samedi 9 février 2013

le chèque par Hedi KERROU



                     بمناسبة ذكرى صدور المجلة التجارية
Le cheque sans provision
Hedi KERROU                           
                       الشيك بدون رصيد في خمسين سنة
                                                      الهـادي كـرّو

يصادف يوم 5 أكتوبر 2009 يوم بلوغ المجلة التجارية السنة الخمسين من عمرها لصدورها بالقانون عدد 129 لسنة 1959 المؤرخ في 5 أكتوبر 1959 المتعلق بإدراج القانون التجاري (1)
والمجلة التجارية هي المجلة الثانية (2) التي صدرت بعد الإستقلال (3) مع توأمتها مجلة المرافعات المدنية والتجارية الصادرة بالقانون عدد 130 لسنة 1959
وقد قدّم وزير العدل بمحضر رئيس الجمهورية المجلة التجارية بمناسبة مرور عشر سنوات عن الإستقلال بما مفاده أنها مجلة تكتسي عنده أهمية كبيرة لإعتبارات عديدة وهي:
1) من الوجهة السياسية جاءت المجلة معبرة عن إرادة الحكومة في ميدان خاص يمنح البلاد التونسية مؤسسات تضفي عليها صبغة دولة عصرية
2) ومن الوجهة الإقتصادية يجب أن يكون للدولة التونسية قانون يتماشى مع حاجياتها الضرورية ومع واقع حياتنا لذا صار من المتأكد سنّ نظام للتجارة لضبط القواعد الرئيسية التي يلزم إرسائها من منطقة من مناطق النشاط الإقتصادي بدون إلتفات إلى تفاصيل هذا النظام
3) من الوجهة القانونية فالمجلة التجارية تنظر إلى النشاط الإقتصادي لا من ناحية الإنتاج أو تداول المكاسب وإنما تنظر من ناحيته القانونية ومعنى ذلك أن المجلة التجارية تضبط الشروط وتستخلص منها النتائج التي يعلقها القانون عليها
4) أما من الوجهة العلمية فإنه ظهر من المحتم أن يكون بين يدي الحكام والتجار مجلة تجارية (4)"
تحتوي المجلة التجارية وقت صدورها على 764 فصلا (5) موزعة على خمس كتب خصّص الكتاب الثالث منها للكمبيالة وسند الأمر والشيك في الفصول من 269 إلى 412.
 لن تكون غاية هذه الدراسة الوقوف على حصاد تطبيق أحكام المجلة طيلة خمسين سنة وإنما الوقوف على تطبيق القواعد الجزائية المتعلقة بالخصوص بإصدار الشيك بدون رصيد وما يترتب عنه في المجلة التجارية عند صدورها وفي القوانين اللاحقة والمنقحة لأحكامها والصادرة خلال الخمسين سنة الماضية.
لا شك في أن دراسة جرائم الشيك عامة وجريمة الشيك بدون رصيد خاصة تستوجب ـ من البداية ـ التذكير بفلسفة الشيك وبقواعده العامة.
وليس من شكّ أيضا أن المعنيّ بهذا التمهيد ليس الشخص الذي قد يرتكب الجريمة علما وأن جهل القانون لا يكون عذرا في إرتكاب ممنوع أو فيما لا يخفى حتى على العوام وإنما المقصود هو بيان أن جريمة الشيك بدون رصيد لا يقبلها العوام ولا ترتاح لها أكثر النفوس بالإضافة إلى أن أحكامها الجزائية غير متفقة مع أحكامه الشيك العامّة.
لئن كان التعامل بالشيك مجلبة لعقوبات صارمة في صوّر معينة فإن من أصدر الشيك لا فرق ـ في تصوّر غير المتعاملين به ـ بين عدم الوفاء لإنعدام الرصيد في الشيك أو لمماطالة المدين الموثق دينه بسند آخر.
