمال التحقيق الضرورية ولم تنته بالنسبة لبعض المتهمين غير الموقوفين.
يمكّن القانون حاكم التحقيق في مثل هذه الحال من تفكيك الملف قصد تعجيل النظر بشأن الموقوفين من المتهمين وإنهاء أعمال التحقيق بالنسبة إليهم وإحالتهم على دائرة الإتهام وإبقاء ملف الآخرين لديه. 

ـ الفقرة الثالثة من الفصل 104 مكرر: تتعلق هذه الفقرة بالقرار المستقلّ الذي يصدره حاكم التحقيق والمتعلّق بجميع المتهمين المفردين بالتتبع وذلك بمجرّد تقديم وكيل الجمهورية طلباته ويبقى متعهدا بالبحث بشأن بقية المتهمين إلى حين إصدار قرار مستقل بشأنهم.
لقد أصبح بفضل هذا التنقيح تهيئ القضية بالنسبة لأحد المتهمين وانتهاء البحث يقتضي تفكيك ملفه وإتخاذ القرار الذي يراه حاكم التحقيق مناسبا دون أن تعطله أعمال التحقيق التي لم تنجز بعد بالنسبة للمتهمين الآخرين.
لا شكّ في أن قرار التفكيك يعجّل النظر في الملف وينقص من مدّة الإيقاف التحفظي إلا أن تطبيق القواعد القانونية التالية على أعمال الفصل 104 أو أعمال الفصل 104 مكرر الجديد يزيد القضية على السواء تعطيلا ورتابة.
1 ـ كلّ قرار يصدر عن حاكم التحقيق يعلم به وكيل الجمهورية لأنه هو الذي  يتولى ـ أولا ـ تنفيذ قراراته وله حقّ الإستئناف ـ ثانيا ـ بعد الإطلاع عليها.
2 ـ النظر في الإستئناف هو من خصائص دائرة الإتهام والتعقيب عند الإقتضاء من خصائص محكمة التعقيب.
3 ـ حاكم التحقيق غير ملزم بإتباع طلبات وكيل الجمهورية عند إتخاذ القرار.
 تلك إذا هي أحكام التنقيح الواردة بالقانون عدد 75 لسنة 2008 المؤرخ في 11 ديسمبر 2008 والمتعلقة بالخصوص بالإيقاف التحفظي وهي أحكام:
ـ تزيد في عدد المتهمين المتمتعين بالإفراج الوجوبي بضمان أو بدونه
ـ توفر سرعة الفصل والنطق بالحكم في القضايا الجزائية
ـ قد تحقّق إحترام المدّة القصوى للإيقاف التحفظي وعدم تجاوزها
ـ تمكّن من تفكيك الملف لغاية تعجيل النظر بشأن بعض الموقوفين دون التوقف على إنهاء أعمال التحقيق بالنسبة لغيرهم لإعتبارات تتعلق بضروريات البحث ولها تأثير حسن على السجناء المعنيين بالإيقاف التحفظي.
إلى هنا يتضح أن القوانين الجديدة أبقت نصوص الأحكام القديمة المتعلقة بالإيقاف التحفظي قائمة وأدخلت عليها تنقيحات حققت بالنسبة لوضعية الموقوفين تحفظيا تطوّرا لا ينكر إلاّ أن طريقة سنّها غيرت المفهوم المألوف للإيقاف التحفظي وهو ما يتمّ التعرض له في الفصل الثاني من الجزء الأول الذي يخصص لدراسة ميدان تطبيق قواعد الإيقاف.
الفصل الثاني
ميدان تطبيق قواعد الإيقاف

بما أن كل إيقاف قبل ثبوت الإدانة هو إجراء خطير سالب للحرية لذلك يحرس المشرع على ضبط الشروط الواجب توفرها لإتخاذه.
ويترتب عن هذا السعي تحديد ميدان تطبيق قواعد الإيقاف وإلزام كل سلطة تتخذه بمراعاة قواعده.
وهكذا فعندما تقتضي ضرورة البحث إيقاف المتهم فإنه يمكن لمأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس وأعوان الديوانة الإحتفاظ به مدّة ثلاثة أيام تمددّ لنفس المدّة بقرار كتابي معلّل يتضمن الأسانيد القانونية والواقعية التي تبرّره.
وبإستثناء صورة الإحتفاظ فإن إيقاف المتهم لا يمكن أن يتمّ إلا بإذن قضائي وبوسيلة بطاقة الإيداع.
هذا ولا بدّ من التأكيد بأن الإيقاف الذي يتمّ إتخاذه بناءا على القواعد الواردة بالفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية ويعقبه الإفراج المؤقت عن المتهم قبل نهاية مدّته القانونية فإنه يبقى من قبيل الإيقاف التحفظي ومدّة الإيقاف السابقة للسراح تعتبر جزءا من المدّة القصوى يضاف لها مدّة كل إيقاف جديد يؤذن به في القضية إلى تمام المدّة القصوى.
ومن هنا يتضح أن الإيقاف التحفظي إيقاف مدّته القصوى محدّدة ومشاعة بين كلّ الهيئات القضائية التي تمرّ بها القضية الجزائية وتمتدّ من إثارة الدعوى العمومية إلى صدور الحكم.
إن كانت لوكيل الجمهورية المبادرة بإصدار بطاقة الإيداع بصفته ممثل النيابة العمومية لدى المحكمة الإبتدائية (32) التي تثير الدعوى العمومية وتمارسها (33) فإن الإيقاف الذي يأذن به لا تطول مدّته رغم أنه إيقاف تحفظي وذلك لأن مفعول بطاقة الإيداع التي يصدرها وكيل الجمهورية ينتهي مفعولها بمجرّد إحالة الملف على هيئة قضائية أخرى تختصّ بتأييد الإيقاف وإصدار بطاقة إيداع جديدة أو بالإفراج المؤقت عن المتهم
لا يخفى أنه بمجرد وصول العلم للضابطة العدلية بوقوع الجريمة يتولى أعوانها البحث والإحتفاظ بالمتهم عند الحاجة في نطاق مباشرتهم لوظيفتهم (34) ويخبوا وكيل الجمهورية بكل الجرائم التي بلغهم العلم بها
أما وكيل الجمهورية فعليه في صورة الجناية أن يعلم فورا الوكيل العام (35) ويصدر حالا قرارا في إجراء البحث (36) تعهد به القضية لحاكم التحقيق بصفة لا رجوع فيها (37)
ويمكن له في صورة الجنحة إما إحالة المتهم على التحقيق علما وأن التحقيق إختياري في هذه المادة (38) وإما إحالته على المحكمة ذات النظر.
وفي صورة المخالفة فإنه يمكن لوكيل الجمهورية أن يعهد بها لحاكم الناحية أما بمقتضى إحالة مباشرة أو بمقتضى إحالة المخالف توا وينتقل أمر الإيقاف بذلك إلى الحاكم.
 وأما في حالة التلبس يمكن لوكيل الجمهورية إما إحالة المتهم مباشرة على المحكمة المختصة بعد إيقافه بالسجن وإما إحالته توا على المحكمة المختصة.
وإذا لم يكن في الصورتين المذكورتين جلسة يوم الإحالة فإن عليه إحضار المتهم لأقرب جلسة ممكنة وبحضوره ينتهي مفعول بطاقة الإيداع التي أصدرها.
والملاحظ بخصوص بطاقة الإيداع فإن مفعولها ينتهي بمجرد خروج ملف القضية من الهيئة القضائية التي أصدرتها وللهيئة التي أحيل عليها الملف النظر في حالة المتهم ولها أن تؤيد بطاقة الإيداع إن كان موقوفا بإصدار بطاقة إيداع جديدة أو الإذن بالإفراج عنه.
وبما أن إثارة الدعوى العمومية من وكيل الجمهورية تؤدي حتما إما إلى الإحالة على التحقيق وإما على المحكمة المختصة لذلك تنقل إليهما سلطة الإذن بالإيقاف لأول مرّة وهي حالات تخضع كلها لقواعد الإيقاف التحفظي لذلك يخصص القسم الأول من هذا الفصل الثاني إلى التحقيق وقواعد الإيقاف التحفظي والقسم الثاني من نفس الفصل إلى المحكمة وقواعد الإيقاف التحفظي.

القسم الأول
التحقيق وقواعد الإيقاف التحفظي

إن وجود قواعد الإيقاف التحفظي في الباب المخصص للتحقيق من مجلة الإجراءات الجزائية  لا يفيد بحال أن التحقيق وحده هو المعني بهذه القواعد لأن المشرع لم يمكن من إيقاف المظنون فيه في صورة واحدة ذلك عند ظهور قرائن قويّة تستلزم الإيقاف باعتباره وسيلة توفر سلامة سير البحث وإنما مكن من الإيقاف في ظروف أخرى وهي التلبس بالجناية أو الجنحة وظهور قرائن قويّة تستلزم الإيفاق باعتباره وسيلة أمن يتلافى بها إقتراف جرائم جديدة أو ضمانا لتنفيذ العقوبة
إذن لو كان حاكم التحقيق لا يمكن له إيداع المتهم بالسجن وكذلك دائرة الإتهام إلاّ إذا ظهرت قرائن قوّية تستلزم الإيقاف باعتباره طريقة توفر سلامة سير البحث لانتهى مفعول بطاقة الإيداع بنهاية البحث من حاكم التحقيق ودائرة الإتهام.
ثم إن القرارات التي يأخذها حاكم التحقيق حسب الأحوال بعد الإنتهاء من البحث تبيّن بصفة جلية أن الإيقاف التحفظي الذي يأذن به ضد المتهم لا ينتهي مفعوله في كل الحالات وإنما يبقى قائما بعد إحالة القضية حسب الأحوال سواء على المحكمة أو على دائرة الإتهام.
وكذلك الشأن بالنسبة لدائرة الإتهام بعد أن يصدر قرار ختم بحثها.
لذا يتم التعرض إلى قرار ختم التحقيق ومفعوله على الإيقاف التحفظي في فقرة أولى وإلى قرار ختم بحث دائرة الإتهام ومفعوله على الإيقاف التحفظي في فقرة ثانية.

الفقرة الأولى
ختم التحقيق ومفعوله على الإيقاف التحفظي

لو كان إيقاف المتهم لا يتم لدى التحقيق إلا عندما تظهر قرائن قوية تستلزم الإيقاف باعتباره طريقة توفر سلامة سير البحث لإنتهى ـ وجوبا ـ مفعول بطاقة الإيداع في السجن بختم التحقيق على درجتيه.
أما و قد تستلزم وقوع الإيقاف التحفظي ظروف أخرى لذلك لا ينتهي مفعول الإيقاف التحفظي بنهاية أعمال التحقيق في كلّ الحالات.
فعندما ينهي حاكم التحقيق أعماله في القضية الجزائية يحيل ملفها على وكيل الجمهورية ليقدم طلباته كتابة في أجل أقصاه ثمانية أيام وبعد ذلك يصدر حاكم التحقيق أحد قرارات ختم البحث في المعنى التالي:
1 ـ عندما يصدر حاكم التحقيق قرار التخلي عن القضية بإعتبارها خارجة عن أنظاره فإن وكيل الجمهورية يوجه ملفها على المحكمة المختصة مع ذي الشبهة على الحالة التي هو عليها 
2 ـ عندما يصدر حاكم التحقيق قرارا بأن لا وجه للتتبع لأن الدعوى العمومية غير مقبولة أو أن الأفعال لا تشكل جريمة وأن الحجج القائمة على المظنون فيه غير كافية فإنه يأمر بالإفراج عن المظنون فيه إذا كان موقوفا وبذلك ينهي مفعول بطاقة الإيداع
3 ـ عندما يصدر حاكم التحقيق قرارا يحيل المظنون فيه على القاضي المختص لأن الأفعال تشكل جنحة لا تستوجب عقابا بالسجن أو مخالفة فإنه يأمر بالإفراج عن المظنون فيه ويضع بذلك حدّا لبطاقة الإيداع
4 ـ عندما يصدر حاكم التحقيق قرارا يحيل المظنون فيه على قاضي الناحية أو المحكمة الجناحية بحسب الأحوال فإن هذا القرار ينهي مفعول وسيلة الإيقاف التحفظي إلا إذا أصدر حاكم التحقيق قرارا مستقلا ومعلّلا يقضي بأن يبقى المظنون فيه تحت مفعول بطاقة الإيداع إلى تاريخ مثوله أمام المحكمة ما لم تر خلاف ذلك
5 ـ عندما يصدر حاكم التحقيق قرار يحيل المظنون فيه على دائرة الإتهام فإن مفعول بطاقة الإيداع يستمرّ ما لم ير حاكم التحقيق خلاف ذلك
والمعلوم أن كل قرار يتخذه حاكم التحقيق يحيله فورا على وكيل الجمهورية الذي له في جميع الأحوال حق إستئنافه في ظرف أربعة أيام من تاريخه (39) أو تنفيذه (40)عند عدم الإستئناف.
من هنا يتضح أن حاكم التحقيق غير ملزم بإتباع رأي وكيل الجمهورية موضوع طلباته الكتابة قبل أخذ القرار.
لكن في صورة إستئناف وكيل الجمهورية لقرار حاكم التحقيق ما هو تأثير هذا الإستئناف على الإيقاف ومفعول بطاقة الإيداع ؟
يبقى المتهم بالسجن في كل الصور إلى إنقضاء أجل الإستئناف
عندما يستأنف وكيل الجمهورية قرار ختم بحث التحقيق يبقى المتهم بالسجن إلى أن يقع البت في الإستئناف من دائرة الإتهام ما لم يصادق وكيل الجمهورية على السراح حالا (41)

