vendredi 28 décembre 2012



L INDEPENDANCE DE LA MAGISTRATURE
PREMIERE PARTIE
 par hedi KERROU
  
 استقلال القضاء
بقلم:الأستاذ الهادي كرّو
تـمـهـيـد:
                                       مـفـهـوم استـقلال القـضاء
ما من شك في أن المقصود باستقلال القضاء عند عامة الناس هو قدرة القاضي على إحباط سعي أصحاب الجاه و المال في إملاء الحكم عليه.
ومن المؤكّد أنه لن يكون لاستقلال القضاء المعنى المذكور في هذه الدراسة لأنه يفيد بالضرورة أن النيل من استقلال القضاء أمر ممكن ما بقي في المجتمع الواحد قضاة ورجال سلطة و أصحاب جاه ومال متعايشين.
وبما أنّ المجتمع لا يمكنه الاستغناء عن القضاة و عن الفئتين الأخريين ولذا فإن التعايش بينهم أمر ضروري لا مفرّ منه.
وعلى كل فإن تدخّل أصحاب النفوذ في شؤون القضاء هو ظاهرة اجتماعية لا تنال أصلا من سلطة القضاء وكنهها وهي معضلة تصيب بعض أفرادها من ذوي الإرادة الضعيفة.
حقا إن مناعة الاستقلال مرآة لشخصية القاضي وأخلاقه لأنه اكتسب الاستقلال عن جدارة بمجرد أن اختار الانتماء لسلطة معترف لها بالاستقلال قانونا ولذا لم يبق له سوى الذود عن هذا المكسب ولا يتطلب ذلك سوى الرجولة.
لا خوف ـ إذا ـ على استقلال القضاء مادام القضاة يغارون عليه ويتصدون بكل قوّة لمن يحاول النيل منه مهما عظم نفوذه.
وإن كان النيل من استقلال القضاء بالطريقة المذكورة هو ظاهرة عرضية وإمكانيّة التصدّي لها موجودة عند أهل الشأن أنفسهم وهي من شيم القضاة الكرام فإنّ النيل من استقلال القضاء بطريقة أخرى يبقي واردا وهو أمر خطير يتجسّم في وجود الحدّ من حريّة ممارسة السلطة ـ أوّلا ـ ومنع الاجتهاد في الحكم ـ ثانيا ـ وبهذه الطريقة يتمّ الاعتداء على استقلال القضاء والإطاحة به بالكيفيّة التي سنحاول بيانها في هذه الدراسة التي تبقى في حاجة إلى المراجعة كلّما طرأ على القانون تحوير.
وبذلك يتأكّد أنّ المقصود باستقلال القضاء في هذا الموطن هو قدرة القاضي على معالجة القضايا التي تعترضه بكلّ حرّية وإصدار الأحكام المحقّقة للعدل والمبنية على اجتهاده المطلق.
وعلى هذا الأساس فإنّ الاستقلال معترف به للقاضي بمجرّد ابتدائه للفصل وللنطق بأحكام حاسمة للنزاع لا يجد بعدها المتقاضون حرجا في أنفسهم مما قضى ويسلّموا تسليما.
لذا وجب التعرّض إلى مفهوم السلطة القضائيّة ـ أوّلا ـ وإلى أسس استقلال القضاء ـ ثانياـ
           1 ـ مفهوم السلطة القضائيّة:
إنّ التساؤل عن القضاء وإستقلاله يؤكّد وجود سلطة قضائيّة في المجتمع إذ أنّ السؤال يتعلّق بمميّزات القضاء الأساسيّة وعليه فإنّ الاستقلال يوجد وينعدم على قدر ما توجد الحريّة التي يكتسبها القاضي في ممارسة سلطته وتنعدم.
و تتجسّم هذه الحريّة في قدرة القاضي على التعهّد بالنوازل على اختلاف أنواعها بصفة آليّة ـ أوّلا ـ ثمّ الفصل فيها حسب اجتهاده المطلق ـ ثانياـ
سلطة القضاء:
ما من شكّ من أنّ التطور الاجتماعي زاد المعاملات تشعّبا والاعتداءات حدّة وهو ما يِؤكّد ـ مرّة أخرى ـ أنّ مؤسسة القضاء ضرورة اجتماعية وهي إحدى السلط الثلاث التي يرتكز عليها النظام الجمهوري وهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية علما وأن كل سلطة هي مستقلة عن الأخرى.
ودون  الخوض في الجدل الذي قسّم رجال القانون فريقين:
1)       أوّلهما يقول بأنّ القضاء سلطة في الدولة مثل السلطة التنفيذية
2)       وثانيهما يقول بالىأن القضاء ليس بسلطة مثل السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية وإنما هو مؤسسة ذات نفوذ في الدولة. (1) فإن الذي يهمنا  معرفته في هذا الموطن هو موقف المشرّع التونسي من القضاء ومن استقلال.

                                         الجزء الاول
                                  مفهوم السلطة  القضائيّة في التشريع التونسي

لقد أقرّ الدستور التونسي (1) النظام الجمهوري (2) وتعرّض لسلط الدولة الثلاث وهي:
1)   السلطة التشريعية وقد خصّص لها بابه الثاني.
2) السلطة التنفيذية وقد خصّص لها بابه الثالث علما وأنّ هذا الباب يحتوي على قسمين اثنين أوّلهما مخصّص لرئيس الجمهورية وثانيهما للحكومة وهو الباب الوحيد من الدستور الذي حضي بهذا التقسيم.
3)       السلطة القضائية وقد خصّص لها بابه الرابع.
لئن تعرّض الدستور للسلطة القضائية مثلما تعرّض للسلطة التنفيذيّة فإنّه يتعيّن تقرير القيمة التي أقرّها (أوّلا) مع تحديد طبيعة علاقتها بالسلطتين الأخريين ( ثانيا).