وعلى هذا الأساس فلا مبرّر للعقاب الجزائي عند إنعدام الرصيد في الشيك ولا مبرّر لعدم المساواة بين جميع سندات الدين وما يترتب عن عدم الوفاء بها. 
ولا يمكن في هذا المعنى أن يعاقب جزائيا ساحب الشيك بدون رصيد عقابا شديدا في حين لا يستهدف المدين الآخر إلا لحكم مدني يلزمه بأداء الدين مع الفوائض.
إن قصد التعرض لأصول الشيك وفلسفته وللمبادئ المتعلقة بإنشائه وسحبه وانتقاله وخلاصه ليس لإشعار الساحب بالخطورة لأنه لا يحتاج إجتماعيا إلى معرفة أكثر مما هو معروف في الوسط الذي يعيش فيه وهو أن الحصول على صيغ الشيكات أمر هين وإصدار الشيك أمر أكثر سهولة وتسليم الشيك للدائن أمر لا تفضل عليه وسيلة خلاص أخرى حتى الأوراق النقدية أحيانا.
إلا أن السهولة التي يلاقيها الساحب إلى الحدّ المذكور تنقلب إلى صعوبة لا يذلّلها سوى وجود الرصيد عند عرض الشيك للخلاص بتمويل مباشر للحساب أو بإعتماد من الصيرفي.
كما أن المستفيد بالشيك أو حامله يعلم بأن ما أقدم عليه يضمن حسب التشريع المعمول به أحد الأمرين التاليين ـ على الأقل ـ إما الخلاص وإما دخول الساحب السجن.

                            أصـول الشــيك

لقد خصصت المجلة التجارية وقت صدورها الفصول من 346 إلى الفصل 412 للشيك.
والشيك لغة هو الصكّ وقال إبن منظور صاحب لسان العرب: "الصك: الكتاب، فارسي معرّب جمعه أصكّ وصكوك وصكاك.
قال أبو منصور: "الصك الذي يكتب للعهدة: معرّب أصله جك ويجمع صكاكا وصكوكا وكانت الأرزاق تسمّى صكاكا لأنها كانت تخرج مكتوبة ومنه الحديث في النهي عن شراء الصكاك والقطوط.
وفي حديث أبي هريرة: قال لمروان: "أحللت بيع الصكاك وهي جمع صكّ وهو الكتاب، وذلك أن الأمراء كانوا يكتبون للناس بأرزاقهم وأعطيا لهم كتبا فيبيعون ما فيها قبل أن يقبضوها معجّلا ويعطون المشتري الصكّ ليمضي ويقبضه فنهوه عن ذلك لأنه بيع ما لم يقبض" (6).
وبعد أن تأصل لفظ الصك في اللغة العربية تمّ التخلي عنه وإستبداله ـ عن غير وعي ـ بلفظ الشيك في قوانين العربية المأخوذة عن القوانين الغربية.
فبالإضافة إلى المفهوم اللغوي للشيك فإنه يتعين الوقوف على المفهوم الإصطلاحي للشيك.
لم تعرّف المجلة التجارية الشيك إلا أنه بالرجوع إلى مقتضياته القانونية وإلى المعاملات التطبيقية يتبين أن للشيك مفهومان إثنان: 
ـ الأول نظري معتمد في دراسات القانون التجاري
ـ والثاني عملي معتمد في ميدان القضاء الجزائي
 بخصوص المفهوم الأول: لقد إستهلت المجلة أحكام الشيك متعرضة للبيانات التي يحتوي عليها وهي:
1 ـ ذكر كلمة شيك مدرجة في نص السند نفسه باللغة التي كتب بها
2 ـ التوكيل المطلق المجرد بدفع مبلغ معين
3 ـ إسم الشخص الذي يجب عليه الدفع (المسحوب عليه)
4 ـ تعيين المكان الذي يجب فيه الدفع
5 ـ تعيين تاريخ إنشاء الشيك ومكانه
6 ـ توقيع من أصدر الشيك (الساحب)
ولمعرفة قيمة البيانات التي يحتوي عليها الشيك وما يترتب عنها في التطبيق يتعين التذكير بالملاحظات التالية:
ـ أولا: حتى يتأكد الشخص الذي يسحب الشيك أو الذي يسلّم له من أنه يتعامل بالشيك وليس بكتب آخر وهو تعامل فيه خطورة بالنسبة للعوام وفيه ضمان بالنسبة لأهل الشأن لذا يجب ذكر كلمة الشيك وإدراجها في نص السند حتى لا تقبل بعد ذلك معارضة بجهل نوعه.