الفقرة الثانية
قرار الإتهام ومفعوله على الإيقاف التحفظي

عندما يتخذ حاكم التحقيق قرارا يحيل بمقتضاه المتهم بإرتكاب جناية على دائرة الإتهام وكذلك عند إستئناف أحد قرارات حاكم التحقيق فإن وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية يحيل القضية على الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف الذي تحال عليه أيضا القضايا المحالة من محكمة أخرى وعلى الوكيل العام أن ينهيها في ظرف عشرة أيام إلى دائرة الإتهام مصحوبة بطلباته وتبتّ دائرة الإتهام في القضية في الأسبوع الموالي ليوم إتصالها بها (42) وتتخذ أحد القرارات طبقا لأحكام الفصل 116 من مجلة الإجراءات الجزائية التالية:
1 ـ عندما تصدر دائرة الإتهام قرارها بأن لا وجه للتتبع فإنها تأذن بالإفراج عن المظنون فيه الموقوف لأن الفعلة ليست بجريمة أو لم تقم على المظنون فيه أدلّة كافية
2 ـ عندما تحيل دائرة الإتهام المتهم على الدائرة المختصّة فإنها تقرّر ما تراه بالنسبة لكلّ من المظنون فيهم المحالين عليها في شأن جميع أوجه التهمة التي أنتجتها الإجراءات لوجود قرائن كافية على إتجاه التهمة. 
3 ـ عندما تقرّر دائرة الإتهام إحالة القضية على المحكمة الجناحية أو محكمة الناحية لأن الأفعال تتألف منها جنحة أو مخالفة
4 ـ عندما تقرّر دائرة الإتهام إحالة القضية على الدائرة الجنائية فإن الأفعال المنسوبة إلى المتهمين هي من قبيل الجنايات
ومعلوم أن قرار دائرة الإتهام يقع الإعلام به (43) ويقع تعقيبه إذا بتّ في الأصل (44) وقد أقرّت محكمة التعقيب أن قرار دائرة الإتهام القاضي بإرجاء النظر في الأصل وإرجاع القضية إلى حاكم التحقيق لا يجوز تعقيبه لأنه لم يثبت في الأصل
كما أن القائم بالحق الشخصي لا يقبل طعنه بالتعقيب في قرارات دائرة الإتهام القاضية بحفظ الدعوى العمومية إلا إذا شاركته النيابة العمومية في طعنه (45) قرار تعقيبي جزائي عدد 4338 مؤرخ في 3 سبتمبر 1965 نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي سنة 1966 صحيفة 153
وإن كان لتعقيب قرارات دائرة الإتهام تأثير على بطاقة الإيداع يجعل محكمة التعقيب معنية بقواعد الإيقاف التحفظي وخاضعة لها بالإضافة إلى أنها تراقب حسن تطبيقها فإن مناقشة هذا الموضوع تتم في موطن آخر لأن العناية موجهة لمحاكم الأصل العادية لذا يتم التعرض لمحكمة الفصل وقواعد الإيقاف في القسم الثاني من هذا الفصل.

القسم الثاني
المحكمة وقواعد الإيقاف

هل المحكمة التي تصدر بطاقة إيداع في السجن ضد المتهم أو يحال عليها موقوفا معنية بتطبيق مقتضيات الفصل 84 و85 من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلقة بالإيقاف التحفظي أم لا ؟
رغم غياب النص القانوني الذي يعطي الجواب الصريح عن هذا السؤال فإنه لا يمكن إعتبار التحقيق وحده المعني بالإيقاف التحفظي ولأن المشرّع حين ضبط المدّة القصوى للإيقاف التحفظي ضمن أحكام التحقيق لم يبيّن نصيب كلّ هيئة من الهيئات التي تمرّ بها القضية الجزائية من هذه المدّة.
إن هذا الرأي غير مقنع لأن المسألة تتعلق بموضوع حساس يهم حقوق الإنسان ويتعلق بوضع حدّ للحبس المسلط على متهم يعتبره الدستور بريئا.
إن موقف المشرّع المستروح من أحكام الإيقاف التحفظي يفيد أنه يعتبره شرّا لا بدّ منه وأن أحكامه تنطبق على كلّ المراحل التي تمرّ بها القضية الجزائية من الإثارة إلى الحكم.
ويكفي ـ للدلالة على ذلك ـ الرجوع إلى القواعد القانونية التي يجب مراعاتها عند الإذن بالإيقاف التحفظي.
إن كان من الثابت أن لكل هيئة من الهيئات التي تمرّ بها القضية الجزائية قواعد خاصة بها تمكنها من إيقاف المتهم أو من إسعافه بالسراح فإن هذه القواعد الخاصة المتعلقة بالإيقاف لا تعفي هذه الهيئات من مراعاة الأحكام العامة للإيقاف التي تضمنها الفصلان 84 و85 من مجلة الإجراءات الجزائية.
لئن كانت هذه القاعدة ثابتة وقطعية فإن عدم تقيّد المحكمة بها ثابت في الوقت الراهن لأسباب أهمّها الشك الذي أدخلته القوانين المنقحة لقواعد الإيقاف التحفظي على قطعية هذه القاعدة وثبوتها لذا يتمّ بيان إنطباق قواعد الإيقاف على المحكمة في فقرة أولى والإهمال الطارئ على تطبيق هذه القواعد في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى
إنطباق قواعد الإيقاف على المحكمة

لم يكن يطرح السؤال المتعلق بمعرفة خضوع المحكمة لقواعد الإيقاف التحفظي من عدمه قبل أن يتولى المشرع تحديد مدّة الإيقاف التحفظي
فقانون المرافعات الجنائية (46) وأن تعرض لقواعد الإيقاف ضمن أحكام التحقيق فإنه لم يستثن المحكمة من الخضوع سواء لقواعد الإيقاف التحفظي أو لقواعد السراح بأنواعه
أما مجلة الإجراءات الجزائية التي رغم بقائها محافظة على مصلحة المجتمع في عقاب مرتكب الجريمة ورغم عنايتها المتواضعة بحقوق الإنسان المتجسمة في إعتبار الإيقاف التحفظي وسيلة إستثنائية فإنها لم تعف المحكمة من مراعاة قواعد الإيقاف التحفظي والإفراج الوجوبي.
أما شرّاح القانون من المنتمين للسلطة القضائية ولهيئتي الدفاع وتدريس القانون فإنه يلمس من بحوثهم المتعلقة بالإيقاف التحفظي أنه يشمل مدّة نشر القضية أمام المحكمة إلى صدور الحكم فيها.
ويكفي الرجوع إلى التعريف الذي يعطيه بعضهم للإيقاف التحفظي والوارد أسفله للتأكد أنهم يعتبرون المحكمة معنية به وبمراعاة أحكامه.
فالإيقاف التحفظي: " أمر يصدر بإلقاء القبض على المتهم ووضعه في السجن إحتياطيا إلى أن يصدر حكم المحكمة بالتهمة أو يقع الإفراج عنه قبل ذلك " (47)
" الإيقاف التحفظي هو الإقامة بالسجن بمقتضى بطاقة إيداع قضائية وبعبارة أخرى هو حبس المتهم بمحل إيقاف طيلة المدّة التي تمتدّ من بداية البحث الأولى إلى صدور الحكم أو خلال جزء منها"(48).
" أما البطاقة الأشدّ خطرا وأقوى تأثيرا فهي بطاقة الإيداع التي يصدرها المحقّق إثر إستنطاق المظنون فيه بوضعه في السجن إحتياطيا إلى أن يصدر حكم المحكمة أو يفرج عنه من طرفه قبل ذلك عند توفر عناصر جديدة لديه" (49)  
كما أكد البحث الذي قام به أحد الحكام: " أن الإيقاف التحفظي في التشريع التونسي يطلق على حرمان المظنون فيه من حريته في فترة البحث بداية من زمن توجيه التهمة عليه إلى تاريخ الحكم مهما كانت صفة البحث". (50)
ويفهم من هذا التصريح أن المحكمة تحتاج لإيداع المتهم في السجن لتضمن سير البحث الذي تقوم به ولذا فهي تخضع لقواعد الإيقاف التحفظي وهي مجبورة على مراعاتها عند إتخاذه. 
لكن رغم ذلك فقد علق بهذه القاعدة الثابتة والمعروفة شك أدّى إلى إعتبار أن مؤسسة الإيقاف التحفظي خاصة بالتحقيق وهو ما أدى إلى إهمال تطبيق قواعدها من المحكمة .
وبهذا نصل إلى بيان إهمال تطبيق قواعد الإيقاف الناتج عن هذا الشك في الفقرة الثانية من هذا القسم.

الفقرة الثانية
إهمال تطبيق قواعد الإيقاف

إن إهمال تطبيق قواعد الإيقاف التحفظي من المحكمة أمر ثابت وإن لهذا الإهمال أسباب أهمها عدم مراعاة القوانين المنقحة لقواعد الإيقاف ولقصد المشرع منها.
ويتجلى قصد المشرع من الإيقاف في قانون المرافعات الجنائية الصادر سنة 1921  حين لم يحجر إيقاف المتهم قبل صدور الحكم معتبرا هذا الإيقاف ضروريا للبحث وللحكم وهو:
1) وجوبي في الجناية
2) وإختياري في غير الجناية وعندما تكون الجريمة مستوجبة للعقاب بالسجن أو بعقاب أشدّ (51) 
3) محجر عندما يكون العقاب المستوجب ماليا
أما مجلة الإجراءات الجزائية الصادرة سنة 1968 فإنها لم تحجر ـ هي الأخرى ـ الإيقاف التحفظي واعتبرته وسيلة إستثنائية وهو ضروري للبحث وللحكم وذلك عند ظهور قرائن قوية تستلزم الإيقاف باعتباره طريقة توفر صدق سير البحث أو ضمانا لتنفيذ العقوبة         
أما البحث فإنه من أعمال النيابة العمومية حسب الفصل 26 وحاكم التحقيق حسب الفصلين 47 و48 ودائرة الإتهام حسب الفصل 116 والمحكمة حسب الفصول 143 و144 و145 و146 من مجلة الإجراءات الجزائية
ولكي يضمن الإيقاف تنفيذ العقوبة لا بدّ من صدور حكم من المحكمة يقضي بالسجن ويكون للإيقاف في هذه الصورة ما يبرّره.
وعلى هذا الأساس إعتبرت مجلة الإجراءات الجزائية الإيقاف إختياريا في كل الحالات إذا كانت الفعلة تستوجب عقابا بالسجن أو عقابا أشدّ (52)
إن كان هذا هو قصد المشرع من الإيقاف فهل وقعت مراعاته من القوانين التي تولت تنقيح الأحكام المتعلقة بالإيقاف التحفظي.
إن القوانين التي نقحت قواعد الإيقاف التحفظي وتمّ التعرض لها حسب ترتيبها الزمني في القسم الثاني من الفصل الأول من هذه الدراسة تجسّم بصفة واضحة سعي المشرع في تطوير وضعية الموقوفين وتوسيع نطاق الإفراج عنهم بصفة وجوبية إلا أنه يتضح أن هذه القوانين لا تهتم إلا بالإيقاف الذي يأذن به حاكم التحقيق أو دائرة الإتهام دون الإشارة إلى أن ميدان إنطباق القوانين الجديدة  يشمل كل الأطوار التي تمرّ بها القضية الجزائية وأن مراعاتها واجبة على كل الهيئات القضائية المتدخلة في القضية ومنها المحكمة.
حقا إن القواعد المتعلقة بالإيقاف في مجلة الإجراءات الجزائية تبرز حاكم التحقيق وكأنه السلطة الرئيسية للإذن باللإيقاف التحفظي وإصدار بطاقات الإيداع في السجن لكنها ظاهرة نتجت عن تحول أصول الإجراءات الجزائية وتأرجحها بين النظام الإتهامي والنظام التفتيشي الأمر الذي تولد عنه مبدأ الفصل بين سلطة الإثارة وسلطة التحقيق ومبدا الفصل بين سلطة التحقيق وسلطة الحكم.
وقد ترتب عن ذلك بروز موقف واضح من المشرع وهو أن الإيقاف تستلزمه الأعمال التي تقوم بها هيئات ومنها المحكمة إلا أن طريقة تنقيح أحكام الإيقاف أدخلت تدريجيا إضطرابا على المفهوم المعهود للإيقاف التحفظي.  
لئن كان تحديد مدّة الإيقاف التحفظي أمر لا يعارض وهو مطلب رجال القانون ودعاة حقوق الإنسان إلاّ أن طريقة سنّ قواعده تبعث على إعتبار مدّته خاصة بالتحقيق وحده.
حين أضاف القانون عدد 70 لسنة 1987 المؤرخ في 26 نوفمبر 1987 (53)                     فقرة ثانية للفصل 85 من المجلة تفيد أن: " الإيقاف التحفظي في الحالات المنصوص عليها بالفقرة السابقة لا يجوز أن يتجاوز الستة أشهر" فإن هذا التنقيح أبقى المدلول القانوني للإيقاف ثابتا ولن يزده سوى تحديدا في الزمن.
أما وقد أضاف القانون المذكور فقرة جديدة أخرى نصّها: " إذا اقتضت مصلحة البحث إبقاء المظنون فيه بحالة إيقاف، يمكن لقاضي التحقيق بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية وبمقتضى قرار معلل، تمديد فترة الإيقاف مرّة واحدة بالنسبة للجنحة أو مرّتين  بالنسبة للجناية على أن لا تتجاوز الستة أشهر " فإن هذا التعبير يفيد بأن مدّة الإيقاف وضعت للتحقيق رغم طولها
إن تمكين حاكم التحقيق وحده من إيقاف المتهم بإرتكاب جنحة مدّة عام كامل ومرتكب الجناية مدّة عام ونصف العام لا يمكن أن يعتبر مكسبا لرجال القانون ودعاة حقوق الإنسان.
من الثابت أن المشرع لم يقصد عند تحديد المدّة القصوى للإيقاف التحفظي أنها خاصة بحاكم التحقيق وإنما هي كافية للبحث من الإثارة إلى الحكم.
وكان من الممكن تلافي الغموض لو تمّ التنصيص على أنه إذا اقتضت مصلحة البحث إبقاء المظنون فيه بحالة إيقاف يمكن لقاضي التحقيق ولدائرة الإتهام وللمحكمة تمديد فترة الإيقاف (54)
والملاحظ ـ أيضا ـ أن القرار القاضي بالإفراج عن المتهم لا يمنع ـ قبل التنقيح ـ المحكمة المتعهدة بالقضية من إصدار بطاقة إيداع جديدة ضدّ المتهم في كلّ الأحوال وكلما دعت الحاجة إلى ذلك وقد أصبح الأمر بعد التنقيح غير ممكن في الصورة التي يقع الإفراج فيها من التحقيق بعد إيقاف استغرق كامل المدّة المحددة من القانون.
ولقد زاد تنقيح الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية بالقانون عدد 75 لسنة 2008 المؤرخ في 11 ديسمبر 2008 الموضوع تعقيدا عندما أضاف فقرة جديدة أدرجت مباشرة قبل الفقرة الأخيرة وهي:
" ولا يمكن أن يترتب عن قرار دائرة الإتهام بإحالة الملف إلى قاضي التحقيق لمواصلة بعض الأعمال التي تقتضيها تهيئة القضية للفصل تجاوز المدّة القصوى للإيقاف التحفظي للمتهم الذي يتحتم في هذه الحالة على قاضي التحقيق أو دائرة الإتهام حسب الأحوال الإذن بالإفراج عنه مؤقتا دون أن يمنع ذلك من إتخاذ التدابير اللازمة بضمان حضوره"
لقد وضعت المقتضيات الجديدة بصفة واضحة حدّا لإمكانية إيقاف المتهم مرّة أخرى بعد نهاية المدّة القصوى للإيقاف.
لكن هذه المقتضيات أهملت بصفة لا لبس فيها واجب المحكمة في القيام بأعمال يقتضيها البحث النهائي وهي أعمال قد تستوجب إيقاف المتهم وهو أمر محجر من القانون ومن الدستور إذا إستغرقت أعمال التحقيق مدّة الإيقاف القصوى وبذلك يحرم القانون المحكمة من ممارسة الحق المخول لها من الفصول 85 و88 و92 و142 من إصدار بطاقة إيداع في السجن ضد المتهم ومن الإفراج عنه بطلب أو بدونه.
وهكذا يتضح أن معالجة موضوع الإيقاف التحفظي لم تقع مباشرتها بواسطة فحوص وتحاليل تجرى على الأطوار التي تمرّ بها القضية الجزائية بدءا من إثارة الدعوى العمومية حتى صدور الحكم فيها وهي المبرّرات القانونية للإيقاف ولظروفه الواقعيةوليظهر الركود الذي أصابها والتشعب الذي لحق بها وجعلها في حاجة ملحّة إلى المعالجة بالجراحة والإستئصال لذلك يخصّص الجزء الثاني من الدراسة إلى المبرّرات القانونية للإيقاف وإلى نجاعتها في التطبيق.
الجزء الثاني
مبرّرات الإيقاف