القيمة الدستورية للسلطة القضائية

حتى نعرّف القيمة الدستوريّة للسلطة القضائية نحاول مقارنتها بالسلطة الأخرى من ناحية رتبتها وعدد الفصول المخصصة لها وهيئات القضاء المنتمية لها.
1)     الرتبة:
إن الرتبة التي أعطاها الدستور للسلطة القضائية عهد تعرّضه لسلطة الدولة هي الرتبة الثالثة وبما أن عدد هذه السلط ثلاثة فإن للسلطة القضائية المرتبة الأخيرة.
2)     الفصول المخصصة:
بالرّجوع الدستور قصد مقارنة عدد الفصول التي أقرّها لكل سلطة من سلط الدولة يتّضح أنه:
أ‌-                خصّص للسلطة التشريعية تسعة عشر فصلا (1)
ب‌-           خصّص للسلطة التنفيذيّة سبعة وعشرون فصلا (2)
ت‌-           خصّص للسلطة القضائيّة أربعة فصول (3)
فلو زدنا لتبسيط الاحتساب فصلا واحدا لعدد الفصول المخصصة لكل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية لأمكننا القول بأن:
1)عدد الفصول المخصّصة للسلطة التشريعيّة يفوق أربع مرّات عدد الفصول المخصّصة للسلطة القضائيّة.
2) عدد الفصول المخصّصة للسلطة التنفيذيّة يفوق سبع مرّات عدد الفصول المخصّصة للسلطة القضائية.
 ولو تناولنا المقارنة طول الفصول لأبرزت المقارنة أنّ الإيجاز الذي حظيت به فصول السلطة القضائية يجعل جميعها أقلّ طولا من الفصلين 62 و 63 من بين السبعة والعشرين فصلا المخصّصة للسلطة التنفيذيّة.
إن تعرّض الدستور للسلطة القضائية وحدها مهمّة ممارسة شؤون القضاء بكلّ أنواعه، فهل أقرّ الدستور هذا المبدأ وهل أوقف مهمّته القضاء على السلطة القضائية ؟

السلطة المؤهلة للقضاء في الدستور

من المفروض أن يخصّص الدستور للسلطة القضائية ولجميع هياكلها بابا علي غرار الطريقة المتوخّاة منه بالنسبة للسلطتين التشريعية والتنفيذية إلاّ أنّه خصّص الباب الرابع للسلطة القضائية والباب الخامس للمحكمة العليا والباب السادس لمجلس الدولة.
لا شكّ أن المحكمة العليا ومثلها مجلس الدولة لا تشكّل سلطة تظاهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذيّة لأنّ الدولة ترتكز أساسا على سلط ثلاث.ولذا فإنّ المحكمة العليا هيئة قضائية ومثلها مجلس الدولة.
لئن تعدّدت في الدستور هيئات القضاء فهل تنتمي كلّها سلطة القضاء؟

انتماء هيئات القضاء

تعرض الدستور ثلاث هيئات قضائية وهي:
1)   هيئة القضاة
2)   المحكمة العليا
3)   مجلس الدولة
وبما أنّه خصّص لكلّ هيئة بابا فإن هذا الإجراء يفيد من البداية بأنّ هذه الهيئات لا تنتمي كلّها السلطة القضائيّة وهو قصد المشرّع لأنّه لو أقرّ خلاف ذلك بأن جعلها تنتمي كلّها لسلطة واحدة وهي السلطة القضائية لخصّص عندئذ للمحكمة العليا القسم الأوّل من الباب الرابع ولمجلس الدولة القسم الثاني منه على غرار التقسيم الوارد في الباب الثالث المتعلّق بالسلطة التنفيذيّة وهو القسم الأوّل لرئيس الجمهوريّة والقسم الثاني للحكومة(1).
لئن كانت هذه الهيئات القضائية لا تنتمي السلطة القضائيّة فأيّ سلطة أخرى تنتميّ؟
لنبدأ بالمحكمة العليا(2) ثمّ بمجلس الدولة (3)ومؤسّسات القضاء الأخرى (4) لنصل  هيئة القضاء(5).
1) المحكمة العليا:
وقد خصّص الدستور بابه الخامس للمحكمة العليا وهو يشتمل على فصل وحيد (1) وحسب هذا الترتيب فإنّ المحكمة العليا لا تتبع السلطة القضائيّة لخروجها عن الباب الرابع من الدستور وتفرّدها ببابه الخامس.

3) مؤسسات القضاء الأخرى:
سوف لن تتعرّض في هذا المجاب محكمة أمن الدولة التي لم يبق لها وجود بعد أن حذفت (1) وتقتصر بذلك على التعرّض للمحكمة العسكريّة.
ويكفي أن يشارك جنديّ واحد ولو مشاركة ضعيفة في معركة شبّت ليلة عرس ليحال جلّ أهل الحيّ على المحكمة العسكريّة.
والمهمّ هو أنّ هذه المؤسّسة القضائية لا تتّبع هي الأخرى السلطة القضائيّة ولذا فإنّ موضوع استقلال القضاء الذي نعالجه لم يبق له موطنا للبحث سوى هيئة القضاء العادي.

هيئة القضاء العادي
بعد أن ثبت خروج المحكمة العليا ومجلس الدولة والمحكمة العسكريّّة عن السلط القضائية التي تعرّض لها الدستور فما هو المقصود بهذه السلطة؟
حقّا لم يبقي لتجسيم وجود السلطة القضائيّة في الواقع سوى هيئة القضاء العادي لكن حتى تكون هذه الهيئة هي السلطة القضائيّة التي تعرّض لها الدستور لابدّ أن يثبت أمر
تفريقها عن السلط الأخرى تطبيقا لمبدأ دستوري صريح، تضمّنته التوطئة حين أعلن ممثّلوا الشعب التونسي المجتمعين في مجلس قومي تأسيسي بأنّ الشعب مصمّم علي ديمقراطيّة قوامها نظام سياسي مستقر يتركّز علي قاعدة تفريق السلط.
ومن الطبيعي أن يكون استقلال القضاء نتيجة حتميّة لتفريق السلط واستقلالها.
ولقد اكتفى الدستور بما أقرّه بالتوطئة بخصوص تفريق السلط ولم يتعرّض استقلال السلطة التشريعيّة والسلطة التنفيذيّة ضمن البابين الثاني والثالث المخصّصين على التوالي لهما في حين تعرّض استقلال القضاء في فصله 65 من بابه الرابع المخصّص للسلطة القضائيّة.
ما هو سبب تمييز القضاة وما هي غاية هذا التأكيد علما وأنّ مبدأ التفريق صحيح بالنسبة لجميع السلط في التوطئة ومبدأ الاستقلال الضمنيّ بالنسبة للسلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة وصريح بالنسبة للقضاة في الدستور.
وعندي فإنّ الدستور لا يحتاج المجاملة والتأكيد لو عهد بالقضاء في الدولة لسلطة واحدة لأنّ ما يساعد على وجود استقلال القضاء ويضمن بقاءه هو تكفّل السلطة القضائيّة دون سواها بإدارة شؤون جميع الهيئات المنتصبة للقضاء في البلاد وبالسهر على دواليب نظامها القضائي.
وحتى لا يطغي التفاؤل نبادر بالبحث عن قصد الدستور من الاستقلال الوارد في فصله 65 القاضي بأنّ:
" القضاة مستقلّون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون"
حتى لا نهيم في واد التفاؤل نبادر بالبحث عن قصد الدستور من الاستقلال المعترف به فصله 65 للقضاة.