ومن المفروض أن السند الذي لم تدرج بنصه كلمة شيك والذي لم يقع خلاصه بعد سحبه لا يعتبر قانونا شيكا بدون رصيد عند إنعدام الرصيد(7)  لكن لفقه القضاء رأي مغاير ومختلف حسب نوع المعاملة في الميدان التجاري والميدان الجزائي.
والملاحظ أن الشيك يمكن أن يكتب بغير لغة الدولة وهي العربية حسب الفصل الأول من الدستور.
ـ ثانيا: إن شرط التوكيل المطلق المجرّد هو شرط بسيط في ظاهره ومشحون في باطنه بتحملات تترتب عن مفهوم التوكيل في مادة الشيك الذي يختلف عن المفهوم المعهود للتوكيل في المادة المدنية. 
من المعلوم في القانون المدني أن عقد الوكالة عقد رضائي لا يتكون بإرادة منفردة بل لا بد لتوفره من صدور القبول من الوكيل حسب ما تضمنه الفصل 1109 من مجلة الإلتزامات والعقود وفي إمكان من أسند إليه التوكيل أن يتصرّف لفائدة نفسه وليس في ذلك شيء من التحيل (8)
لذلك ينعقد التوكيل بالإيجاب والقبول وهو أمر يقتضي أن يتمّ الإيجاب بإصدار الشيك وإمضائه من الساحب وقبول التوكيل بإمضاء المسحوب عليه.
لكن خلافا لذلك ولما تضمنه الفصل 1111 من مجلة الإلتزامات والعقود فقد حجّر في المجلة التجارية قبول الشيك (9) خلافا للكمبيالة(10)  
وعلى هذا الأساس يمكن إعتبار القبول في الشيك قرينة بسيطة مجسمة في الواقع بما يفيد القبول الضمني عند عرض التوكيل على من إنتصب له بإعتبار القبول محمول عليه.
وقد أكّد هذا المعنى الفصل 441 من مجلة الإلتزامات والعقود حين أقرّ:
"أن التصديق على العقد كالتوكيل وقد يكون دلالة أي بإجراء العمل بالعقد من طرف من وقع العقد في حقه وأحكامه تجري على المصدّق لزوما وإلتزاما من وقت إنعقاد العقد ما لم يوجد شرط يخالف ذلك ولا تجري في حق الغير إلاّ من يوم التصديق "
لقد إستثنت المجلة التجارية التوكيل المتعلق بالشيك من أحكام القاعدة الواردة بالفصل 1115 من مجلة الإلتزامات والعقود التي يجوز بمقتضاها تعليق التوكيل على شرط أو إضافته إلى وقت أو تقييده بزمن بأن جعلت التوكيل المعطى للمسحوب عليه من الفصل 346 من المجلة التجارية هو توكيل مطلق مجرّد وموضوعه ينحصر في دفع مبلغ معين من المال لا غير.
وعلى هذا الأساس فإنه:
أولا: لا يمكن للساحب تأجيل عملية الدفع بعد إصدار الشيك وتسليمه للمستفيد.