إنه لمن العدل أن يترتب على كلّ جريمة إحالة مرتكبها على المحكمة للنظر في الإدانة وإصدار الحكم فيها دون توان خاصة إذا تقرّر سجن المتهم أثناء البحث والتحقيق والمحاكمة.
ولقد تدخل المشرّع أكثر من مرّة قصد الحدّ من طول مدّة الإيقاف والرفع من معنويات المتهم المسجون لأنه من المؤسف أن يصدر الحكم بعدم سماع الدعوى وترك السبيل بعد أن قضّى المتهم مدّة طويلة بالسجن أو بعد صدور الحكم بالسجن لمدّة أقلّ من المدّة التي قضّاها المحكوم عليه في السجن.
ورغم أن المشرّع أقرّ بالقانون عدد 94 لسنة 2002 المؤرخ في 29 أوت 2002 التعويض للموقوفين والمحكوم عليهم الذين ثبتت براءتهم إلا أن ما ينال معنويات الشخص وصحته عند دخوله السجن والبقاء فيه بدون مبرّر لا يعوّضه مال.
ليس من شكّ في أن أعمال البحث هي المبرّر الرئيسي لإيقاف المتهم قبل ثبوت إدانته
ولذا يكون المقصود من مبرّرات الإيقاف في هذه الدراسة الأعمال التي يوكلها القانون القيام بها للهيئات المختصة بدءا من وقوع الجريمة إلى صدور الحكم
وإن كانت الأعمال حسب المجلة موكولة إلى الهيئات القضائية أصالة مع إعتبار الأعمال التي تقوم بها بمجرّد وقوع الجريمة هيئة غير منتمية للسلطة القضائية فإنها تعتبر واقعة بالنيابة عن السلطة القضائية ومن أجل ذلك يخصّص الفصل الأول من هذا الجزء للأعمال الموكولة للهيئات القضائية التي تمرّ بها القضية الجزائية ويخصّص الفصل الثاني منه للأعمال التي تقوم بها هيئة غير قضائية وهي الضابطة العدلية. 

الفصل الأول
   أعمال الهيئات القضائية

إن القواعد التي تضمّنتها مجلة الإجراءات الجزائية والمتعلقة بالأطوار التي تمرّ بها القضية تفيد مبدئيا أن القضية هي من صنع وتصميم حكّّام تابعين للسلطة القضائية بدءا من نشأتها إلى صدور الحكم فيها وعندما يتدخل غيرهم فيها فذلك يتمّ نيابة عنهم.
وعلى هذا الأساس فإن القضية الجزائية تمرّ مبدئيا بمراحل ثلاثة نظمت مجلة الإجراءات الجزائية أحكامها معتمدة في ذلك على مبدأ الفصل بين هيئات التتبع والتحقيق والفصل بين التحقيق والحكم.
إلا أن الفصل بين الهيئات القضائية أصبح نظريا وفاقدا لمعناه في التطبيق بعد أن صارت تقوم هيئة غير تابعة للسلطة القضائية وهي الضابطة العدلية بأهمّ الأعمال الموكولة للهيئات الثلاثة المذكورة .
إن أعطت مجلة الإجراءات الجزائية للضابطة العدلية في الجنايات والجنح المتلبس بها سلطة وكيل الجمهورية فإن صاحب هذه السلطة هو حاكم التحقيق ـ بالدرجة الأولى ـ وأن وكيل الجمهورية لا يمارسها إلا عند التلبس فإذا بها تتعدّى منه للضابطة العدلية بنفس السبب طبقا لأحكام الفقرة 2 من الفصل 26 والفصلين 34 و11 من مجلة الإجراءات الجزائية.
ورغم قيام الضابطة العدلية بالبحث الأولي وبأعمال وكيل الجمهورية وحاكم التحقيق ودائرة الإتهام والمحكمة فقد بقيت القضية الجزائية تمرّ ـ حسب الأحوال ـ بالهيئات المرصودة لها من مجلة الإجراءات الجزائية وهي تشكل محطات للإيقاف التحفظي لذا يتعيّن الوقوف ـ من الناحية القانونية لا التطبيقية ـ على هذه الهيئات وعلى الأعمال الموكولة لها وهي النيابة العمومية والتحقيق والمحكمة التي يخصص لكل هيئة منها قسم من هذا الفصل توضح فيه أسباب طول مدّة الإيقاف التحفظي.

القسـم الأول
النيـابة العمـومية

تنشأ بمجرّد وقوع الجريمة دعوى عمومية تهدف إلى تطبيق العقوبات من أجل الإعتداء الواقع على المجتمع وهي ملك للدولة وللجمهورية يتصرّف فيها وكلاء هم حكام يمثلون النيابة العمومية في المحاكم بمختلف درجاتها.
   ولهم وظائف مختلفة حسب المحكمة التي يمارسون بها نشاطهم وهم موجودون بكلّ المحاكم على إختلاف درجاتها (55)
ولهيئة النيابة العمومية خصائص تختلف بها عن هيئة التحقيق وهيئة المحكمة وأبرزها تلقي الأوامر من الرؤساء (56)
وبما أن موضوع الدراسة معنيّ بالخصوص بالنيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية التي كثيرا ما يكون لها السبق في الإذن بإيقاف المتهم وإيداعه بالسجن لذلك يتمّ التعرض لهذه الهيئة ولوظائفها وأعمالها.

الفقرة الأولى
وظائف وكيل الجمهورية وأعماله

لقد إهتمت أحكام مجلة الإجراءات الجزائية بالنيابة العمومية عموما وبممثلها لدى المحكمة الإبتدائية خصوصا.
يمثل وكيل الجمهورية بنفسه أو بواسطة مساعديه النيابة العمومية لدى المحكمة الإبتدائية ولدى محكمة الناحية وله سلطة على سائر ممثلي النيابة العمومية التابعين للمحكمة الإبتدائية.
ولئن إقتضى القانون أن النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية وتمارسها كما تطلب تطبيق القانون وتتولى تنفيذ الأحكام فإن إثارة الدعوى موكولة أساسا لوكيل الجمهورية.
ولئن مكّن القانون بعض الأشخاص مثل المتضرّر من حقّ إثارة الدعوى العمومية فإنه يبقى حقا مبتورا مقارنة بحق إثارة الدعوى من النيابة العمومية.
وحتى يتمكن وكيل الجمهورية من إثارة الدعوى العمومية لا بدّ أن يصل له العلم بوقوع الجريمة ـ أولا ـ ليقوم بعدها بالأعمال المكلف بإنجازها ويتمكن من الإجتهاد في مآلها ـ ثانيا ـ
الفقرة الثانية
علم وكيل الجمهورية بالجريمة

لقد تعرّضت مجلة الإجراءات الجزائية إلى القنوات التي يصل بواسطتها العلم لوكيل الجمهورية بوقوع الجريمة وهي الشاكي (57) ووزير العدل (58) وحاكم الناحية (59) والسلط والموظفين (60) والمخبر (61)
ويختلف الإخبار عن الشكاية لأن المخبر ليس طرفا في الجريمة التي يخبر عنها وتشجيعا له فإنه لا يسوغ القيام عليه بالإدعاء بالباطل أو بالغرم بناء على الآراء التي أبداها ما لم تثبت سوء نيته.
أما الشاكي فإنه معني بالجريمة التي يعلم وكيل الجمهورية بوقوعها قصد إثارة الدعوى العمومية وممارستها.
وبدون تعليق على طرق وصول العلم بوقوع الجريمة لوكيل الجمهورية المنصوص عليها بمجلة الإجراءات الجزائية نلاحظ أن الطريقة التي ترتاح لها النفس وتمارس جهرا هي الشكاية.

الفقرة الثالثة
أعمال وكيل الجمهورية

إن الأعمال التي يمكن لوكيل الجمهورية القيام بها قد تعرّض لها الفصل 26 من مجلة الإجراءات الجزائية حين قال:
" وكيل الجمهورية مكلف بمعاينة سائر الجرائم وتلقي ما يعلمه به الموظفون العموميون أو أفراد الناس من الجرائم وقبول شكايات المعتدى عليهم.
وليس له فيما عدا الجنايات أو الجنح المتلبس بها أن يجري أعمال تحقيق، لكن يمكنه إستنطاق المشبوه فيه بصفة إجمالية وتلقي التصريحات وتحرير المحاضر فيها."
لذا كي يتمكن وكيل الجمهورية من إثارة الدعوى العمومية والإجتهاد في مآل موضوع الجريمة عهد له المشرّع القيام بأعمال البحث الأولى التالية:   
ـ قبول شكايات المعتدى عليهم
ـ تلقي ما يعلمه به الموظفون العموميون أو أفراد الناس من الجرائم
ـ معاينة سائر الجرائم
ـ إجراء البحث الأولي على سبيل الإسترشاد لجمع أدلة الجريمة
ـ استنطاق المشبوه فيه بصفة إجمالية
ـ تلقي التصريحات وتحرير محاضر فيها
وفي صورة الجناية أو الجنحة المتلبس بها تضاف لوكيل الجمهورية زيادة عن الأعمال السابقة الأعمال التي يمكن لحاكم التحقيق أن يقوم بها وسيتمّ تفصيل هذه الأعمال في موطنها.
والملاحظ في هذا الصدد أن الأعمال التي مكنت مجلة الإجراءات الجزائية وكيل الجمهورية من القيام بها قصد إثارة الدعوى يقوم بها في الواقع وبصفة قانونية مأمورو الضابطة العدلية من الشرطة والحرس
لذلك عوّض البحث الذي تقوم به الضابطة العدلية أعمال وكيل الجمهورية إما إثر تلقي الشكاية مباشرة من المتضرر أو عند العلم بوقوع الجريمة أو بمقتضى إحالة الشكاية الواردة على وكيل الجمهورية عليها والتي يطلب من الضابطة العدلية أن تتولّى البحث فيها.
ومن هنا يتضح أن أعمال وكيل الجمهورية تتجسم في ـ الواقع ـ في أخذ قرار الإثارة حسب تقديره الشخصي بناء على أعمال  الضابطة العدلية بالإضافة إلى أعمال التتبع التي تعقب الإثارة وهي جسيمة و متعددة.
هذا ويمكن لوكيل الجمهورية بمجرد إثارة الدعوى العمومية إصدار بطاقة إيداع في السجن في الحالات التي تسمح له مجلة الإجراءات الجزائية بذلك.

الفقرة الرابعة
إجتهاد وكيل الجمهورية

خلافا للأنظمة القضائية التي تلزم ممثل النيابة العمومية بالإثارة عند وقوع الجريمة فإن للنيابة العمومية في تونس الحريّة في ممارسة إثارة الدعوى العمومية وهو مبدأ أقرته مجلة الإجراءات الجزائية في الفصل 30 الذي ينصّ على أن "وكيل الجمهورية يجتهد في تقرير مآل الشكايات والإعلامات التي يتلقاها أو التي تنهى إليه وأكّدته محكمة التعقيب          (62)حين قالت:
" للنيابة العمومية سلطة تقديرية في ملائمة وتكييف التتبعات وإختيار الوقت المناسب لإثارة الدعوى العمومية وأخذ القرار الذي تراه صالحا على أساس ما توفّر لديها من أدلّة وإرشادات كما لا جدال أن هذه المرحلة تصطبغ بالطابع الإداري البحت ولا تخضع طبعا لرقابة المحكمة إذ أنة ليس لهذا التصرّف أثر قانوني نهائي وطالما أن هذا التصرّف متواجد تحت نظرها وإشرافها فهي دوما حرّة في مواصلة حريتها والعدول عما قرّرته أولا وفق القواعد الإجرائية القانونية ما دام لم تعهد لغيرها بالقضية".
 وهو ما أكدته في قرارها (63) الذي جاء به:    
ـ إن نظام ملائمة رفع الدعوى يكسب النيابة العمومية شرعية التحكم في مآل الدعوى الجزائية بالإجتهاد في تقرير مآل الشكايات والإعلامات التي تنهى إليها فتحيلها على الهيئة القضائية المختصّة للنظر أو تقرير حفظها لأسباب قانونية أو واقعية.
ـ إنّ قرار الحفظ من النيابة العمومية هو إمتناع مؤقت عن تحريك الدعوى الجزائية الناشئة عن الجرم المثبت بمحضر البحث العدلي ممّا يجعله قرارا وقتيا غير قابل للطعن وفاقدا للحجية القضائية ولا يحول دون إستئناف التتبع من النيابة العمومية في غضون أجل وشروط الدعوى متى برزت أدلّة جديدة تبرّره"

القسـم الثـاني
التحقيـق

يتمّ التحقيق في مادّة الجنايات على درجتين الأولى يقوم بالبحث فيها حاكم التحقيق والثانية تقوم بالتحقيق فيها مرّة ثانية دائرة الإتهام التي لها مهمّة أخرى وهي النظر إستئنافيا في قرارات حاكم التحقيق.