استقلال القضاء والتوطئة

إنّ استقلال السلطة القضائيّة معترف به في توطئة الدستور وذلك بمناسبة إعلان عزم الشعب بواسطة نوابه أعضاء المجلس الدستوري على إقامة ديمقراطية قوامها نظام سياسي مستقرّ يرتكز على مبدإ تفريق السلط.
ودون خوض في الجدل القائم بين رجال القانون العام حول القيمة القانونيّة للقواعد الواردة بتوطئة الدستور فإننا نتوخى ـ من البداية ـ وردّا لهذا الجدل رأي القائلين بأن للتوطئة قيمة دستوريّة تضاهي قيمة أحكام الدستور نفسه وهم الأكثر عددا والأمتن حجّة.
ولذا فمن نتائج قاعدة تفريق السلط الموجودة بالتوطئة استقلال القضاء.
ولا يفيد الاستقلال بأن السلطة القضائية لا تخضع للقوانين التي تصدرها السلطة التشريعية وتنفذها السلطة التنفيذية لأنه لو تحقّق هذا الأمر لأصبحت السلط القضائية دولة وسط الدولة في حين أنها سلطة وسط الدولة ولكن الاستقلال يفيد تطبيقا للمبدأ الدستوري القاضي بتفريق السلط، أن القوانين التي تخضع لها السلط القضائية لا بدّ أن تكون دستوريّة ولا بدّ أن تكون محترمة لمبدإ تفريق السلط المعترف به في التوطئة وأن تكون بالتالي محترمة لاستقلال القضاء.
إن الاستقلال هو الأصل في القضاء وليس للقانون أن يتدخل في شؤونه وعليه دستوريا أن يدعّمه وأن يضمن مناعته.
وهي قاعدة دستورية لا بدّ أن تسود كلّ قوانين البلاد وإن كان على قواعد القانون العادي أن تكون ـ فرضا ـ متّفقة مع القواعد الدستوريّة ومحترمة لها فمن باب أولى وأحرى أن تكون قواعد الدستور المتعلّقة باستقلال القضاة متّفقة مع قاعدة تفريق السلط التي أقرّتها صراحة توطئته وأن يتمّ الانسجام الكامل بينهما بخصوص مفهوم استقلال القضاء.
تلك إذا هي مقتضيات التوطئة المتعلّقة بتفريق السلط وبالتالي باستقلال القضاء ومفهومه فهل تتفق هذه المقتضيات مع مقتضيات الدستور المتعلّقة باستقلال القضاء ومفهومه

مفهوم استقلال القضاء في الدستور
جاء بالفصل 65 من الدستور أنّ " القضاة مستقلّون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون"
إنّ قراءة أولى لهذا الفصل تبيّن أنّ المخاطب بخصوص الاستقلال هم القضاة وليست السلطة القضائية.
ودون هيام وراء الجدل الفكري الذي تثيره محاولة التمييز بين مدلول استقلال السلطة القضائية ومدلول استقلال القضاة فإنّه يكفي الإشارة والإلمام:
1) أن المقصود بالسلطة القضائية في الدستور هي هيئة القضاء العادي.                         
2) وأن القضاة التابعين لهذه الهيئة مستقلّون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
ولذا المهمّ أن نعلم ما هو القصد من هذا الاستقلال.
يفيد الدستور أن القضاة مستقلّون على أنّ هذا الاستقلال ليس تاما وإنّما مقيّد بالقانون لأنّ القضاة خاضعون للقانون الذي له سلطان عليهم ومتحكّم فيهم في ميدان معيّن وهو ميدان قضائهم.
فما هو القانون الذي فرض الدستور على القضاة احترامه؟
إنّه لا يمكن أن نتصوّر وجود قوانين فيها ما يطبق على القضاة في مهنتهم وفيها ما يطبق من القضاة في قضائهم وتكون ضامنة لاستقلالهم.
وبذلك فإنه لا يكون دستوريا القانون المتعلق بالقضاة وبالنظام القضائي إلا إذا كان مجسّما لمبدأ تفريق السلط المضمّن بتوطئة الدستور كما أنه لا يمكن دستوريا القانون الذي يطبقه القاضي إلا إذا لم يحدّ هذا القانون من اجتهاده ومكّنه بدون مضايقة من القضاء الحاسم لأنّه لا خوف على القاضي من الضغوط التي تعترضه والرامية حمله على اعتبار الأشخاص والمصالح في قضائه(1) لأن أمر صدّها موكول بالخصوص لضميره وشجاعته.
وإن استقلال القاضي هو نتيجة حتمية لمبدأ تفريق السلط الذي أقرّه الدستور وأن ما يدعّم وجوده ويضمن دوامه في الواقع هو تمكين السلطة القضائية من:
1)  قانون أساسي كفيل بالمحافظة على كرامة القاضي في مهنته وترقيته.
2)  تشريع خال من القيود المعطلة للقضاء والمانعة للعدل وأن لا يكون تشريعا غير دستوري.  