ثانيا: لا يمكن للمسحوب عليه أي الصيرفي الذي يجب عليه الخلاص بمجرد عرض الشيك ووجود الرصيد أن يشترط إعلاما مسبقا بصدور الشيك حتى يتمكن من إحضار مبلغه.
لئن كان الوكيل في الشيك لا يمكن أن يكون إلا صيرفي إنتصب لتسلم الشيك الصادر من الساحب وخلاصه فهو محمول على قبول الوكالة بمقتضى مهنته خاصة إذا علمنا وأن سند التكليف بالوكالة هو شيك أعدّ الصيرفي صيغته ونصّ بها على إسمه وسلّمها للموكّل أي الساحب.
إلا أن هذه القرينة البسيطة تزول بإنعدام الرصيد وإمتناع الصيرفي من الوفاء أو بسبق إعلام الساحب من الصيرفي قبل أن يصدر الشيك بالتحجير الواقع له في إستعمال صيغ الشيكات ووجوب إرجاع ما تبقى منها إليه لأسباب قانونية أو بإعتراض الساحب على الخلاص.
ثالثا:  يكون المسحوب عليه الذي تولى ذكر إسمه بالشيك صيرفيا حسب الفصل 348 من المجلة التجارية ويجب عليه الدفع إذا كان الرصيد موجودا فعلا أو إتفاقا.
ويشمل مدلول كلمة صيرفي الأشخاص أو المؤسسات المشبهة قانونا بالصيارفة.
ويبدو مع ذلك أن المجلة التجارية لا تعتبر الشيك سندا بنكيا لوجود أحكامه بعيدة عن أحكام العمليات البنكية وبما أن أحكامه شبيهة بأحكام الكمبيالة فقد وجدت في الباب الثالث من المجلة الخاصّ بالشيك والكمبيالة وبالسند للأمر والشيك.
ولا يعتبر الشيك في القانون عملا تجاريا (11) مثل الكمبيالة.
رابعا: إن بيان المكان الذي يجب فيه الدفع هو التمكين من معرفة عنوان الخزينة التي يقصدها المستفيد ليقع خلاصه.
تكون هذه الخزينة تابعة للبنك المسحوب عليه موجودة إما بمقرّه الأصلي أو بمقرّ أحد فروعه حسب العنوان المذكور.
ولقد أكّد المشرّع أن المكان المبين بجانب إسم الصيرفي هو مكان الوفاء وعند إنعدام ذكره يكون محلّ الأداء هو المحلّ الأصلي التجاري للمسحوب عليه.
إذا لم يذكر بالشيك مكان إنشائه يعتبر وكأنه تمّ في المكان المبين بجانب إسم الساحب
خامسا: إن القصد من إحتواء الشيك على تاريخ إصداره هو تأكيد على أهمية هذا التاريخ في التطبيق لأنه يضبط آجال العرض للآداء والقيام بدعاوى الرجوع
ويمكن هذا التاريخ من معرفة أهلية الساحب يوم إصدار الشيك والتحقق من وجود الرصيد في تاريخه
سادسا: إن القصد من وجوب إحتواء الشيك على إمضاء الساحب هو تجسيم لوقوع الإيجاب ولا يشترط شيء في الإمضاء كأن يكون كاملا أو مقتضبا وإنما يجب أن يكون مطابقا لإمضاء الساحب المودع نموذجه لدى المسحوب عليه
ويشترط توقيع الساحب بإعتباره المدين الأصلي إذ لا قيمة للشيك عند خلوه من هذا التوقيع.
ويبقى الساحب وحده ملزما عند الإنكار بأن يثبت بأن من سحب عليه الشيك كان لديه رصيد وقت تسليمه وليس وقت إنشائه.
ولا يتحمل الصيرفي عبء الإثبات لأن الشيك لا يخضع لشروط القبول والتأشير على الشيك من الصيرفي يفيد وجود الرصيد في تاريخ إصداره    
إن كان هذا هو المفهوم الأول والنظري للشيك فإن للشيك مفهوم ثان معتمد في المادة الجزائية وعلما بأن الدراسة تهتم بالأحكام الجزائية للشيك لذلك يستحسن إعتبار مفهوم الشيك التطبيقي.