الفقـرة الأولى
حاكـم التحقيـق
  
يقوم بوظائف التحقيق حاكم معيّن بأمر يباشر مهامه بمقرّ المحكمة الإبتدائية ويتبع حسب القانون هيئة مستقلة عن هيئة النيابة العمومية وعن هيئة المحكمة لذلك لا يجوز له المشاركة في الحكم في القضايا التي سبق أن باشر البحث فيها.
لقد أعطت حاكم التحقيق مجلّة الإجراءات الجزائية نفوذا كبيرا لم تعطه لغيره من الحكام علما وأن التحقيق وجوبي في مادة الجنايات وإختياري في مادّة الجنح والمخالفات ما لم ينصّ  القانون على خلاف ذلك.
وقد نصّ على خلاف ذلك الفصل 38 من القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 والمتعلّق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال القاضي بوجوب معاملة الجريمة الإرهابية في كلّ الحالات معاملة الجناية.
وعلى هذا الأساس يكون التحقيق وجوبيا وبدرجتيه في الجريمة الإرهابية وإن لم تكن جناية.
ويبدو من أحكام مجلّة الإجراءات الجزائية أن الغاية من التحقيق هي إظهار الحقيقة وأن حاكم التحقيق وإن كان يتوسط في الخصومة النيابة العمومية والدفاع فإن مكانه  أقرب للمتهم الذي لا يتمّ إيقافه إلا عند الضرورة القصوى في ظاهر أحكام مجلة الإجراءات الجزائية
وأن ما يعزّز هذا الرأي المبادئ التي تعرّضت لها هذه المجلّة لتكون أساسا لأعمال التحقيق ومنها: 
1) حاكم التحقيق مكلّف بالتحقيق في القضايا الجزائية والبحث بدون توان عن الحقيقة ومعاينة جميع الأمور التي يمكن أن تستند عليها المحكمة لتأييد حكمها (64) 
2) يتمّم حاكم التحقيق جميع الأعمال المؤدية إلى إظهار البراهين المثبتة أو النافية للتهمة (65)
3) يجري بمساعدة الشهود سائر الأعمال المفيدة لكشف الحقيقة (66)
4) يجب أن يجري في الحين إستنطاقا أو مكافحات إذا كان هناك تأكد ناتج عن حالة شاهد في خطر الموت أو عن وجود آثار على وشك الزوال أو إذا توجه على العين في حالة التلبس بالجريمة (67)
5) يجب أن يتيح الإستنطاق لذي الشبهة فرصة إبعاد التهمة عنه أو الإعتراف بها (68)
6) إذا أبدى ذو الشبهة أدلّة تنفي عنه التهمة فيبحث عن صحتها في أقرب وقت
7) إقرار ذي الشبهة لا يغني حاكم التحقيق عن البحث عن براهين أخرى (69)
8) يعرض حاكم التحقيق على ذي الشبهة الأشياء المحجوزة ليصرّح هل أنه يعترف بها وليلاحظ بشأنها ما يراه مفيدا (70)
تلك إذن هي الأسس التي يجب أن تقوم عليها أعمال التحقيق التي وإن كانت لازمة للبحث فإنها ضرورية لإتخاذ القرار بإيداع المظنون فيه بالسجن ونذكر منها الأعمال التالية:
ـ سماع الشهود
ـ استنطاق ذي الشبهة
ـ إجراء المعاينات بمحلّ الواقعة
ـ التفتيش بالمنازل
ـ حجز الأشياء الصالحة لكشف الحقيقة
ـ الأمر بإجراء الإختبارات
ـ إجراء بحث عن شخصية المظنون فيهم وعن حالتهم المادية والعائلية والإجتماعية
ـ ألإذن بإجراء فحص طبي نفساني على المتهم.
ـ التوجه إلى مكان إقتراف الجريمة أو إلى مقرّ المظنون فيه أو إلى غيره من الأماكن التي يظن وجود أشياء فيها مفيدة لكشف الحقيقة.
ـ التوجه إلى مناطق المحاكم المجاورة للمحكمة التي يباشر فيها وظائفه لإجراء أعمال إستقرائية.
ـ إحالة ذي الشبهة على مصلحة القيس بقصد تحقيق هويته والبحث عن سوابقه.
ـ سماع أشخاص على سبيل الإسترشاد بدون أداء اليمين وهم:
القائم بالحق الشخصي.
الأشخاص الذين لا تقبل شهادتهم قانونا.
الأشخاص المحجّر عليهم أداء الشهادة بالقانون أو بحكم.
الأشخاص الذين أخبروا بالجريمة ومرتكبها من تلقاء أنفسهم دون إلزام وظيفي ويستحقون جعلا.
هذه هي الأعمال التي مكنت مجلة الإجراءات الجزائية حاكم التحقيق من القيام بها كما مكنت أعوان الضابطة العدلية من الشرطة والحرس بالقيام بها في حالات معيّنة ما عدا إصدار البطاقات القضائية لجلب المتهم أو إيداعه بالسجن مع التأكيد بأن أعمال الضابطة العدلية قد تستوجب الإحتفاظ بالمتهم في حين أن أعمال التحقيق تستدعي إيقافه تحفظيا والبون شاسع بين الإثنين بخصوص المدّة (71)

الفقـرة الثـانية
دائـرة الإتهـام

توجد بكلّ محكمة إستئناف دائرة إتهام على الأقل تتألف من رئيس ومستشارين ويباشر وظائف النيابة العمومية بها المدعي العام أو أحد مساعديه.
ويحال عليها ملف القضية إمّا:
1) لتحقق فيه بصفتها هيئة تحقيق من الدرجة الثانية في القضايا التي هي من قبيل الجناية وهو ما أكّدته محكمة التعقيب (72) حين قالت:
"إن دائرة الإتهام تسمى أيضا دائرة تحقيق التهم فهي مكتب تحقيق من درجة عليا..."
2) أو للنظر فيه إستئنافيا نتيجة للطعن الواقع في قرارات حاكم التحقيق بصفتها هيئة إستئناف وهو ما نصّت عليه الفقرة الثانية من الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية وهو ما أكّدته محكمة التعقيب (73) حين قالت:
"تمثل دائرة الإتهام محكمة إستئناف بالنسبة لقرارات قاضي التحقيق ولا يمنعها ذلك من النظر في معطيات الإستئناف والأصل معا إذا توفرت القرائن القانونية والمادية المتظافرة لإثبات التهمة وإحالة القضية على المحكمة المختصة".
وقد مكّنت مجلة الإجراءات الجزائية هذه الدائرة من القيام بأعمال منها:
ـ الإذن بإجراء بحث تكميلي بواسطة حاكم  التحقيق.
ـ الإذن بإجراء تتبع جديد بعد سماع ممثل النيابة العمومية.
ـ الإذن في البحث بنفسها أو بواسطة عن أمور لم يقع إجراء تحقيق في شأنها وذلك بعد سماع ممثل النيابة العمومية.
ـ إصدار بطاقة إيداع المظنون فيه بالسجن.
ـ الإذن بالإفراج المؤقت عن المظنون فيه الموقوف بعد سماع ممثل النيابة العمومية
وتجتمع دائرة الإتهام بطلب من الوكيل العام كل ما كان الإجتماع لازما ويحضره ممثل النيابة العمومية دون المحامي والخصوم.
وتتخذ دائرة الإتهام قرارا بعد الإنتهاء من البحث تحيل بمقتضاه القضية على المحكمة المختصة.
3) وهكذا فإن قرارات دائرة الإتهام يمكن الطعن فيها بالتعقيب حسب الشروط المضبوطة قانونا.
وفي النهاية فإن قرار دائرة الإتهام وخاصة قرار إحالة المتهم على المحكمة المختصّة لمقاضاته من أجل ما نسب إليه يجب أن يعتمد على:
1 ـ الأعمال التي قامت بها دائرة الإتهام بنفسها أو بواسطة حاكم التحقيق بنفسه وعن إذنها وبنفسه.
2 ـ قرار ختم بحث التحقيق الناتج عن الأعمال التي قام بها الحاكم بنفسه.
أما أن يكون قرار دائرة الإتهام القاضي بالإحالة قد إعتمد على قرار ختم بحث التحقيق الذي إعتمد ـ هو الآخر ـ محاضر بحث مأموري الضابطة العدلية وأعمالهم فإن في ذلك ضياع لجهود يحتاجها القضاء في مواطن أخرى وبقاء لمتهم في السجن بعد أن إنتهت أعمال البحث وتهيأت قضيته للفصل بدون التحقيق.  

القســـــــم الثـــالث
المحـاكـم

إن موضوع الدراسة هو الإيقاف التحفظي وإمكانية التنقيص من حالات وقوعه ومن طول مدّته لذلك يكون المقصود بالمحكمة في هذا الموطن كل محكمة تنتصب للقضاء في المادة الجزائية وتكون مؤهلة لإصدار أحكام من الدرجة الأولى في قضايا قد يكون المتهم فيها موقوفا بالسجن.
واعتمادا على تصنيف الجرائم حسب خطورتها وعلى الأوصاف التي أقرّتها لها مجلة الإجراءات الجزائية (74) تكون المحاكم المعنية بالدراسة هي محاكم الحق العام العادية التالية:
ـ محكمة الناحية
ـ الحاكم الفردي الجناحي بالمحكمة الإبتدائية
ـ الدائرة الجناحية بالمحكمة الإبتدائية
ـ الدائرة الجنائية بالمحكمة الإبتدائية
مع التأكيد بأنه يتمّ التعرض بخصوص هذه المحاكم لسبل تعهدها بالقضية بعد أن تولت هيئة البحث إنجاز الأعمال قبل إحالة القضية عليها.
والملاحظ أنه عند غياب الأعمال التي يمكن للمحكمة أن تقوم بها فإنها تبني حكمها على المحاضر المظروفة بالملف المحال عليها.  
لئن تضمنت مجلة الإجراءات الجزائية أحكاما خاصّة بأعمال كل محكمة فإنها أقرت ـ أيضا ـ أحكاما مشتركة بين جميع محاكم الأصل يتمّ بيانها قبل التعرض لمحاكم الحق العام المذكورة.



الفقــرة الأولى
الأحكـام المشتــركة

إن أهمّ الأعمال المشتركة بين المحاكم (75) هي:
ـ إستنطاق المظنون فيه.
ـ المناداة على الشهود والخبراء والبت في أوجه التجريح فيهم وسماع مقالاتهم
ـ عرض الأشياء المحجوزة المثبتة للتهمة أو النافية لها على الشهود والخصوم عند الإقتضاء.
ـ تلقي شهادة الشهود الذين طلبت النيابة العمومية والقائم بالحق الشخصي والمظنون فيه تلقيها وفي صورة رفض الطلب تصدر المحكمة حكما معلّلا.
ـ إجراء المكافحات اللازمة.
ـ ختم المرافعة من الرئيس عندما يتبين للمحكمة أن القضية توضحت بوجه كاف (76)
والملاحظ أن كثرة القضايا جعلت من الصعب على المحكمة القيام بكل الأعمال الممكن القيام بها ومراعاة الإجراءات التابعة لها.
تلك إذن هي الأعمال الواردة بمجلة الإجراءات الجزائية والتي يمكن لكلّ محكمة أن تقوم بها إضافة إلى الأعمال الخاصة بها والتي يجب أن تذكر بالحكم ضمن المستندات الواقعية والقانونية ولو في صورة الحكم بالبراءة. 
ويستدعي التعرض بإيجاز للأعمال الخاصة بكلّ محكمة والمتعلقة بتعهدها بالقضية لتركيبتها و لكيفية تعهدها بالقضية.

الفقـرة الثــانية
 محكمـة الناحيـة

حتى يتمّ الوقوف على الحالات التي يحال فيها المتهم بحالة إيقاف على محكمة الناحية يتعيّن التعرض في البداية لتركيبة هذه المحكمة ولمرجع نظرها الحكمي.
يجلس بهذه المحكمة حاكم فردي وينظر في المادة الجزائية في نطاق نظره الحكمي(77) دون حضور وجوبي للنيابة العمومية والدفاع.
يتعهد حاكم الناحية في مادة المخالفات:
ـ بمقتضى إحالة مباشرة من وكيل الجمهورية ويمكن أن يكون المتهم موقوفا أو من الإدارة العامة والفروع المالية في الصور التي يجيز لها فيها القانون القيام بالدعوى العمومية رأسا أو من المتضرّر.
ـ أو بمقتضى إحالة من حاكم التحقيق أو من محكمة أخرى.
ـ أو بمقتضى إحالة المخالف توا من طرف وكيل الجمهورية في صوّر معينة قانونا.
ويكون الملف المحال على المحكمة في الصورة المذكورة محتويا على محاضر بحث
كما أن إحالة المتهم موقوفا أمر ممكن.
 ـ يتعهد حاكم الناحية في مادة الجنح بالكيفية التي يعهد بها للمحكمة الإبتدائية ولذا يتمّ التعرض للموضوع في هذا الموطن مع التأكيد بأن القضية تكون قد مرّت ـ بصفة عامة ـ بمرحلة البحث لا غير.

الفقـرة الثالثة
المحكمـة الإبتـدائية

يوجد بالمحكمة الإبتدائية هيئات تنظر في الجرائم وهي: 
أولا ـ القاضي المنفرد وهو يبت في الجرائم التالية:
1) جرائم الشيك بدون رصيد (78) التي تعهد إليه من وكيل الجمهورية الذي يوجه إليه المصرف المسحوب عليه في صورة عدم إتمام التسوية في الأجل القانوني ملفا يتضمن وجوبا نسخة من شهادة عدم الدفع ومحضر الإعلام المتضمن للإنذار.
2) جرائم البناء بدون رخصة (79) التي يتعهد الحاكم بها بعد إحالة المحاضر المتعلقة بمعاينة المخالفات مرفوقة عند الإقتضاء بنسخة من القرار الصادر في إيقاف الأشغال في بحر الثمانية أيام من طرف محافظ الأمن أو ضابط الحرس الوطني الراجع إليه العون المعاين للمخالفة.
3) أما الجرائم الإقتصادية (80) فإنها تحال على الحاكم من وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية المختص والذي أحيلت عليه المحاضر من الوزير المكلف بالإقتصاد.