القانون الأساسي للقضاة
هل القانون الأساسي للقضاة متّفق مع أحكام الدستور المقرّة لمبدأ التفريق بين السلط واستقلال القضاة؟ للإجابة عن هذا السؤال يتعيّن الرجوع  القانون المتعلّق بنظام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة وهو القانون عدد 29 لسنة 1967 المؤرّخ في 14 جويلية 1967(1) وقد وقع تنقيحه مرارا عديدة (2).
يحتاج القاضي بداية من انتدابه للقضاء صدور من رئيس الجمهوريّة بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء أحيانا في كلّ تطوّر يحصل في حياته المهنيّة.
ولذا فإنّ السلطة التنفيذيّة هي التي تتولّى تسمية القاضي وترسيمه وتعيينه وترقيته ونقله.
1) يسمّي القاضي من بين الملحقين القضائيين المحرزين على شهادة المعهد الأعلى للقضاء الذي عرض وزير العدل ملفاتهم على المجلس الأعلى للقضاء لإبداء الرأي ثم على رئيس الجمهوريّة ليتولى تسميتهم قضاة ويعيّن القاضي لأوّل مرّة بأمر التسمية في درجة البداية من الرتبة الأولى ويكون إما قضاها جالسا أو عضوا للنيابة العموميّة ولذا حين يعيّن في الصورة الأولى قاضيها بمحكمة ناحية ويعيّن في الصورة الثانية مساعدا لوكيل الجمهوريّة لدى المحكمة الابتدائية.
2) يرسم القاضي بأمر بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء بعد انقضاء مدّة تأهل تدوم سنة بداية من تاريخ الممارسة الفعليّة لمهنة القضاء.
3) ويعيّن القاضي طيلة حياته المهنيّة بأمر بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء تعيينا يكسبه مركزا في السلك القضائي يضبط بحسب الرتبة والوظيفة.
أ ـ ما رتبته فتكون إحدى الرتب الثلاث التي يشتمل عليها السلم القضائي وهي:
1 ـ الرتبة الأولى:
وفيها قضاة المحاكم الابتدائية والمحاكم العقاريّة.
ب ـ مساعد وكيل الجمهوريّة:
2 ـ الرتبة الثانية:
وفيها: أ) المستشار بمحكمة الاستئناف.
       ب) مساعد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف.
3 ـ الرتبة الثالثة:
وفيها: أ) المستشار بمحكمة التعقيب.
       ب) المدعي العام لدى محطمة التعقيب.
كما تحدّد بأمر من رئيس الجمهوريّة درجات الأقدميّة التي توجد في كلّ رتبة ويضبط بأمر التدرّج في الرقم القياسي المنطبق على رتب القضاء.
      ج) أما وظيفة القاضي فهي إحدى الوظائف التالية: التي يمارسها القاضي في كلّ رتبة من الرتب الثلاث للسلم القضائي.
( أ ـ 1 ):
ـ رئيس أوّل لمحكمة التعقيب
ـ وكيل دولة عام لدى محكمة التعقيب
ـ وكيل دولة عام مدير المصالح العدليّة
ـ متفقّد عام بوزارة العدل
ـ رئيس المحكمة العقاريّة
ـ رئيس أوّل لمحكمة الاستئناف بتونس
ـ وكيل عام لدى محكمة الاستئناف بتونس
( أ ـ 2 ):
ـ رئيس دائرة بمحكمة التعقيب
ـ مدّعى عام أوّل لدى محكمة التعقيب
ـ رئيس أوّل لمحكمة استئناف بغير تونس
ـ وكيل عام لدى محكمة الاستئناف بغير تونس
ـ مدّعى عام مساعد لوكيل الدولة العام مدير المصالح العدليّة
ـ متفقّد عام مساعد بوزارة العدل
ـ مدّعى عام مستشار لدى وزير العدل
ـ مدّعى عام، مدير عام للدراسات والتشريع
ـ رئيس المحكمة الابتدائيّة بتونس
ـ وكيل أوّل لرئيس المحكمة العقاريّة
( أ ـ 3):
ـ رئيس دائرة بمحكمة استئناف
ـ رؤساء المحاكم الابتدائيّة بسوسة وصفاقس والكاف والمنستير
ـ وكلاء الجمهوريّة لدى المحاكم الابتدائيّة بتونس وسوسة وصفاقس والكاف  
ـ مدّعى عام بإدارة المصالح العدليّة
ـ متفقّد بوزارة العدل.
ب ـ
ـ رئيس محكمة ابتدائيّة منتصبة بغير مقرّ محكمة استئناف
ـ وكيل جمهوريّة لدى محكمة ابتدائيّة منتصبة بغير مقرّ محكمة استئناف
ـ وكيل رئيس محكمة ابتدائيّة
ـ قاضي التقاديم
ـ قاضي تحقيق أوّل
ـ مساعد أوّل لوكيل الجمهوريّة لدى محكمة ابتدائيّة منتصبة بمقرّ محكمة استئناف
ـ وكيل رئيس المحكمة العقّاريّة
ـ رئيس محكمة ناحية منتصبة بمقرّ محكمة استئناف
ـ مساعد مدّعى عام بأداة المصالح العدليّة
ـ متفقّد مساعد
ج ـ
ـ رئيس دائرة شغل
ـ قاضي محكمة ناحية
ـ قاضي أحداث
ـ قاضي تحقيق
ـ قاضي رئيس اللجنة الخاصّة لتوظيف الأداء
ـ قاضي مقرّر بالمحكمة العقاريّة
ـ قاضي المنح العائليّة بالمحكمة الابتدائيّة بتونس
ـ مساعد وكيل الجمهوريّة
والملاحظ أن هذه الوظائف التي يمارسها القضاة والموزّعة بين الرتب الثلاث للسلم تجعل السلك القضائي يتألّف في مجموعة من:
1)      القضاة الجالسين
2)      أعضاء النيابة العموميّة
3)      القضاة التابعين لإطار الإدارة المركزيّة بوزارة العدل(1)
وهكذا فإن القاضي يعيّن بأمر ليشغل وظيفة قاض جالس أو عضو بالنيابة العموميّة أو ملحق أو تابع لإطار الإدارة المركزيّة بوزارة العدل دون أن يختار وظيفته ودون أن يتحكّم فيه اختصاص معيّن أو تكوين مسبق أو شهادات علميّة مؤهّلة.
وحتى يسهل على السلط المختصّة نقلة القاضي من وظيفة أخرى فإنّه يوجد تنظير بين الوظائف الموزّعة على الرتب ومساواة تيسر نقلة القاضي في رتبته من الفضاء الجالس النيابة العموميّة و الإدارة المركزيّة بوزارة العدل.
إن كان لا يمكن للقاضي حسب قانونه الأساسي أن يرفض الوظيفة التي تسندها له السلطة التنفيذيّة فهل تضمن له هذه الوظيفة الاستقلال المعترف له به من الدستور؟
I ـ القاضي بوزارة العدل:
قيل أن ما يبرّر وجود القضاة بوزارة العدل هي مصلحة إسناد إدارة شؤون القضاة للقضاة أنفسهم إلاّ أن الرأي لا يستقيم في الصورة التي لا يكون فيها لهؤلاء القضاة تكوين إداري مسبق واختصاص بمنعهم من التنقّل غير المحدود من قصر العدالة وزارة العدل.
والمسلّم به ـ من ناحية ـ أن القاضي المعيّن لممارسة وظيفة بوزارة العدل لا يعترف له الدستور بالاستقلال لأن القاضي مستقل في قضائه وليس لهذا القاضي قضاء.
وتطبيقا لتوطئة الدستور التي تقرّ تفريق السلط فإن القاضي التابع للإدارة المركزيّة بوزارة العدل يكون في وضعيّة مهنيّة غير دستوريّة إلا إذا سلّمنا بخروجه هو الآخر عن السلط القضائيّة وبذلك فإنّه ينقض هيئة القضاء العادي جزء هام منها.
ومن ناحية أخرى فالمؤمل أن تكون هذه الوظيفة التي يغادر القاضي من أجلها قصر العدالة ليلتحق بالمقرّ المختار له بالإدارة المركزيّة هي الموصلة لنفوذ وزير العدل القضاء الجالس قياسا على علاقته القانونيّة هذه المرّة مع مؤسّسة النيابة العموميّة بواسطة أعضائها أصحاب المسؤوليّة.
II ـ القاضي عضو النيابة العموميّة:

لم تكف خمسة وسبعون سنة من الاحتلال وخمسة وثلاثون سنة من الاستقلال ليفهم جلّ الشعب التونسي مؤسّسة النيابة العموميّة ويرتاح لها.
ولا يكون القاضي الجزائي إلاّ فضوليّا حسب التطوّر الشعبي ومتدخّلا فيما لا يعنيه عندما يسقط المتضرّر دعواه وتبقي المحاكمة متواصلة ويصدر العقاب على المتعدّي بدعوى أنّ التتبّع حاصل من النيابة العموميّة وأنّه من مشمولات الحق العام.
ولا يكون التتبع من خصائص الحق العام إلاّ إذا كانت في الجريمة اعتداء على المجتمع ففي الصورة التي يصفع شخص فيها آخر فإن المعتدي عليه لا يمكنه في مثل هذه الحال إيقاف التتبع بإسقاط الدعوى لأن الصفعة لحقت بالمجتمع هذا المجتمع الذي يتأذّى من الزنا وذلك لأن الزنا لا يكون جريمة في القانون إلاّ إذا قام الزوج المعتدى عليه بالتتبع وله وحده الحقّ في إيقاف التتبع وحتى في إيقاف تنفيذ العقاب طبقا لأحكام الفصل 236 من المجلّة الجنائيّة وبإسقاط دعواه تسلم الزوجة من العقاب وينتفع الشريك بعطف الزوج الكريم. ( قرار تعقيبي جزائي عدد 4912 في 7 سبتمبر 1966 " نشريّة عدد 1966 صحيفة107) علما وأن هذا الحقّ معترف به للزوجة أيضا، والحقّ يقال.
حقا إن نفس التونسي هي مهيأة لقبول هذه المفاهيم لكن النيابة العموميّة موجودة والمهمّ في هذا الموطن أن نعلم هل هي مستقلّة أم لا لأنّها جزء من السلك القضائي وهي ممثلة بجميع المحاكم إذ:
1 ـ يوجد بمحكمة التعقيب وكيل الدولة العم لدى محكمة التعقيب ومساعدوه (1)
2 ـ ويوجد بمحكمة الاستئناف المدّعي العام لدى محكمة الاستئناف ومساعدوه (2)
3 ـ ويوجد بالمحكمة الابتدائيّة ومحكمة الناحية وكيل الجمهوريّة ومساعدوه (3)
إن ما يمتاز به القضاة أعضاء النيابة العموميّة عن القضاة الجالسين يجعلهم أعلق بالسلطة التنفيذيّة وأقرب إليها منهم ومن بين هذه الميزات الخصائص التالية:
1)   حريّة التتبع والإذن بعدم التتبع:
من المعلوم أن وكيل الجمهوريّة مكلّف بمعاينة سائر الجرائم وتلقي ما يعلمه به الموظفون العموميين أو أفراد الناس من الجرائم وقبول شكيات المتعدى عليهم (1) وأن النيابة العموميّة تثير الدعوى العموميّة وتمارسها (2) بالتتبع الذي يبقي حقا يمكن لوكيل الجمهوريّة عدم ممارسته بما له من حريّة اجتهاد في تقرير مآل الشكايات و الاعلامات التي يتلقاها أو التي تنهى إليه (3) إلاّ إذا أذن وزير العدل بإجراءات التتبّعات سواء بواسطة المدعي العمومي وبتكليف هذا الأخير وكيل الجمهوريّة.
لئن كانت حجّة القائلين بوجوب إعطاء وكيل الجمهوريّة حريّة التتبع وعدم جبره على إحالة المتعدى على المحكمة ولو أثبتت الأبحاث بعد إثارة الدعوى وقوع الجريمة لأنّه لعدم خطورة الفعلة أو لعدم خطورة الجاني فإنه يستحسن إعفاءه من العقاب في هذه المرّة.
إلاّ أنه قد تكون حريّة عدم التتبع طريق للسلطة التنفيذيّة تمكّنها من إعطاء الإذن بالتتبع في حالات يستحسن فيها وكيل الجمهوريّة عدم التتبع وإمّا بعدم التتبع في حالات يستحسن فيها وكيل الجمهوريّة التتبع.

2)   الإذن بالتتبع:
إن أعضاء النيابة العموميّة في وضعيّة إداريّة تجعلهم يتلقّون الأوامر من وزير العدل.
أ ـ ففي محكمة التعقيب يتلقى الأوامر وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب من وزير العدل للقيام بتعقيب الأحكام والقرارات الصادرة في الأصل نهائيا(1) ويرفع بالنسبة إليه فقط أجل الطعن من عشرة أيام ستين يوما بداية من تاريخ صدور الحكم.
ب ـ وبالنسبة لمحكمة الابتدائية فإن أوامر وزير العدل يتلقاها منه المدعي العام الذي ينفّذها بنفسه أو بواسطة مساعديه.
ت ـ وأما في المحكمة الابتدائية فإن أوامر وزير العدل يتلقّاها المدعي العام لدى محكمة الاستئناف وتنفّذ بواسطة وكيل الجمهوريّة لأن للمدعي العام سلطة على سائر ممثلي النيابة العموميّة التابعين لمحكمة الاستئناف.
ث ـ في محكمة الناحية فإن أوامر وزير العدل يتلقاها المدّعي العام الذي يطلب بدوره من وكيل الجمهوريّة تقديم الملحوظات الكتابيّة التي يرى الوزير من المناسب تقديمها.