لم تهمل المجلة التجارية المدلول العملي والتطبيقي للشيك حين أوجبت على كل صيرفي إعداد صيغ للشيكات يسلمها مجانا لأصحاب الحسابات الجاري فيها التعامل بالشيكات.
وإن صيغ الشيكات هذه معدّة للتحرير وليتم الدفع بموجبها من خزانة الصيرفي الذي عليه أن يكتب في كل صيغة من صيغ الشيكات إسم الشخص الذي سلمها له وهو حسب القانون الحريف الدائن الساحب.
والملاحظ أن الصيرفي يسلّم ـ في التطبيق ـ لحريفه كنشا به عدد من الأوراق مرقمّة تحتوي كلّ ورقة على جذاذة صغيرة يفصلها عن بقية الورقة إشارة مادية للإقتطاع تليها صيغة الشيك التي تسلّم للمستفيد من الساحب وتبقى الجذاذة بيد هذا الأخير تابعة للكنش الذي يرجع إليها عند الحاجة.
ويحمل كل شيك رقما ينصّ عليه بالجذاذة وبصيغة الشيك التابعة لها وعلى البيانات القانونية مع ذكر رقم حساب الساحب الذي يسلّم له الكنش.  
 هذا إذن هو مفهوم الشيك العملي الذي يعتمد في هذه الدراسة لأن كل مخالفة للمقتضيات القانونية المتعلقة بالشيك وبالبيانات المضمنة به تكون مبدئيا موضوع تتبع جزائي.
لن تكون غاية ما سبق ذكره تجريد الشيك من كل مفهوم نظري لأن العقاب مستوجب أيضا عند مخالفة المفهوم العلمي للشيك في بعض الصوّر المتعلقة بالرصيد وبإنعدامه في المعنى القانوني.
وعلى كل فقد تعرضت المجلة لعقاب الصيرفي الذي يخالف المقتضيات المتعلقة بصيغ الشيكات ولعقاب من يستعملها أو يتسلمها بصفة مخالفة للقانون وهي أفعال تشكل في جوهرها أنواعا من جرائم الشيك.
على أنه لا يمكن بحال إعتبار جرائم الشيك جديدة وضعتها المجلة التجارية الصادرة بالقانون عدد 129 لسنة 1959 المؤرخ في 05 أكتوبر 1959 وإنما هي جرائم قديمة تضمنت أحكامها قوانين تولت المجلة التجارية إعادة سنها وتنظيمها مع المزيد من الصرامة والشدّة.
الشيك قبل المجلة التجارية

رغم أن موضوع الدراسة الأساسي يهتمّ بأحكام الشيك بدون رصيد في المجلة التجارية فإنه يستحسن التعرّض للأعمال التشريعية قبل صدورها في النصوص القانونية أو في مشاريع القانون يصلح للمقارنة بين التشريع القديم والتشريع الجديد.

لذا يتمّ التعرّض إلى مشروع سانتيلانا ـ أولا ـ ثمّ إلى مقتضيات الأمر المؤرخ في 30 ديسمبر 1923 والنصوص المنقحة له ـ ثانيا ـ

ـ مشروع سانتيلانا
لقد تكونت بتاريخ 06 سبتمبر 1896 لجنة كلفت بإعداد القانون المدني والتجاري والجزائي للبلاد التونسية على غرار المجلات الفرنسية وقد عيّن المقيم العام الفرنسي بتونس الأستاذ دافيد سانتيلانا عضوا بهاته اللجنة ومقررا لها.(12)
وفي سنة 1897 تمّ إعداد المشروع الأول للمجلة المدنية والتجارية وأدرج بالأمر المؤرخ في 15 ديسمبر 1906 جزؤها الأول باسم مجلة الالتزامات والعقود التي جرى العمل بأحكامها وطبقتها المحاكم التونسية بداية من غرة جوان 1907.