ثانيا ـ الدائرة الجناحية بالمحكمة الإبتدائية
تتألف المحكمة الإبتدائية عند النظر في الجنح من رئيس وقاضيين ويقوم وكيل الجمهورية أو أحد مساعديه بوظيفة الإدعاء العام (81).

أما تعهد الدائرة الجناحية بالمحكمة الإبتدائية فإنه يتمّ:
ـ بمقتضى إحالة مباشرة من وكيل الجمهورية إذا ظهر له عدم لزوم إحالة القضية على التحقيق أو من الإدارات العامة والفروع المالية في الصور التي يجيز لها فيها القانون القيام بالدعوى العمومية رأسا أو من المتضرر عند إمتناع ممثل النيابة العمومية من إجراء التتبع من تلقاء نفسه.
المفروض أن نجد في هذه الصورة بالملف المحال على المحكمة محاضر بحث قامت به أما وكالة الجمهورية وهو أمر نادر أو الضابطة العدلية وهو الوارد في غالب الأحوال.
ـ بمقتضى إحالة من حاكم التحقيق أو من محكمة أخرى وفي هذه الحالة يكون الملف مشتملا على محاضر بحث من وكيل الجمهورية أو الضابطة العدلية أوالتحقيق
ـ بمقتضى إحالة المظنون فيه توا على المحكمة من طرف وكيل الجمهورية بعد إستنطاق بسيط في صورة الجريمة المتلبس بها ويشتمل ملف المحكمة في هذه الصورة على محاضر البحث الأولى من الضابطة العدلية.
 
ثالثا: الدائرة الجنائية بالمحكمة الإبتدائية

يوجد بالمحكمة الإبتدائية المنتصبة بمقرّ محكمة الإستئناف دائرة جنائية تختص بالنظر في الجنايات.
وتتعهد الدائرة الجنائية الإبتدائية (82) بمقتضى قرار إحالة صادر من دائرة الإتهام بمحكمة الإستئناف (83)
لا شك في أن القانون يقتضي أن تمرّ القضية الجزائية قبل وصولها إلى المحكمة للبحث والحكم فيها ـ حسب الأحوال ـ بهيئات بحث مؤلفة من حكام وهي النيابة العمومية والتحقيق عند الإقتضاء بدرجتيه رغم وجود البحث المسبق الذي تولت الضابطة العدلية إجراءه والأعمال التي قامت بها بنفسها أو بالإنابة لذلك يتعيّن الوقوف على الدور الذي تقوم به مؤسسة الضابطة العدلية من الشرطة والحرس لمجابهة الجريمة ولتقديم مرتكبيها للمحكمة وبذلك تتضح إمكانية الإكتفاء بأعمالها وإحالة الملف على المحكمة مباشرة بعد الإنتهاء منها.

الفصـل الثـاني
الضابطة العدلية وأعمالها

لا بأس في أن يترتب على وقوع الجريمة عقاب مرتكبها وأن تتدخل في إعداد ملف القضية هيئات ثلاثة متألفة من حكام ينتمون إلى السلطة القضائية.
الأولى تثير الدعوى العمومية وتمارسها والثانية تبحث وتحقق عند الإقتضاء والثالثة تنطق بالحكم.
إن كانت الهيئات الثلاثة قائمة بذاتها مستقلة عن بعضها ومهامّها مختلفة فإن البحث في القضية أمر مشترك بينها يمكن لكلّ واحدة القيام به في حدود إختصاصها.
وأن الغاية القانونية المرصودة للبحث هي:
بالنسبة لوكيل الجمهورية الغاية من البحث هي الإجتهاد في تقرير مآله بعد جمع أدلة الجريمة.
بالنسبة لحاكم التحقيق فإن غاية البحث هي إتخاذ القرار بالإحالة أو بالحفظ بناء على وجود أو عدم وجود أدلّة على الجريمة بعد القيام بالبحث فيها والإستقراء .
وبالنسبة للمحكمة فإن غاية البحث الذي تقوم به هي بناء حكمها عليه.
أما وقد مكّن القانون الشرطة والحرس الذين يلهم صفة مأمور الضابطة العدلية من المبادرة بالبحث بمجرّد وقوع الجريمة والقيام بالأعمال سواء أصالة عن نفسهم أو نيابة عن غيرهم فإنه يترتب على جهدهم ضعف بحث الهيئات الأخرى وتعويضه أحيانا بصفة مطلقة.
وبما أن مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس هم ـ بالأساس ـ أعوان يتبعون قوات الأمن الداخلي لذلك هم يخضعون للأحكام المتعلقة بمهمة مأمور الضابطة العدلية (القسم الأول) وللقانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي (القسم الثاني).

القسـم الأول
 قوانين الضابطة العدلية

لقد تعرّضت لأحكام الضابطة العدلية كلّ من مجلة الإجراءات الجزائية وقانون قوات الأمن الداخلي وقانون الإرهاب لذا يتعيّن بيان هذه الأحكام في المصادر المذكورة.

الفقـرة الأولى
مجلة الإجراءات الجزائية والضابطة العدلية

إن مجلة الإجراءات الجزائية هي المرجع العام لأحكام الضابطة العدلية .
وإن لفظ الضابطة عربي الأصل ومنه تضبّطه أي أخذه على حبس وقهر حسب ما جاء في ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة.
 أما الضبطيّة فإنها مرفق عمومي عرفته البلاد التونسية قديما وهو قسم الشرطة المكلف بتلقي الشكايات والبحث عن الجرائم وقت الأتراك وعندهم الآن.
وإن البناية التي إحتوت هذه المؤسسة بتونس موجودة إلى يومنا هذا بنهج الضبطية الكائن بالمدينة العتيقة قرب نهج البلور وسوق القرانة وهي في حالة إهمال وزوال لإنعدام العناية.
ولا شك في أن لمؤسسة الضابطة العدلية تاريخ في تونس وهي أقرب إلى فهم التونسي وقناعته لأنه يقبل أن تتولى الشرطة البحث في الجرائم.
أما أن تثير النيابة العمومية الدعوى دون وجود التشكي ودون أن يوقفها أو يعلّقها سحب الشكاية فهذا يسبب عنده الذهول والحيرة .
ولقد أطلق قانون المرافعات الجنائي الصادر سنة 1921 عن الضابطة العدلية إسم "ضابطة العدلية" وعوّضته مجلة الإجراءات الجزائية الصادرة سنة 1968 بإسم "الضابطة العدلية"
والملاحظ أن مجلة الإجراءات الجزائية تحاشت في نصّها العربي وهو المعتمد إستعمال لفظ الشرطة العدلية ـ عن قصد ـ  عوضا عن لفظ الضابطة العدلية.
لقد خصصت مجلة الإجراءات الجزائية للضابطة العدلية الفصول من 9 إلى 35 ضمن الباب الأول من الكتاب الأول المتعلق بإقامة الدعوى العمومية ومباشرة التحقيق مؤكدة أن الضابطة العدلية مكلّفة بمعاينة الجرائم وجمع أدلّتها والبحث عن مرتكبيها.
 أما الأشخاص الذين يباشرون وظائف الضابطة العدلية تحت إشراف المدعين العموميين لدى محاكم الإستئناف كل في حدود منطقته فهم حسب الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية
1) وكلاء الجمهورية ومساعدوهم
2) حكام النواحي
3) محافظو الشرطة وضباطها ورؤساء مراكزها
4) ضباط الحرس الوطني وضباط صفه ورؤساء مراكزه
5) مشائخ التراب                                          
6) أعوان الإدارات الذين منحوا بمقتضى قوانين خاصة السلطة اللازمة للبحث عن بعض الجرائم أو تحرير التقارير فيها
7) حكام التحقيق في الأحوال المبينة بهذا القانون.
تلك هي الأحكام المتعلقة بالضابطة العدلية من الشرطة والحرس في مجلة الإجراءات الجزائية وبها نصل إلى الأحكام المتعلقة بها في القوانين الأخرى وخاصة القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي وقانون الإرهاب.

الفقـرة الثـانية
 القانون الأساسي للشرطة والحرس والضابطة العدلية

بعد أن أعطت مجلة الإجراءات الجزائية صفة مأمور الضابطة العدلية لمأمورين من بينهم أعوان الشرطة والحرس الآتي ذكرهم
ـ الشرطة وهم محافظو الشرطة وضباطها ورؤساء مراكزها
ـ الحرس وهم ضباط الحرس الوطني وضباط الصف ورؤساء مراكزه
وأكّدت أنهم يمارسون مهامّهم بإعتبارهم مساعدين لوكيل الجمهورية توسع القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرخ في 3 أوت 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي (84) في قائمة مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس التي ضبطتها مجلة الإجراءات الجزائية حين إقتضى الفصل الخامس من القانون المذكور أنه:
"يمارس مهام الضابطة العدلية طبقا لأحكام مجلة الإجراءات الجزائية وأحكام القوانين الخاصة أعوان قوات الأمن الداخلي الأتي ذكرهم
ـ محافظو الشرطة بمختلف رتبهم
ـ ضباط الشرطة الأولون وضباط الشرطة
ـ ضباط الأمن بمختلف رتبهم
ـ رؤساء مراكز الشرطة
ـ ضباط الحرس الوطني
ـ ضابط صف الحرس الوطني
ـ رؤساء مراكز الحرس الوطني

                                 

الفقـرة الثـالثة
   قانون الإرهاب والضابطة العدلية

لقد أهّل القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 والمتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال (85) مأموري الضابطة العدلية التابعين لدائرة المحكمة الإبتدائية بتونس لمعاينة الجرائم الإرهابية ومباشرة وظائفهم بكامل تراب الجمهورية.
ومن البديهي أن يكون مأمورو الضابطة العدلية المؤهلون لمعاينة الجرائم الإرهابية من الشرطة والحرس هم الذين تعرّض لهم الفصل الخامس من القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي.
ولقد أعطى قانون الإرهاب لمأموري الضابطة العدلية المؤهلين لمعاينة الجرائم الإرهابية سلطة أكبر من سلطة من يباشرون مهامهم تحت إشرافه وهو الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بتونس حسب الفصل 11  من مجلة الإجراءات الجزائية
كما أن لهم سلطة أكبر من سلطة من هم بالنسبة إليه مساعدين له أي وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية بتونس حسب الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية ومن حاكم التحقيق بالمحكمة الإبتدائية بتونس المكلّف بالبحث في قضايا الإرهاب لأنه يمارس وظائفه بمنطقة محدّدة ترابيا من القانون بينما يمارس مأمورو الضابطة العدلية المؤهلون لمعاينة الجرائم الإرهابية وظائفهم بكامل تراب الجمهورية دون التقيد بقواعد التوزيع الترابي علما وأن المحكمة الإبتدائية بتونس تختصّ بالنظر في قضايا الإرهاب.
إن كانت هذه هي أهمّ صلاحيات مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس في مجلة الإجراءات الجزائية وقانون قوات الأمن الداخلي وقانون الإرهاب فما هو إطارهم القانوني العام.

القسـم الثاني
الإطار القانوني العام للضابطة العدلية من الشرطة والحرس

إن أعوان الشرطة والحرس الذين يباشرون وظائف الضابطة العدلية تحت إشراف الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف وهم مساعدون لوكيل الجمهورية كل في حدود منطقته حسب مجلة الإجراءات الجزائية هم في آن واحد موظفون يتبعون وزارة الداخلية ولهم مهام أخرى ورؤساء آخرين في هذه الوزارة بإعتبارهم يتبعون قوات الأمن الداخلي التي تتكون من أعوان الأمن الوطني والشرطة الوطنية وأعوان الحرس الوطني وأعوان الحماية المدنية وأعوان السجون والإصلاح تطبيقا لأحكام القانون 70 لسنة 1982 المؤرخ في 04 أوت 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي وقت صدوره.
ويرجع أعوان قوات الأمن الداخلي بالنظر إلى وزير الداخلية تحت سامي سلطة رئيس الجمهورية.
وللتأكيد فان الواجبات المحمولة عليهم قانونا تبقى نافذة المفعول خارج أوقات العمل العادية بحيث يعتبر هؤلاء الأعوان مباشرين شرعيا لعملهم كلما دعتهم الحاجة للتدخل ولو كان ذلك خارج أوقات العمل العادية. وهم ملزمون عند دعوتهم من قبل رؤسائهم، بأن يلتحقوا بالأماكن المعيّنة لهم للقيام بوظيفتهم ولو كانوا في عطلة أو خارج أوقات العمل العادية.