3) حريّة الكلام:
إن القضاة أعضاء النيابة العموميّة غير مستقلّين قانونا عن السلطة التنفيذيّة رغم محاولات التشريع في إخفاء هذه الحقيقة وذلك:
أ ـ عندما مكّنت الإجراءات (1) وزير العدل بإعطاء الإذن المدّعي العمومي بأن يقدّم بنفسه أو بواسطة من يكلّفه المحكمة المختصّة الملحوظات الكتابيّة التي يرى الوزير من المناسب تقديمها.
ب ـ وأعطى القانون الأساسي للقضاء طريقة تمكّن القاضي من تنفيذ أوامر السلطة التنفيذيّة وإرضاء ضمير القاضي في آن واحد وذلك حين أكّد أن القضاة أعضاء النيابة العموميّة خاضعون للإدارة ومراقبة رؤسائهم المباشرين ولسلطة وزير العدل إما أثناء الجلسة فلهم حريّة الكلام.
وتفيد حريّة الكلام هذه أن القاضي عضو النيابة العموميّة مجبور على تقديم طلباته الكتابيّة للمحكمة وفقا للأوامر المتلقّاة من السلط التنفيذيّة إلاّ أنه يمكن أن يشرح ما يخالف هذه الطلبات وما يتماشى مع شعوره الخاص في مرافعة شفاهيّة.
إنّها حقا لصورة صارخة للنفاق المشروع (2)

4 ) وحدة النيابة العموميّة:
أما الميزة الثالثة فهي خلافا للقضاة الجالسين الذين لا يمكن أن يعوّض بعضهم الآخر كأن يحضر المرافعة قاض ثمّ ينوبه آخر في المفاوضة وإصدار الحكم (1) فإن أعضاء النيابة العموميّة يشكّلون وحدة يمكن بمقتضاها العضو مثيله الآخر وذلك أثناء سير أطوار القضيّة.
وفي النهاية قد حرص المشروع على حرمان القاضي عضو النيابة العموميّة من استقلاله وذلك بأن جعله لا يخضع لإدارة رئيس المحكمة العامل بها وإنّما هو خاضع لسلطة وزير العدل عن طريق رؤسائه المباشرين (2) وهكذا فإن في ضمان استقلاله عن السلطة القضائيّة تأكّد لخضوعه للسلط التنفيذيّة.
وقد حرص المشرّع على أن استقلال أعضاء النيابة العموميّة عن السلطة القضائيّة استقلالا تاما وذلك حين لم يعط السلطة القضائيّة صلوحيّة إجبار عضو النيابة العموميّة على إثارة الدعوى وهو أمر ممكن بالنسبة لوزير العدل وذلك حين أكّد المشروع أن وكيل الجمهوريّة يجتهد في تقرير مآل الشكايات والاعلامات التي يتلقاها أو التي تنهى إليه (3) زد على ذلك أن الصورة التي مكّن فيها المشرّع المتضرّر من إثارة الدعوى العموميّة فإن نجاحها قليل وذلك لتقيّد وقوعها بحفظ القضيّة من طرف وكيل الجمهوريّة وتحمّل المتضرّر تبعيّة إثارة الدعوى العموميّة على مسؤوليّته الشخصيّة (4)
إن التعرّض لهذه الميزات يكفي للتأكيد بأن جزءا آخر من العائلة القضائيّة خرج عن السلطة التشريعيّة وهو قسم القضاء العادي المتمثّل في أعضاء النيابة العموميّة ولا حاجة التأكيد بأن السلطة التنفيذيّة لها سلطان عليهم فيما يخصّ الترقية ومنح الأعداد الصناعيّة ومنح الإنتاج وغيرها وهو ما نتعرّض له في موطن آخر.
لم يبق في هيئة القضاء العادي سوى القضاة الجالسين الذين يتعين التساؤل الآن بخصوصهم هل هم مستقلون أم لا؟

III ـ القاضي الجالس
لم يبق في سلك القضاء العادي بعد التعرّض للقضاة التابعين لإطار الإدارة المركزيّة بوزارة العدل وإمضاء النيابة العموميّة سوى القضاة الجالسين.
إن هذه التسمية التي تبنّاها القانون الأساسي للقضاة (1) لا تتفق مع التصوّر الشعبي للقاضي الذي يرى فيه صاحب الوقفة الجازمة لردع المعتدى وفضّ النزاع ومصدر هذه التسمية هو النظام القضائي الفرنسي الذي يطلق على القضاة الواقفون لأنّهم كانوا قديما يمارسون مهنتهم بالجلسة المتمثّلة في الدفاع عن مصالح الملك (2) وهم واقفون (3) مثل نوّاب المتقاضين الخواص وهم المحامون في حين يبقي القاضي الحاكم جالسا وبصرف النظر عن تسمية القاضي وعن وقوفه أو جلوسه وقت ممارسته المهنة فإن الجدير بالعناية هو استقلاله وبالتالي قدرته إصدار الأحكام الحاسمة للنزاع أو الرادعة لكلّ آثم.
وأن القضاء بكامل التجرّد وبدون اعتبار للأشخاص أو المصالح (4) لا يفيد سوى أن القاضي بقي متمتعا باستقلاله وقت قضائه بالصفة السالفة الذكر فإن استقلال القضاء هو قدرة القاضي على إصدار الأحكام العادلة والمبنيّة على الاجتهاد الخال من القيود.
إنّ أجلي مظهر لاستقلال القاضي بصفة عامّة والقاضي الجالس بصفة خاصّة بتحقيق عندما لا يسمح القانون الأساسي بداية من الانتداب بالانتقال من النيابة العموميّة القضاء الجالس من ناحية وبعدم السماح لغير السلطة القضائيّة من نقلة القاضي دون موافقته وذلك نتج عن النقلة الارتقاء به  الرتبة التي هو فيها.
والملاحظ أن التشاريع التي لم تقبل اختصاص القضاة وانتدابهم من البداية للنيابة العموميّة أو للقضاء الجالس حرصت على تدعيم استقلال القضاء وضمانه ولم تعط سلطة نقلة القاضي وعزله وتأديبه لغير السلطة القضائيّة.
فهل يضمن القانون الأساسي لهيئة القضاء العاديين مجلسا أعلى للقضاء فهل يمثل هذا المجلس السلطة القضائيّة.