 أمـا الأحكام التجارية موضوع الجزء الثاني من المشروع المذكور وإن بقيت على هذه الصيغة فإن المشروع لم يهمل الشيك وخصّص له الباب التاسع تحت عنوان "في الشيكات" ضمن الفصول من 2140 إلى 2156 أي في ستة عشر فصلا.
لقد إستهل المشروع الفصول المذكورة بتعريف الشيك في الفصل 2140 باعتباره الكتب الذي يصلح للساحب في شكل وكالة وفاء بأن يسحب لفائدته أو لفائدة شخص آخر المبلغ القابل للوفاء بحسابه لدى المسحوب عليه.
هذا وقد ّنص المشروع البيانات التي يحتوي عليها الشيك مؤكدا أنه يسحب للوفاء عند الإطلاع أو في أجل ثلاثة أيام على الأكثر من يوم الإطلاع.
وقد حدّد أجل العرض للوفاء بستة أيام من تاريخ الشيك إذا كان السحب في مكان الخلاص وعشرة أيام إذا كان مكان السحب غير مكان الخلاص.
وإذا لم يعرض الحامل الشيك للوفاء في الأجل المذكور دون قوّة قاهرة مانعة لذلك فإنه يفقد حقّ الرجوع على المظهرين ويفقد حق الرجوع على الساحب عند تلف الرصيد بخطإ المسحوب عليه بعد الآجال المذكورة.
وعلى الساحب إثبات وجود الرصيد لدى المسحوب عليه.
أما بخصوص العقاب الجزائي فإن المشروع يعاقب بالعقاب المالي المساوي لعشر مبلغ الشيك كل من يسحب شيكا تاريخه مزيّف أو بدون رصيد قابل للأداء أو يسحب الرصيد الموجود وقت تسليم الشيك كلّ ذلك دون العقوبات الأشد التي تقتضيها المجلة الجزائية.
وبعد عرض ما جاء به مشروع "سانتيلانا" فإنه يبقى الأمر المؤرخ في 30 جوان 1923 هو القانون السابق للمجلة التجارية.

ـ الأمر المؤرخ في 30 ديسمبر 1923
يمكن إعتبار الأمر المؤرخ في 30 ديسمبر 1923 التشريع القديم المطبق على الشيك(13) والذي لم يبطل العمل به صراحة القانون عدد 129 لسنة 1959 المؤرخ في 05 أكتوبر 1959 المدرج للقانون التجاري وقد ألغيت نصوصه بإعتبارها مخالفة للمجلة بداية من تاريخ إجراء العمل بها في غرة جانفي 1960 حسب الفصل 3 من القانون المذكور.
وكانت تنطبق مقتضيات الأمر المؤرخ في 30 ديسمبر 1923 على الشيك المسحوب في التراب التونسي كما تنطبق على الشيك المسحوب خارج البلاد التونسية وواجب الخلاص بها.
لقد إهتمت الفصول الخمسة الأولى من هذا القانون بالقواعد الجبائية المتعلقة بالشيك وقد ألغيت بالأمر المؤرخ في 19 ماي 1943 المنشور بالرائد الرسمي المؤرخ في 05 جوان 1943 صحيفة 355 أما بقية فصوله فهي تتعلق بالأحكام الجزائية للشيك بدون رصيد وقد تولى تنقيحها الأمر المؤرخ في 22 أكتوبر 1952.
إن كان القانون القديم يجرّم سحب الشيك بدون رصيد ويعاقب عليه مثل المجلة التجارية وقت صدورها بالعقاب الذي يستوجبه مرتكب التحيل إلا أنه يشترط لذلك توفّر سوء النية في الساحب.