الفقرة الأولي
المحافظة على الأمن العام

فبخصوص مهام قوات الأمن الداخلي فإن جميع أعوانها بما فيهم مأموري الضابطة العدلية مكلفون بالمحافظة على الأمن العام وملزمون بالتدخل سواء كان ذلك من تلقاء أنفسهم أو بطلب من الغير لإعانة أو إغاثة كل شخص في حالة خطر وكذلك لمنع أو قمع كل عمل من شأنه أن يكون خطرا على الأشخاص أو الممتلكات أو تعكيرا لصفو الأمن العام.
وتتعلق هذه المهام بالجريمة قبل وقوعها وهي مهام وقائية غايتها منع وقوع الجريمة وذلك بمراقبة نشاط الأفراد.
وللشرطة في هذا الصدد الحق في القيام بكلّ عمل من شأنه المنع من إرتكاب الجريمة ووقوعها شريطة أن لا يكون مخالفا للقانون
ولا بدّ من التأكيد بأن مهمة المحافظة على الأمن العام موكولة لكل أعوان قوات الأمن الداخلي من القانون الأساسي العام الذي وأن أوكل لبعض أعوان قوات الأمن الداخلي صفة لممارسة مهام الضابطة العدلية  فإنه لم يعفيهم من مهمّة المحافظة على الأمن العام
ولا يوجد أثر في القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي للقاعدة الأكاديمية التي تفيد أن مؤسسة الشرطة مقسّمة إلى شرطة إدارية وشرطة عدلية
وأن الشرطة الإدارية متكونة من موظفين مهمتهم المحافظة على النظام العام والأمن في الدولة وهي تتخذ الوسائل والتدابير الإحتياطية قبل وقوع الجريمة
أما الشرطة العدلية فإنها تقوم بالبحث بمجرد وقوع الجريمة وتأخذ ما يلزم من تدابير لجمع أدلتها وتقديم مرتكبيها للمحكمة وتنحصر مهامّها في التدخل بعد وقوع الجريمة وليس قبل وقوعها وهو ما يفيد أن مهمة أعوان الشرطة العدلية تبدأ عندما تنتهي مهمة الشرطة الإدارية فالأولى تبحث فيما لم تمنع الثانية وقوعه
تبقى هذه القاعدة نظريّة لا مجال لها في التطبيق رغم وجود مراكز للشرطة العدلية فإنه من قبيل التنظيم الإداري الداخلي ويبقى معه كلّ أعوان الشرطة والحرس الوطني مكلفون بالمحافظة على الأمن العام بما فيهم مأموري الضابطة العدلية الذين لهم زيادة على ذلك وظيفة القيام بالبحث وتقديم المجرمين للعدالة
إن إقتصرت أحكام مجلة الإجراءات الجزائية على تنظيم قواعد متابعة مرتكب الجريمة وبيّنت الأعمال الواجب القيام بها بعد وقوع الجريمة من الإثارة إلى صدور الحكم فإن أحكام قانون قوات الأمن الداخلي المتعلقة بالإحتياط من وقوع الجريمة والتصدّي لمحاولة إقترافها بعد وقوعها أن يقوم مأمورو الضابطة العدلية زيادة عن وظائفهم السابقة بمهام الضابطة العدلية.





الفقرة الثانية
مهام الضابطة العدلية من الشرطة والحرس

يقتضي الفصل الخامس من قانون قوات الأمن الداخلي المؤرخ في 03 أوت 1982 بأن يمارس مهام الضابطة العدلية طبقا لأحكام مجلة الإجراءات الجزائية وأحكام القوانين الخاصة أعوان قوات الأمن الداخلي الذي أعطى قائمتهم وسبق ذكرها.
وبما أن الدراسة تهتمّ بمأموري الضابطة العدلية المشار إليهم بالأعداد 3 و4 من الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية وإلى أعمالهم فإن الأعمال الموكولة من هذه المجلة للضابطة العدلية من شرطة وحرس هي:
1 ـ في الجرائم العادية:
ـ معاينة الجرائم وجمع أدلتها والبحث عن مرتكبيها وتقديمهم للمحاكمة ما لم يصدر قرار في إفتتاح بحث (86).
ـ البحث في حدود نظرهم الترابي عن كلّ جريمة مهما كان نوعها وتحرير المحاضر في ذلك (87)  
2 ـ في الجرائم والجنح المتلبس بها
إن لمأموري الضابطة العدلية في الجنايات والجنح المتلبس بها ما لوكيل الجمهورية من السلط فهم يقومون بالأعمال الخاصة به والتي تمّ بيانها في موطنها بإعتبارها أعمال حاكم التحقيق لأن وكيل الجمهورية إكتسب أهلية القيام بها بالسبب نفسه الذي أهّل مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس للقيام بها وهو التلبس مع التأكيد بأن إصدار البطاقات القضائية يبقى من إختصاص الحكام وحدهم.
وهكذا فإن ظاهرة التلبس هي أساس الأعمال التي يقوم بها أعوان الضابطة العدلية المذكورين مباشرة عند وقوع الجريمة بالوصف المذكور علما وأن الوصف يلحق بالجريمة وبفاعليها الأصليين ويسري إلى المشاركين ولو لم يقع ضبطهم في حالة تلبس.
حقّا إن حالة التلبس تعطي مأموري الضابطة العدلية صلاحيات كبيرة منها الإحتفاظ والحجز والإذن بالإختبار وتحرير المحاضر وتفتيش المنازل وأعمال أخرى.
3 ـ عند الإنابة
لئن كانت الإنابة قرار يصدر عن حاكم يكلف به غيره بالقيام بعمل أو عدّة أعمال من إختصاصه فإن الإنابة المعنية بالدراسة هي الأعمال المجرات من مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس المنتصبين بدائرة حاكم التحقيق الذي تعذّر عليه إجراء بعض الأعمال بنفسه ومن إختصاصه فأصدر قرارا للغرض وجهه لوكيل الجمهورية بقصد تنفيذه فنتجت عنه الأعمال المذكورة مع التأكيد بأنه لا يمكن بحال أن تشمل هذه الإنابة إصدار البطاقات القضائية.
والمعلوم أن المحامي لم يكن يحضر البحث الذي يجريه مأمورو الضابطة العدلية من الشرطة والحرس والأعمال التي يقومون بها لإنعدام الصفة عندهم  في توجيه التهم حسب ما ذهبت إليه محكمة التعقيب (88) حين قالت:
"حضور المحامي بالإستنطاق الذي يجريه عون الضابطة القضائية غير واجب قانونا إذ لا صفة لهذا العون في توجيه التهم والمحامي لا يحضر إلا عندما يوجه حاكم التحقيق التهمة وأدلّتها ليمكن من الدفاع على حقوق موكله الشرعية."
بصرف النظر عن قيمة هذا الرأي فقد سمح المشرع للمحامي بحضور بحث مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس لما لهم من سلطة معهودة بعد صدور القانون عدد 17 لسنة 2007 المؤرخ في 22 مارس 2007 المتعلق بإتمام بعض أحكام مجلة الإجراءات الجزائية معلنا وأعلن أنه:
"إذا إقتضى تنفيذ الإنابة سماع المظنون فيه فعلى مأموري الضابطة العدلية إعلامه بأن له الحق في إختيار محام للحضور معه والتنصيص على ذلك بالمحضر فإذا إختار المظنون فيه محاميا يتمّ إعلامه فورا من طرف مأمور الضابطة العدلية بموعد سماع منوبه والتنصيص على ذلك بالمحضر وفي هذه الصورة لا يتم السماع إلا بحضور المحامي المعني الذي يمكنه الإطلاع على إجراءات البحث قبل ذلك ما لم يعدل المظنون فيه عن إختياره صراحة أو يتخلف المحامي عن الحضور بالموعد وينصّ على ذلك بالمحضر."
والجدير بالملاحظة ـ أولا ـ  أن مأمور الضابطة العدلية هو الذي يعلم المحامي الذي إختاره المظنون فيه بموعد سماع منوبه علما وأن الشرطة لا يتقيدون بأوقات العمل الإدارية والجدير بالملاحظة ـ ثانيا ـ أنه عندما ينيب حاكم التحقيق مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس المنتصبين بدائرته بإجراء الأعمال التي هي من خصائصه ما عدا إصدار البطاقات القضائية فإن هذه الإنابة تقع في إحدى الحالتين التاليتين:
ـ الحالة الأولى إذا لم يسبق لحاكم التحقيق سماع ذي الشبهة كمتهم
في هذه الحالة يمكن لمأمور الضابطة العدلية إذا إتّضح له من اللازم لتنفيذ الإنابة الإحتفاظ بذي الشبهة الإحتفاظ به طبقا للشروط ضبطها القانون ولم تراع فيها إمكانية حضور المحامي وقت سنّها.
يختلف الإحتفاظ عن الإيقاف التحفظي بخصوص مكان الإيقاف ومدّته وسببه علما وأن مكان الإيقاف هو المركز بالنسبة للإحتفاظ والسجن بالنسبة للإيقاف التحفظي وأما مدّته فهي ثلاثة أيام يمكن تمديدها لنفس المدّة بالنسبة للإحتفاظ وستة أشهر قابلة للتمديد بثلاثة أشهر عند إرتكاب الجنحة وبستة أشهر تمدّد مرّتين بأربعة أشهر كلّ مرّة عند إرتكاب الجناية بالنسبة للإيقاف التحفظي
ـ أما وسيلة الإحتفاظ فإنها تتجسم في محضر يحرّره مأمورو الضابطة العدلية بينما يتجسم الإيقاف التحفظي في قرار يصدر عن الحاكم وهو بطاقة الإيداع في السجن.
والجدير بالملاحظة أن أعمال الضابطة العدلية مهما كانت طبيعتها بالنسبة لكل قضية ومهما كان عددها ونوعها فإنه لا يمكن بحال أن يتجاوز أجل القيام بها المدّة القصوى للإحتفاظ التي لا وجه للمقارنة بينها وبين مدّة الإيقاف التحفظي علما وأن الدستور جعل الإحتفاظ تحت الرقابة القضائية وحجّر تعريض أي كان لإحتفاظ تعسفيّ. 
الحالة الثانية إذا سبق لحاكم التحقيق سماع المتهم قبل قرار الإنابة
من المعلوم أن لحاكم التحقيق بعد إستنطاق ذي الشبهة أن يصدر بطاقة إيداع في السجن وله أن يأذن بالإفراج في حالات يحتم فيها القانون الإذن بالإفراج المؤقت بضامن أو بدونه
ومن البديهي أن الإنابة لا تكسب قانونا هذه السلطة لمأموري الضابطة العدلية لأنه لا يمكنه إصدار البطاقات القضائية ومن لا يمكنه ذلك لا يمكنه الإذن بالإفراج المؤقت وهو أمر من المفروض أن لا ينساه المحامي عند قبول النيابة وحضور أعمال الإنابة التي لا تكسبه حقوقا تساوي على الأقل حقوق الدفاع التي يمارسها لدى التحقيق.

وفي النهاية فإن الغاية من هذه الدراسة هي محاولة لبيان أن إختصار مدّة الإيقاف التحفظي يتوقف على إختصار الأطوار التي تمرّ بها القضية الجزائية دون مساس بسلامة سير البحث علما وأن الإختصار تمليه الحقائق التالية: 
ـ أولا : أنه مهما كثرت الجرائم وتنوعت فإن مأموري الضابطة العدلية من الشرطة والحرس قادرون على مجابهتها لإنتمائهم إلى قوات الأمن الداخلي وهي قوّة مسلّحة مدنية لها من المعدّات البشرية والمادية ما يمكنها من ذلك في حين تشكوا هيئات القضاء نقصا كبيرا في الرجال والعتاد.
ـ ثانيا : أن تركيبة سلط الدولة تفرض التعايش بين الشرطة والقضاء لأن في غياب الشرطة عن القضاء تعطيل للقضاء وبطالة وفي غياب القضاء عن الشرطة تواجد ونفوذ.
ـ ثالثا: إنه من قبيل القوى المضاعة أن يمرّ ملف القضية الجنائية بقصد البحث على الضابطة العدلية والنيابة العمومية والتحقيق ودائرة الإتهام ليصل إلى الدائرة الجنائية لتبحث وتحكم فيه.
ـ رابعا: أن القواعد الإجرائية المتعلقة بالقضية الجنائية في تونس أخذت بحذافيرها من القانون الفرنسي وأن لمرور القضية الجنائية بالمراحل المذكورة بصفة وجوبية تاريخ في فرنسا
لقد تركت الثورة الفرنسية مبدأ راسخا في عقول الفرنسيين يفيد بأن يعهد وجوبا للشعب حلّ المشاكل الكبرى لأنه الأهل لذلك
وبما أن في وقوع الجناية إعتداء صارخ على المجتمع لا بدّ أن يتولى الشعب الحكم على مرتكبي الجناية لذلك كانت تتألف الدائرة الجنائية من  حكام بمشاركة نواب عن الشعب.
والحكم الصادر عن هذه المحكمة يعتبر حكما صادرا عن الشعب وبإسمه.
وبما أن سلطة الشعب لا تعلوها أي سلطة أخرى فإنه لا يمكن الطعن بالإستئناف في هذا الحكم لذلك تجلس المحكمة بمقرّ محكمة الإستئناف بحكام لهم رتبتها وتصدر أحكاما نهائية الدرجة. 
ولكي يتمّ إعداد ملف القضية بصفة تسهّل على الأعضاء الشعبين الذين ليس لهم تكوين قانوني يمكنهم من الوقوف على إدانة المتهم أو براءته ولإقناعهم تعدّدت أطوار البحث وصارت تمرّ القضية بالنيابة العمومية والتحقيق ودائرة الإتهام لتصل إلى المحكمة بعد تظافر جهود هيئات متعدّدة لإظهار البراهين المثبتة أو النافية للإدانة حتى لا يكون الحكم في القضية مبنيا على العاطفة وهو ما يخشى وقوعه الحكام التابعين لسلطة القضاء.
وللتذكير فقد عرفت تونس الحكام الشعبيين وذلك بعد صدور الأمر العلي المؤرخ في 3 أوت 1956 المتعلق بإحداث دورات جنائية لدى المحاكم الإبتدائية (89)
وكانت تتركب محكمة الجنايات ـ وقتها ـ من رئيس برتبة مستشار لدى الإستئناف ومن حاكمين إبتدائيين وأربعة أعضاء من المواطنين
لقد كان يعيّن عند إفتتاح كلّ سنة قضائية المستشار الذي يرأس الدائرة الجنائية ويحدّد عدد الدورات ومدّتها وتاريخ إنعقادها حسب أهميّة القضايا ويعيّن الأعضاء من المواطنين بالقرعة لكلّ دورة ويتمّ إختيارهم من قائمة يقع ضبطها من قبل (90)
أما المرسوم عدد 26 لسنة 1964 المؤرخ في 1 سبتمبر 1964 (91) والذي أحدثت بمقتضاه بكلّ محكمة إستئناف دائرة جنائية تتألف من رئيس برتبة رئيس دائرة بمحكمة إستئناف ومن مستشارين بمحكمة الإستئناف (92) ومن حاكمين شعبيين يقع إختيارهما من بين المواطنين طبق القرار المؤرخ في 26 سبتمبر 1956 المتعلق بكيفية تعيين الحكام الشعبيين لدى المحاكم الجنائية
ويقوم بدور لسان الإدعاء العمومي المدعي العمومي بمحكمة الإستئناف أو مساعده
وتعقد الدائرة الجنائية جلساتها بمركز كلّ محكمة إبتدائية التابع لها حاكم التحقيق الذي تولى النظر في القضية 
لقد دامت هذه التجربة إلى أن صدر القانون عدد 30 لسنة 1966 المؤرخ في 06 ماي 1966 والذي ألغى الأمر المؤرخ في 03 أوت 1956 وأصبحت بمقتضاه تشتمل كل محكمة إستئناف على دائرة أو عدّة دوائر جنائية
وتتألف الدائرة الجنائية من رئيس برتبة رئيس دائرة بمحكمة الإستئناف ومن أربعة مستشارين لدى محكمة الإستئناف يباشر بها وظائف الإدعاء العمومي المدعي العام لمحكمة الإستئناف أو مساعده وكانت أحكام الدائرة الجنائية لا تقبل الإستئناف إلى أن صدر القانون عدد 43 لسنة 2000 المؤرخ في 17 أفريل 2000 والمنقح بالقانون عدد 34 لسنة 2006 المؤرخ في 17 جوان 2006 والذي أصبحت بمقتضاه كلّ محكمة إبتدائية منتصبة بمقرّ محكمة إستئناف تشتمل على دائرة جنائية إبتدائية على الأقل تنظر في الجنايات وتتركب من:
ـ  رئيس من الرتبة الثالثة بخطة رئيس دائرة بمحكمة الإستئناف.
ـ أربعة قضاة من الرتبة الثالثة ويمكن لرئيس المحكمة أن يقرّر إضافة قاض أو عدّة قضاة إلى تشكيلة المحكمة في القضايا التي تستوجب مرافعات طويلة ويحظر القاضي أو القضاة الإضافيين بالجلسة ولا يشاركون في المفاوضة إلاّ عند تعذّر حضور عضو أو أكثر من الأعضاء الرسميين.
ويمارس وظائف الإدعاء العام بالدائرة الجنائية الإبتدائية وكيل الجمهورية أو مساعده
ويصدر الحكم إبتدائي الدرجة مع التأكيد بأن الطعن بالإستئناف تنظر فيه دائرة جنائية إستئنافية بمحكمة الإستئناف التي تشتمل على الأقل على دائرة تتركب من:
ـ رئيس من الرتبة الثالثة بخطة رئيس دائرة بمحكمة التعقيب
ـ قاضيين من الرتبة الثالثة
ـ قاضيين من الرتبة الثانية
لم يبق والحالة تلك مبرّر لإجراءات التحقيق بدرجتيه في الجنايات بعد أن أبطل العمل بمشاركة الشعب في إصدار الحكم وتعهدت بالبحث والحكم محكمة مؤلفة من خمسة قضاة حكمها قابل للطعن بالإستئناف أمام محكمة مؤلفة هي الأخرى من خمسة قضاة الرئيس من الرتبة الثالثة بخطة رئيس دائرة بمحكمة التعقيب وقاضيين من الرتبة الثالثة وقاضيين من الرتبة الثانية.
لم يبق مبرّر للتحقيق الإختياري في الجنح والمخالفات في قضايا تباشر فيها الضابطة العدلية أعمال البحث والتحقيق وتحكم فيها بعد البحث وعلى درجتين محكمتان مألفتان من حكام مقتدرين.