المجلس الأعلى للقضاء
لقد أقرّ القانون الأساسي للقضاة مجلسا أعلى للقضاء ومن المفروض أن تكون الغاية من وجوده ضمان استقلال القضاة.
ولذا فلا مبرّر لوجود وزارة العدل عندما تكون السلطة القضائيّة هي المتعهّدة وحدها بإدارة شؤون القضاء وبمراقبة سير النظام القضائي.
ولذا فلا بدّ أن يكون للمجلس الأعلى للقضاء جهازا ماديا وبشريا يضاهي الجهاز المرصود عادة لوزارة كبرى أو لعديد من الوزارات حتى يضمن اكتفاءه الذاتي وانتفاء حاجة السلط الأخرى.
فما هو حجم المجلس الأعلى للقضاء المادي والأدبي وماهي علاقته بالسلط الأخرى؟
يتألّف المجلس الأعلى للقضاء من:
1 ـ وزير العدل
2 ـ سبعة قضاة يمثّلون رأس الهرم القضائي يحتلّون الصنف الأوّل من الأمر المتعلّق بضبط الوظائف التي يمارسها القضاة (1) وهم:
1) الرّئيس الأوّل لمحكمة التعقيب.
2) وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب.
3) وكيل الدولة العام مدير المصالح العدليّة.
4) المتفقّد العام بوزارة العدل.
5) رئيس المحكمة العقّاريّة.
6) الرئيس الأوّل لمحكمة الاستئناف بتونس.
7) الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف.
والملاحظ أن كلّ هؤلاء القضاة السبعة السامين الذين ينتمي ثلاثة منهم للقضاء الجالس واثنان للنيابة العموميّة والاثنان الباقيان لإطار الإدارة المركزيّة بوزارة العدل يقع تعيينهم لوظائفهم من بين قضاة الرتبة الثالثة بأمر من رئيس الجمهوريّة دون أخذ الرأي المسبق أو اللاحق للمجلس الأعلى للقضاء.
3 ـ إثنى عشر عضوا وهم الرؤساء الأوّلون لمحاكم الاستئناف بغير تونس والوكلاء العامين لديها علما وأن عدد محاكم الاستئناف بغير تونس هي ستّة (1) وتحتلّ هؤلاء القضاة وظائف الدرجة الثانية من الصنف الأوّل.
4 ـ قاضيّتان تعيّنان بأمر باقتراح من وزير العدل لمدّة عامين قابلة للتجديد (2)
5 ـ نائبان من القضاة المعيّنين بالأمر يقع إنتخابهما من طرفهم لمدّة عامين
لئن تألّف المجلس الأعلى للقضاء من الأشخاص المذكورين فقد أسند القانون رئاسة المجلس بدرجتيها السلطة التنفيذيّة فرئيس المجلس هو رئيس الجمهوريّة ونائب رئيسه هو وزير العدل.
ولئن كان سابقا رئيس الجمهوريّة من بين الأعضاء الذين يتألّف منهم المجلس الأعلى للقضاء فإنّه بقي رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء بعد التنقيح الحاصل للقانون الأساسي للقضاة (3) الذي أبقي وزير العدل ممن يتألّف منهم المجلس محتفظا بوظيفته نائب رئيس ولا يجتمع المجلس إلاّ بدعوة من رئيسه وهو رئيس الجمهوريّة أو بإذن من نائب رئيسه وهو وزير العدل.
أمّا قرارات المجلس فإنّها تتخذ بأغلبيّة الأصوات يرجح صوت الرئيس أو عند الاقتضاء صوت نائب الرئيس.


أمّا قرارات المجلس فإنّها تتخذ بأغلبيّة الأصوات وعند تعادل الأصوات يرجّح صوت الرئيس أو عند الاقتضاء صوت نائب الرئيس.
أما العضو المقرر للمجلس فهو وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية وهو الذي يتولى تهيئة أشغاله وحفظ وثائقه.
ويمكن إستشارة المجلس في كل المسائل التي تهم القانون الأساسي للقضاة بالإضافة إلى مهامه الرئيسية التي يجب أن تضمن للقاضي ممارسة حقوقه واضطلاعه بواجباته.
وتتجسم هذه المهمة بالخصوص في النظر في نقلة القضاة وتأديبهم عند الإقتضاء.
لذا وجب التعرض لدور مجلس القضاء في ضمان حقوق القضاة في ممارسة دوره التأديبي عند إخلال القاضي بالواجب.
إن أهم ما يضمنه المجلس الأعلى للقضاء للقاضي في ممارسة حقوقه هو ضمان نقلته
إن المقصود بالنقلة هو حمل القاضي على مغادرة الوظيفة التي يمارسها للإلتحاق  بنفس الوظيفة بمحكمة أخرى ومكان آخر أو للإلتحاق بوظيفة أخرى من نفس الرتبة بالمحكمة التي يعمل بها أو بمحكمة أخرى.
والمعلوم أن ما يضمن إستقلال القاضي هو عدم السماح لأي سلطة كانت بنقلة القاضي دون رضاه ولو نتج عن النقلة ترقيته إلى رتبة تعلو الرتبة التي هو فيها.
 فهل يضمن المجلس الأعلى للقضاء هذا الحق للقاضي؟
إن إقتضى القانون الأساسي للقضاة بأن المجلس الأعلى للقضاء ينظر في نقلة القضاة الجالسين فإنه سكت عن نقلة القضاة التابعين لإطار الإدارة المركزية بوزارة العدل وعن نقلة القضاة أعضاء النيابة العمومية.
وبصرف النظر عمّا يحصل في التطبيق فإن نقلة القاضي الإداري ونقلة القاضي عضو النيابة العمومية يمكن أن يأذن بها وزير العدل في كلّ وقت من السنة دون حاجة إلى عرض الأمر على المجلس الأعلى للقضاء في جلسة سابقة للنقلة أو لاحقة لها وهو أمر إن كان من الممكن إستنتاجه ضمنيا من القانون الأساسي للقضاء حين أكد أن قضاة النيابة العمومية خاضعون لإدارة ورقابة رؤساءهم المباشرين وسلطة وزير العدل فمن باب أولى وأحرى أن يكون القاضي بالإدارة المركزية خاضعا لإدارة وزير العدل المباشرة ومراقبته.
أما نقلة القاضي الجالس فقد إقتضى القانون الأساسي بصفة صريحة أن المجلس الأعلى للقضاء ينظر فيها قبل بداية العطلة القضائية من كل سنة دون تأكيد بأن هذا النظر يضمن إستقلال القاضي.
لقد إقتضى القانون الأساسي للقضاة (45) ضمن حقوق القضاة وواجباتهم أن:" ينظر المجلس الأعلى للقضاء في نقلة القضاة الجالسين قبل بداية العطلة القضائية من كل سنة ولوزير العدل خلال السنة القضائية أن يأذن بنقلة القاضي لمصلحة العمل ويعرض الأمر على المجلس الأعلى في أول إجتماع له." 
إن الإستثناء للمبدإ السالف الذكر والقاضي بأن نقلة القاضي الجالس من أنظار المجلس الأعلى للقضاء هو إعتداء صارخ على هذا المبدإ الضامن لإستقلال القاضي والمتعلق بحقه في البقاء في مكان عمله ووظيفته ما لم يقرّر المجلس الأعلى للقضاء خلاف ذلك.
إن مصلحة العمل لا تبرّر وجود هذا الإستثناء الذي يعطي لوزير العدل الحق في الإذن بنقلة القاضي ـ أولا ـ وفي إعتبار أن مصلحة العمل تقتضي النقلة ـ ثانيا ـ
زد على ذلك أن النقلة الواقعة في الظروف المذكورة لا تتطلب من وزير العدل سوى عرض الأمر على المجلس الأعلى للقضاء في أول إجتماع له وهذا لا يبقي لنظر المجلس الأعلى في نقلة القاضي أي معنى.
وهكذا فلا إستقلال لمن ينقل نقلة لم يطلبها ولا يمكن أن يفرضها وقد أذنت بها سلطة غير التي ينتمي إليها.              يتبع