إن كان هذا القانون يجرّم سحب الشيك بدون رصيد ويعاقب عليه جزائيا بالسجن وبالخطية مثل المجلة التجارية إلاّ أنه يشترط خلافا لها توفر سوء النيّة في الساحب.
أما الأمر المؤرخ في 13 جويلية 1953(14) المنقح للأمر المؤرخ في 30 ديسمبر 1923 فإنه جعل أحكام جرائم الشيك منطبقة على الشيك البريدي مع إستثناء يتعلق بالأجل اللازم للإمتناع من خلاص الشيك البريدي وهو أربعة أيام.
ويتمّ بعد ذلك بيان الأحكام الجزائية للشيك بدون رصيد في المجلة التجارية وقت صدورها وفي القوانين المنقحة لها.

ـ المجلة التجارية والشيك
لقد خصصت المجلة التجارية القسم العاشر من بابها الثالث المتعلق بالشيك ضمن الكتاب الثالث للأحكام العامة والجزائية في الفصول من 404 إلى 412 بدخول الغاية فما هو المقصود من الأحكام العامة ومن الأحكام الجزائية؟
هل تتلاءم الأحكام العامة مع الأحكام الجزائية ؟
وهل تجيز الأحكام العامة فرض عقوبات بدنية ومالية عند مخالفة قواعد الشيك الشكلية والأصلية ؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة تستدعي ـ في البداية ـ محاولة الوقوف على هذه الأحكام بنوعيها.
لذا يتمّ التعرض إلى الأحكام العامة ـ أولا ـ وإلى الأحكام الجزائية ـ ثانيا ـ قصد معرفة وجود الإنسجام بينها من عدمه ـ ثالثا ـ 

 أولا: الأحكـام العامـة
يمكن إعتبار الأحكام العامة التي نصت عليها المجلة التجارية والمتعلقة بالشيك بمثابة القواعد العمومية التي نصّت عليها مجلة الإلتزامات والعقود الصادرة بالأمر المؤرخ في 15 ديسمبر 1906 وختمت بها الكتاب الأول الخاص بالإلتزمات بصفة عامّة وهي بمثابة المبادئ التي تعلوا قيمتها على قيمة القواعد القانونية العادية مع وجود الفارق وهو أنه لم يكن للبلاد التونسية دستور وقت إدراج هذه المجلة في حين أن لها دستور صدر في غرة جوان 1959 وقت صدور المجلة التجارية وهي الصادرة في 15 أكتوبر 1959.
فما هي الأحكام العامة التي تعرضت لها المجلة التجارية في الباب المخصص للشيك وأسست عليه نظامه القانوني ؟
هل تمكّن هذه الأحكام العامة تسليط عقوبات بدنية ومالية عند مخالفة قواعد الشيك الشكلية والأصلية.
يستدعي الجواب البحث ـ من البداية ـ عن جذور هذه الأحكام ومفهومها في القوانين الأجنبية التي أخذ منها القانون الوطني للشيك.
ـ تعرض الفصل 404 إلى اليوم الذي يمكن أن يجري فيه قانونا عرض الشيك للوفاء أو إقامة الإحتجاج مؤكدا بأن يكون يوم عمل.
ـ تعرض الفصل 405 إلى كيفية إحتساب الآجال مؤكدا على عدم إحتساب يوم بداية الأجل.
ـ أما الفصل 406 فإنه ينصّ على أنه " لا يجوز منح أي إمهال على وجه الفضل إلا فيما عدا الصور المتعلقة بالقوّة القاهرة التي تعرض لها الفصل 394 والتي منعت عرض الشيك للوفاء أو إقامة الإحتجاج في الآجال القانونية.
أن المخاطب بالدرجة الأولى بمقتضيات الفصل 406 المذكور هو القضاء لأن هذا النصّ هو تأكيد لمقتضيات الفصل 137 من مجلة الإلتزامات والعقود:
"ليس للمجلس أن يضرب أجلا لعاقد أو يمهله على وجه الفضل إذا لم يكن بمقتضى العقد أو القانون."