الخـاتمـــة

ليس من شكّ في أن علاج معضلة الإيقاف التحفظي يكمن في الإكتفاء بإحالة القضية الجزائية مهما كان نوعها من النيابة العمومية بعد بحث الضابطة العدلية مهما كان وصف الجريمة على المحكمة المختصة لتقوم بالأعمال الموكولة لها وتبني حكمها على حجج تقدم لها أثناء المرافعة وتناقش أمامها وبمحضر جميع الخصوم وبذلك تنقص حتما مدّة الإيقاف التحفظي وتبقى لوكيل الجمهورية سلطة إصدار البطاقات القضائية والسـلام./.

                                                       الهـادي كـرّو

























(1)  الرائد الرسمي المؤرخ في 31 ديسمبر 1921  صحيفة 319
(2)  الرائد الرسمي عدد 31 في 30 جويلية 1968 صحيفة 1008 ونشرت المجلة بالرائد الرسمي عدد 32 في 6 أوت 1968 صحيفة 1026

(3)  أضيفت الفقرة الأولى للفصل 12 من الدستور بالقانون الدستوري عدد 51 لسنة 2002 المؤرخ في غرّة جوان 2002
(4)  الفصل 13 مكرّر من مجلة الإجراءات الجزائية
(5)  الفصل 12 و 326 من م إ ج
(6)  الفصل 35 من م إ ج (وله أي لحاكم التحقيق أن يلقي القبض بمجرّد إذن شفاهي على ذي الشبهة الذي كان حاضرا ...) والملاحظ أن ما يقوم به حاكم التحقيق من أعمال في هذه الصورة إنما هي في نطاق مباشرة وظائف الضابطة العدلية في صورة الجناية المتلبس بها حسب الفصل 10 من نفس المجلة
(7)  الفصل 202 من م إ ج (لحاكم الناحية أن يبقي المظنون فيه تحت طلبه بمقتضى بطاقة إيداع)
(8)  الفصل 202 من م إ ج الفقرة الثانية ( ولا يمكن بحال إبقاء المظنون فيه موقوفا أكثر من ثمانية أيام)
(9)  الفصل 238 من م إ ج (الطفل الذي تجاوز عمره ثلاثة عشر عاما لا يمكن وضعه مؤقتا بمحل الإيقاف إلا إذا ظهر من المتحتم إتخاذ هذه الوسيلة(قبل صدور مجلة حماية الطفل)
(10)  الفصل 319 من م إ ج (يقدم الأجنبي حالا بعد إيقافه من وكيل الجمهورية المنتصب بالمكان الذي تمّ فيه الإيقاف)
(11)  الفصل 320 من م إ ج (ينقل الأجنبي في أقرب أجل إلى تونس العاصمة ويودع بالسجن المدني)
(12)  الفصل 84 و85 و325 من م إ ج والملاحظ أن الفصل الأول من القانون عدد 94 لسنة 2002 المؤرخ في 29 أكتوبر 2002 المتعلق بالتعويض للموقوفين والمحكوم عليهم الذين ثبتت براءتهم يعطي الفرق بين المتهم الذي أوقف تحفظيا والمتهم الذي نفذت عليه عقوبة السجن
(13)  الفصل 80 من م إ ج
(14)  الفصل 81 من م إ ج
(15)  للبحث عن مصدر هذه التسمية نلاحظ أن حفظ الشيء هو منعه من الضياع أو التلف وإحتفظ بالإنسان أي حفظه ويستبعد أن يكون القصد من الإيقاف التحفظي حفظ المجرم ولو أنه يبرّر أحيانا الإيقاف بإعتباره حماية للمجرم من ردّ فعل الضحية أو ذويها
(16)  والإيقاف الإحتياطي إلى سنة 1970 وبعدها الإيقاف المؤقت
(17)  الفصل 12 الفقرة الثانية من الدستور:" كل متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته في محاكمة تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه ."
(18)    القرار التعقيبي الجزائي عدد 5088 الصادر في 3 ديسمبر 1963 (قرارات الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب 1961-92 صحيفة 681 مركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل)
(19) بالقرار التعقيبي الجزائي عدد 6912 المؤرخ في 04 جوان 1969 نشرية محكمة التعقيب 1970 صحيفة 163
(20)  لوكيل الجمهورية وظيفة التتبع التي تمكنه من التدخل في كلّ طور من أطوار القضية وأمام كلّ هيئة متعهّدة بالحكم في دائرته.
وتتجسم مباشرة وظيفة التتبع بالخصوص في الأعمال التالية:
1 ـ حق النيابة العمومية في أن تحضر بنفسها أعمال التحقيق سواء بالمكتب أو خارجه.
2 ـ وجوب إعلامها بكلّ قرار يتخذ وله علاقة بوظيفة الإثارة.
3 ـ تقديم طلبات كتابية طبقا للتعليمات التي تعطيها له سلطة الإشراف ليمثل النيابة العمومية ويتولى بسط الملاحظات الشفاهية بما يراه متماشيا مع مصلحة القضاء
وهذا تجسيم لمبدإ معروف في الإجراءات الجزائية الفرنسية مفاده أن الكلمة حرّة أما الكتابة فهي مقيدة بمعنى أن وكيل الجمهورية أو مساعده عندما لا تكون متفقا مع طلبات رؤسائه فإنه يمكن له أن يشرح للمحكمة شفاهة وجهة نظره في القضية لكنه يقدم للمحكمة طلبات كتابية متفقة مع الإذن الذي أعطي له بخصوصها (الفصل 21 من م إ ج).
لكن ما هي قيمة أحكام الفصل 151  من مجلة الإجراءات الجزائية القاضية بأنه لا يمكن للحاكم أن يبني حكمه إلا على حجج قدمت أثناء المرافعة وتمّ التناقش فيها أمامه شفويا وبمحضر جميع الخصوم
(21)    يعطي الفصل 142 من مجلة الإجراءات الجزائية للمحكمة الحق في أن تصدر في شأن المتهم الذي فرّ  تفصيا من التتبع بطاقة جلب أو بطاقة إيداع
لا شكّ في أن المحكمة تصدر بطاقة الجلب في صورة عدم حضور المتهم الجلسة لأنه أحيل وهو في حالة فرار أو أحيل وهو في حالة سراح ولم يحضر بعد إستدعائه كما يجب أو حضر الجلسة ثمّ لم يحضر الجلسة الموالية وهو على علم بتاريخ إنعقادها.
أما إذا حضر المتهم بعد أن تمّ إلقاء القبض عليه وهو في حالة فرار فللمحكمة الحق أن تصدر في شأنه بطاقة إيداع في السجن إذا لم يقع إيقافه المدّة القصوى للإيقاف حسب إعتقادي
(22)  الفصل 58 من قانون المرافعات الجنائية والفصل 85 من م إ ج
(23)   الرائد الرسمي عدد 89 لسنة 2002 المؤرخ في 01 نوفمبر 2002
(24)  الرائد الرسمي عدد 83 المؤرخ في 24 و27 نوفمبر 1987 صحيفة 1462
(25)    حسب الفصل 28 من مجلة الإجراءات الجزائية
(26)    الفصل 51 من مجلة الإجراءات الجزائية
(27)    الفصل 266 من مجلة الإجراءات الجزائية فقرة أولى (5) الفصل 206  من مجلة الإجراءات الجزائية الفقرة 3
(28)  قانون عدد 113 لسنة 1993 مؤرخ في 22 نوفمبر 1993 يتعلق بتنقيح وإتمام بعض فصول من مجلة الإجراءات الجزائية ف 203 ـ 305 ـ 307 ـ 313 
قانون عدد 114 لسنة 1993 مؤرخ في 22 نوفمبر 1993 يتعلق بتنقيح وإتمام بعض الفصول من مجلة الإجراءات الجزائية ف 85ـ 87 ـ 106 ـ 107 ـ 111 ـ 205 ـ 208 و 222 الرائد الرسمي عدد 91 المؤرخ في 30 نوفمبر 1993 صحيفة 2027
(29)  الرائد الرسمي عدد 45 المؤرخ في 3 جوان 2002 صحيفة 1442
(30)  الرائد الرسمي عدد 21 المؤرخ في 11 مارس 2008 صحيفة 1004
(31)  الرائد الرسمي عدد 101 المؤرخ في 16 ديسمبر 2008 صحيفة 4652
(32)    الفصل 25 من مجلة الإجراءات الجزائية
(33)  الفصل 20 من مجلة الإجراءات الجزائية
(34)  الفصل 13 ثانيا من مجلة الإجراءات الجزائية
(35)    الفصل 25 من مجلة الإجراءات الجزائية
(36)    الفصل 13 مكرّر من مجلة الإجراءات الجزائية
(37)   الفصل 51 من مجلة الإجراءات الجزائية
(38)   الفصل 47 من مجلة الإجراءات الجزائية
(39)   الفصل 109 من مجلة الإجراءات الجزائية
(40)   الفصل 108 من مجلة الإجراءات الجزائية
(41)   الفصل 110 من مجلة الإجراءات الجزائية
(42)   الفصل 114 من مجلة الإجراءات الجزائية
(43)  الفصل 120 من مجلة الإجراءات الجزائية
(44)   قرار تعقيبي جزائي عدد 122 في 06 أكتوبر 2004 مجلة القضاء والتشريع عدد 3 مارس 2005 صحيفة 213
(45)  مجلة الإجراءات الجزائية 259 و 260 و 261
(46)  الصادر بالأمر المؤرخ في 30 ديسمبر 1921 الذي ألغيت أحكامه مجلة الإجراءات الجزائية الصادرة بتاريخ 24 جويلية 1968 بالقانون عدد 23 لسنة 1968 المؤرخ في 24 جويلية 1968
(47)  الذهبي العباسي الإيقاف التحفظي وإنعكاساته على الحريات العامة. القضاء والتشريع عدد 6 جوان 1977 صحيفة 09
كان الكاتب وقتها وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بتونس
(48)  الهادي سعيّد: الشريعة والعقاب وما يضمنه القانون التونسي للمتهم في مستوى التتبع. القضاء والتشريع عدد 06 جوان 1982 صحيفة 17
كان الكاتب وقتها وكيل الدولة العام ومدير المصالح العدلية بوزارة العدل ورئيس الإتحاد الدولي للقضاة
(49)  الطاهر المنتصر في التحقيق  القضاء والتشريع العدد 6 السنة 24 
كان الكاتب وقتها المساعد الأول لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية بتونس
(50)  محمد الحبيب بودن: القضاء والتشريع جويلية 1971 صحيفة 11 ـ كان الكاتب وقتها حاكم الناحية بمنزل تميم
(51)  الفصل 80 من م إ ج
(52)  الفصل 80 من م إ ج
(53)  لقد تولى الأستاذ عبد الله الأحمدي شرح هذا القانون في دراسة "القانون الجديد المتعلق بالإحتفاظ والإيقاف التحفظي" مجلة المحاماة العدد الأول لسنة 1989 صحيفة 25
(54)    أما إذا اقتضت الحاجة إلى إصدار بطاقة الإيداع بسبب عدم حضور المتهم الذي سبق الإفراج عنه بعد قضاء كامل مدّة الإيقاف التحفظي بالسجن وقد أستدعي لحضور الجلسة كما يجب فإنه يجوز للمحكمة في هذه الصورة إصدار بطاقة جلب ضدّه علما وأن في هذه الصورة يتم فيها الإفراج حالا عن المتهم بعد إحضاره في كلّ الأحوال.
(55)    النيابة العمومية لدى محكمة التعقيب
 يمثل النيابة العمومية لدى محكمة التعقيب وكيل الدولة العام بنفسه أو بواسطة المدعين العموميين لدى محكمة التعقيب وهم يقومون بالأعمال التالية في حدود هذه المحكمة
ـ النظر في مطالب التعقيب بعد فوات الأجل بسبب القوة القاهرة
ـ تحرير الملحوظات الكتابية المتعلقة بالمطاعن المتمسك بها من الأطراف في القضية موضوع الطعن بالتعقيب
ـ حضور جلسة المرافعة التي تعقدها محكمة التعقيب بحجرة الشورى والتي يمكن أن يسمح للمحامي حضورها إن طلب ذلك كتابة
ـ الطعن بالتعقيب بناء على الأمر الصادر من وزير العدل وذلك في أجل ستين يوما من تاريخ صدور الحكم
ـ الطعن بالتعقيب لصالح القانون رغم فوات الأجل في الحكم إذا كان فيه خرق للقانون ولم يقم أحد بالطعن فيه في الإبان
والملاحظ أن النيابة العمومية لدى محكمة التعقيب لا تثير الدعوى العمومية وإنما تباشر أعمالا معينة في حدود هذه المحكمة بعد وقوع الإثارة والتتبع
2ـ النيابة العمومية لدى محكمة الإستئناف
يمارس الوكلاء العامون لدى محاكم الإستئناف ومساعدوهم إختصاصاتهم القضائية كل في حدود منطقته تحت سلطة وزير العدل مباشرة
ويمكن للوكيل العام أن يمثل النيابة العمومية بنفسه لدى محاكم الإستئناف وله سلطة على سائر ممثلي النيابة العمومية بدائرته
(56)    تتألف النيابة العمومية من حكام يتلقون الأوامر من رؤسائهم وينفذون تعليماتهم خلافا لقضاة الحكم وهم يشكلون هيئة يمكن أن يعوّض الواحد منهم الآخر لأنهم يدافعون عن شخص واحد وهي الدولة أو الجمهورية (الحق العام)
وهم غير مسؤولين عن نتائج ممارستهم للمهنة وبذلك لا يستهدفون لتحمّل الغرامات أو المصاريف عند صدور الحكم بعدم سماع الدعوى.
(57)    يقبل وكيل الجمهورية شكايات المعتدى عليهم طبقا لأحكام الفصل 26 من مجلة الإجراءات الجزائية وبذلك يصل إلى علمه وقوع الجريمة ويمكنه إثارة الدعوى العمومية إعتمادا على الإعلام من المعني بالأمر.
(58)  يمكن لوزير العدل أن يبلغ الجرائم التي يحصل له العلم بها إلى الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف ذي النظر ويأذنه بإجراء التتبعات سواء بنفسه أو بواسطة من يكلفه وأن يقدّم للمحكمة المختصة الملحوظات الكتابية التي يرى من المناسب تقديمها
يعلم الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية بوقوع الجرائم ويطلب منه التتبع وتقديم الملحوظات الكتابية التي يرى وزير العدل من المناسب تقديمها إلى المحكمة المختصّة حسب إعلامه.
(59)  يعلم حاكم الناحية وكيل الجمهورية بجميع الجنايات والجنح التي يرد له العلم بها حال مباشرته لوظائفه ويوجه إليه جميع ما يتعلّق بها من إرشادات ومحاضر ووثائق بعد تلقيه الإعلام بالجنايات والجنح المرتكبة بالجهة التي يباشر بها وظائفه
ولقد أكّدت محكمة التعقيب في قرارها التعقيبي الجزائي عدد 19942 المؤرخ في 03 نوفمبر 1986 ( بنشرية محكمة التعقيب الجزء الجزائي 1 لسنة 1987 صحيفة 311) أن:
"قاضي الناحية من الضابطة العدلية وبموجب تلك الصفة يمكنه مباشرة أعماله في كلّ آونة سواء في أوقات العمل أو خارجها في المحكمة أو غيرها"
وهذا تأكيد لأحكام  الفقرة الأولى من الفصل 12 من مجلة الإجراءات الجزائية التي تنص على أن:
" لحكام النواحي أن يجروا كلّ في حدود دائرته بأنفسهم أو بواسطة المأمورين الآخرين المشار إليهم بالأعداد من 3 إلى 6 من الفصل 10 كلّ فيما يخصه جميع أعمال البحث الأولى ولهم أن يوقفوا المظنون فيهم مؤقتا بالسجن بشرط تقديمهم فورا إلى أقرب محكمة."
والملاحظ في هذا الصدد أن حاكم الناحية الذي ينتمي إلى هيئة المحكمة المستقلة مبدئيا عن هيئة التتبع مجبور ـ في هذه الحالة ـ على إعلام وكيل الجمهورية الذي ينتمي إلى هيئة التتبع بما يصل إليه عن طريق ممارسة لوظيفته بصفته مأمور الضابطة العدلية حسب الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية وهي وظيفة يباشرها تحت إشراف الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف ـ أولا ـ وبصفته مساعد لوكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية ـ ثانيا ـ طبقا لأحكام الفصل 11 من نفس المجلة.
والغاية من أن يعلم حاكم الناحية وكيل الجمهورية بوقوع الجرائم وأن يوجه إليه جميع ما يتعلّق بها من إرشادات ومحاضر ووثائق هي تمكينه من الإجتهاد في تقرير مآل ما تلقاه وأنهي إليه.
(60)    لقد أوجب الفصل 29 من مجلة الإجراءات الجزائية:
"على سائر السلط والموظفين العموميين أن يخبروا وكيل الجمهورية بما إتصل بعلمهم من الجرائم أثناء مباشرة وظائفهم وأن ينهوا إليه جميع الإرشادات والمحاضر والأوراق المتعلقة بها."
وقد أكّد ذلك الفصل 26 من نفس المجلّة الذي يفيد أن وكيل الجمهورية يتلقى ما يعلمه به الموظفون العموميون أو أفراد الناس من الجرائم
(61)    لقد مكّن الفصل 63 من مجلة الإجراءات الجزائية حاكم التحقيق أن يسمع على سبيل الإسترشاد ودون أداء اليمين الأشخاص الذين أخبروا من تلقاء أنفسهم بالجريمة وبمرتكبها وكان إخبارهم يستحقون عليه جعلا وكانوا غير ملزمين به بمقتضى وظيفتهم. والمفروض أن يكون الإخبار وهوية المخبر موضوع محضر يضاف لملف القضية المحال من وكيل الجمهورية على التحقيق بمقتضى قرار في إجراء البحث.