(45)  قانون عدد 29 لسنة 1967 المؤرخ في 14 جويلية 1967 يتعلق بنظام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة (رائد رسمي عدد 30 المؤرخ في 14 جويلية 1964)

  

(1) إن تأويل رجال القانون لما قاله مونتسكيو عن السلطة الثلاث في الدولة في كتابه " روح التشريع" هو الذي جعلهم ينقسمون فيقين.
(1)  الفصول من 18  36.
(2)  الفصول من 37  57.
(3) الفصول من 64  67.
(1)  الفصل 68
(1) أحدثت محكمة أمن الدولة بالقانون عدد 17ـ 68 المؤرّخ في 2 جويلية 1968 وحذفت بالقانون عدد 79ـ 87 المؤرّخ في 29 ديسمبر 1987 ورائد رسمي عدد 91 في 29 و 31 ديسمبر 1987.

 (1)  الفصل 23 من القانون 29/67 المؤرّخ في 14 جويلية1967 المتعلق بنظام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة " على القضاة أن يقضوا بكامل التجرّد وبدون اعتبار للأشخاص والمصالح ..."
(1)  رائد عدد 30 الصادر في 14 جويلية 1967 .
(2)  إثنى عشر مرّة:
1- بالقانون عدد 30 لسنة 1967 المؤرّخ في 5 أوت 1967.
2- والقانون عدد 5 لسنة 1969 المؤرّخ في 24 جانفي 1969.
3- والقانون عدد 19 لسنة 1971 المؤرّخ في 3 ماي 1971. ( الرائد الأخير عدد 15)
4- والقانون عدد 48 لسنة 1973 المؤرّخ في 2 أوت 1973. ( الرائد عدد 29)
5- والقانون الأساسي عدد 1 لسنة 1977 المؤرّخ  في 7 مارس 1977. ( الرائد عدد 15)
6- والقانون عدد 79 لسنة 1985 المؤرّخ في 11 أوت 1985. ( الرائد عدد 5)
7- والقانون عدد 72 لسنة 1986 المؤرّخ في28 جويلية 1986. ( الرائد عدد 43)
8- والقانون عدد 14 لسنة 1987 المؤرّخ في 10 أفريل 1987. ( الرائد عدد 27)
9- والقانون عدد 73 لسنة 1988 المؤرّخ في 2 جويلية 1988. ( الرائد عدد   )
10- والقانون الأساسي عدد 9 لسنة 1967 المؤرّخ في 14 جويلية 1967 المتعلّق بنظام القضاء والمجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاة. ( الرائد عدد 7)
11-
12-


(1)  الفصل 12 من القانون عدد 29/67 المؤرّخ في 14 جويلية 1967.
(1)  الفصل 264 والفصل 268 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة
(2)  الفصل 24 والفصل 108 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة
(3)  الفصل 25 والفصل 205 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة
(1)  الفصل 26 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة

(2)  الفصل 20 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة

(3)  الفصل 30 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة

(1)  الفصل 258 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة
(1)  الفصل 23 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة
(2)  المرافعة الشفاهية ( تضمر) من الكاتب في محضر الجلسة وأن ضمنت الطلبات الكتابيّة بالحكم وكيف يمكن التخلّص أوّلا من التناقض وما هو المعتمد من المحكمة الطلبات الشفاهيّة أو الكتابيّة؟
(1)  الفصل 165 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة
(2)  الفصل 15 من القانون عدد 26- 67
(3)  الفصل 30 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة
(4)  الفصل 36 من مجلّة الإجراءات الجزائيّة
(1)  الفصل 12 من القانون عدد 29/67 المؤرّخ في 14 جويلية 1967
   يتألّف السلك القضائي من القضاة الجالسين ومن أعضاء النيابة العموميّة ومن القضاة التابعين لإطار الإدارة المركزيّة بوزارة العدل...
(2)  هم نوّاب الملك وأصبحوا بعد ذلك نوّاب الجمهوريّة ووكلاء الجمهوريّة.
(3)  لا يقف اليوم سوى المحامون عند إلقاء مرافعاتهم أعضاء النيابة العموميّة جالسين وقت تقديم طلباتهم التي كثيرا ما لا يتجاوز الجملة التالية جوابا عن سؤال المحكمة ما إذا تطلب النيابة " تطبيق القانون"
(4)  الفصل 23 من القانون عدد 29/67 المؤرّخ في 14 جويلية 1967.
(1)  الأمر عدد 436/73 المؤرّخ في 21 سبتمبر 1973 المنقّح خاصّة بالأمر عدد 1021/87 المؤرّخ في 17 أوت 1987.
(1)  وهي محكمة الاستئناف بسوسة وصفاقس والمنستير والكاف وقفصة وقابس
(2)  وقع اعتبار الجنس في هذا التمثيل كردّ فعل على انتخاب الرجال دون النساء في النيابة اللاحقة.
    فهل تفرض انتخاب الرجال دون النساء ( بعد التنقيح) لأنّهن ممثلات بقاضيتين يتمّ تعيينهن بأمر.
(3)  القانون عدد 29/67 المؤرّخ في 14 جويلية 1967 المنقح بالقانون عدد 19 لسنة 1971 المؤرّخ في 5 ماي 1971.
(1) في حين يقتضي الدستور أنّ الأصل في الإنسان البراءة حسب فصله.
عدا التحقيق بدرجتيه والدائرة الجنائيّة والمحكمة العقاريّة.
(1)  عدا التحقيق بدرجتيه والدائرة الجنائيّة والمحكمة العقاريّة.
(2)  الفصل 68 من مجلّة المرافعات المدنيّة والتجاريّة
(1)  
(1)