(62)    القرار التعقيبي الجزائي عدد 27468 المؤرخ في 27 أكتوبر 1988 المنشور بمجلة الإجراءات الجزائية الطبعة الثالثة 1998 (تعليق بلقاسم القروي الشابي صحيفة 20)
(63)    القرار التعقيبي الجزائي عدد 3822.99 المؤرخ في 26 أكتوبر 2000 والمنشور بقرارات الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب سنة 1999-2000 بمركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل ص 348
(64)    الفصل 50 من مجلة الإجراءات الجزائية
(65)    الفصل 53 من مجلة الإجراءات الجزائية

(66)    الفصل 65 من مجلة الإجراءات الجزائية
(67)    الفصل 69 من مجلة الإجراءات الجزائية
(68)  الفصل 69 من مجلة الإجراءت الجزائية
(69)  الفصل 69 من مجلة الإجراءات الجزائية
(70)    الفصل 76 من مجلة الإجراءات الجزائية
(71)  وقد تطول مدّة الإيقاف التحفظي المأذون به من طرف قاضي التحقيق إلى عدّة أعوام حسب متطلبات البحث في القضية وجمع الأدلّة من ترقب نتائج إختبارات وإنتظار نتائج إنابات صادرة عن قاضي التحقيق إلى زملائه في داخل البلاد وحتى في خارجها وهذا الطول في مدّة الإيقاف التحفظي يكون من مميزات قاضي التحقيق ..." الذهبي العباسي الإيقاف التحفظي وإنعكاساته على الحريات العامة القضاء والتشريع عدد 6 جوان 1977 صحيفة 9 وكان صاحب المقال وقتها وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بتونس

(72)  قرار تعقيبي جزائي عدد 8544 المؤرخ في 27 نوفمبر 1982 نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي سنة 1985 صحيفة 386
(73)  قرار تعقيبي جزائي عدد 20300 المؤرخ في 09 أكتوبر 1986 نشرية محكمة التعقيب الجزء الأول لسنة 1987 صحيفة 176
(74)    ـ توصف بجنايات على معنى هذا القانون الجرائم التي تستوجب عقابا بالقتل أو بالسجن لمدّة تتجاوز خمسة أعوام.
ـ وتوصف بجنح الجرائم التي تستوجب عقابا بالسجن تتجاوز مدته خمسة عشر يوما ولا تفوق الخمسة أعوام أو بالخطية التي تتجاوز الستين دينارا.
ـ وتوصف بمخالفات الجرائم المستوجبة لعقاب لا يتجاوز خمسة عشر يوما سجنا أو ستين دينارا خطية.
(75)    مع التأكيد بوجوب مراعاة الأحكام التالية: 
ـ يشهد الشهود فرادا وبدون حضور ذي الشبهة
ـ يجب على الشهود أن يقيموا بقاعة الجلسة بعد أداء شهادتهم إلى أن تختم المرافعات العلنية ما لم يصدر لهم إذن بالخروج
ـ يجوز طلب خروجهم أو الإذن به وقت تأدية شاهد آخر لشهادته
(76)    وهذا يفيد أنه من الممكن للمحكمة أن تطلب من الخصوم ومن المحامي خاصة مزيدا من الإيضاح وتناقشه حتى تتبيّن عندها أوجه دفاعه.
(77)    ولحاكم الناحية مرجع نظر نهائي ومرجع نظر إبتدائي وينظر نهائيا في المخالفات  وينظر إبتدائيا في الجنح المعاقب عنها بالسجن مدّة لا تتجاوز العام أو بخطية لا يتجاوز مقدارها ألف دينار (1.000 د) ويبقى النظر للمحكمة الإبتدائية بصفة إستثنائية في جنح الجرح على وجه الخطإ والحريق عن غير عمد و في الجنح التي أسند إليه النظر فيها بمقتضى نصّ خاص.
(78)  الواردة بالقانون عدد 34 لسنة 1976 المؤرخ في 04 فيفري 1976 الذي يقتضي أن تتمّ معاينة الجريمة والبحث فيها من أعوان الضابطة العدلية المنصوص عليهم بالفقرات الأولى والثانية والثالثة والرابعة من الفصل العاشر من مجلة الإجراءات الجزائية وهم مكلفون بالبحث عن كلّ المخالفات لهذا القانون وبمعاينتها وتحرير محاضر فيها
كما يكلف بصفة خاصة بالبحث عن المخالفات المتعلقة برخص البناء وبمعاينتها وبتحرير محاضر فيها أعوان من الولايات والبلديات ومن وزارة التجهيز معينون خصيصا لذلك ومحلفون.
(79)  الواردة بالباب الأول من العنوان الرابع من القانون عدد 64 لسنة 1991 المؤرخ في 29 جويلية 1991 والمتعلق بالمنافسة والأسعار الذي يقتضي فإن تقع المعاينة من قبل متفقدي المراقبة الإقتصادية
(80)  القرار الوارد بالباب اأول من العنوان الرابع من القانون عدد 64 لسنة 1991 والمتعلق بالمنافسة والأسعار
(81)    تنظر إبتدائيا المحكمة الإبتدائية في سائر الجنح بإستثناء ما كان منها من أنظار قاضي الناحية وتنظر نهائيا بوصفها محكمة إستئناف في جميع الأحكام المستأنفة والصادرة عن قضاة النواحي التابعين لدائرتها وهو أمر لا يهمّ هذا الموضوع
(82)    لماذا لا يمكّن المتضرّر في مادّة الجنايات من إثارة الدعوى العمومية مباشرة أمام الدائرة الجنائية بالمحكمة الإبتدائية وهي تصدر أحكاما إبتدائية الدرجة الأمر الذي لا يبرّر التمادي على إعتبار أنها لا تتعهد إلا بمقتضى قرار من دائرة الإتهام و يستوجب القيام بالحق لشخصي لدى حاكم التحقيق؟
(83)    هذا المبدأ أكدته محكمة التعقيب بما مفاده أن لا تتعهد المحكمة الجنائية إلا بمقتضى قرار صادر عن دائرة الإتهام بمقتضى القرار عدد 2993 المؤرخ في 30 أكتوبر 1979 نشرية محكمة التعقيب الجزء الأول سنة 1991 صحيفة 31
من الثابت أن هذا المبدأ مازال قائما ولا يوهنه إنتقال الدائرة الجنائية من محكمة الإستئناف إلى المحكمة الإبتدائية ما دامت قاعدة التحقيق الوجوبي بدرجتيه في مادّة الجنايات قائمة.
(84)    الرائد الرسمي عدد 54 المؤرخ في 10 و13 أوت 1982 صحيفة 1827
(85)   الرائد الرسمي عدد 99 المؤرخ في 12 ديسمبر 2003 صحيفة 3808
(86)  الفصل 9 من مجلة الإجراءات الجزائية
(87)   الفصل 13 ثالثا من مجلة الإجراءات الجزائية
(88)   القرار التعقيبي الجزائي عدد 6005 المؤرخ في 25 ماي 1960 نشرية محكمة التعقيب سنة 1970 صحيفة 115
(89)   الرائد الرسمي عدد 64 المؤرخ  في 10 أوت 1956 صحيفة 1504
(90)  القرار المؤرخ في 26 سبتمبر 1956
(91)  الرائد الرسمي عدد 43 المؤرخ في 11 و 15 سبتمبر 1964 صحيفة 1244
(92)      "إن تشكيل المحاكم له إرتباط بالنظام العام وعلى هذا الأساس يكون قابلا للنقض الحكم الذي صدر من محكمة جنائية برئاسة قاض لم تكن له رتبة رئيس دائرة بمحاكم الإستئناف ومن قاضيين لم تكن لهما رتبة مستشار بمحاكم الإستئناف وذلك وفقا للقانون الصادر في 12 سبتمبر 1964." قرار تعقيبي جنائي عدد 4688 مؤرخ في 20 أفريل 1966 نشرية محكمة التعقيب 1967 صحيفة 83