لا شكّ في أن ما نصّ عليه المشرع في الفصل 406 من المجلة التجارية حجّة على قناعته بوجوب إحترام مبدإ وجوب الوفاء عند عرض الشيك على المسحوب عليه وفي ذلك ضمان للمستفيد وللحامل بأن يتمّ الخلاص دون تأخير عند العرض للوفاء ووجود الرصيد".
والمفروض أن تدوم هذه القناعة لدى صاحبها وأن لا يتخلى عنها لاحقا ويصدر قوانين تمنح آجالا للوفاء بمقابل وليست على وجه الفضل.

أما الفصل 407 فقد نصّ على:
"أنه لا يتجدد الدين بقبول دائن الوفاء بمقتضى شيك يتسلمه"
ويترتب على ذلك أن الدين الأصلي يبقى قائما بكل ما له من ضمانات إلى أن يتمّ الوفاء بالشيك المذكور.
لقد عرّفت مجلة الإلتزامات والعقود تجديد الإلتزام في فصلها 357 بأنه "عبارة عن إنقضاء الإلتزام بأن يجعل عوضه إلتزام آخر.
إن لهذه المقتضيات أهمية كبرى فهي تبيّن موقف المشرع من الشيك ومن ماهيته
ولا بدّ من التذكير ـ في هذا الصدد ـ بالفرق الموجود بين إنشاء الشيك وإصداره أو تسليمه.
 فالإنشاء هو كتابة الشيك وجعل صيغته محتوية على البيانات اللازمة ولا تترتب على الإنشاء نتائج قانونية.
أما إصدار الشيك و تسليمه للمستفيد فإنه عمل يترتب عليه بالنسبة لحامله قبض قيمته بنفسه أو بواسطة شخص آخر بطريق التداول ويتمّ الوفاء من الصيرفي المسحوب عليه.
فبمجرد الإصدار أو السحب والتسليم يترتب عن كل عمل نتائج قانونية مدنية وجزائية لأن الشيك أداة وفاء غير معلق على شرط علما وأن الفصل 349 من المجلة التجارية يقضي بعدم خضوع الشيك لشرط القبول.
والملاحظ أن الفصل 407 من المجلة التجارية حين منع تجدد الدين بتسليم الشيك فإن المدّة المعنية بعدم التجديد هي المدّة الفاصلة بين تسليم الشيك وعرضه للوفاء.
ويتمّ إنتقال الشيك في هذه الفترة بالتظهير من دائن إلى آخر ويضمن المظهر خلاص الشيك مع التأكيد بأنه يجب أن يكون التظهير بلا قيد ولا شرط ويعدّ التظهير للحامل بمثابة تظهير على بياض.
وتنتقل بموجب التظهير الحقوق الناتجة عن الشيك وخاصة ملكية الرصيد.
بعد أن تأكد أن قاعدة الفصل 407 من المجلة التجارية تفيد بصفة لا لبس فيها أن الدين لا يتجدد بقبول دائن الوفاء بشيك يتسلمه أصبح من الضروري البحث عن كيفية ملائمة هذه المقتضيات مع مقتضيات أخرى نصت عليها المجلة التجارية في الفصل 368 التي تتعارض معها وتفيد أنه:
" إذا أقيمت على أشخاص دعوى بموجب شيك فلا يمكنهم أن يتمسكوا ضد الحامل بوسائل المعارضة المبنية على علاقتهم الشخصية بالساحب أو بالحاملين له السابقين ما لم يكن الحامل قد تعمد مع علمه بها الإضرار بالمدين عند اكتسابه للشيك."
وحتى يتم الوقوف على هذا التناقض يتعيّن التذكير بأن موضوع الطبيعة القانونية للشيك وماهيته قسمت رجال القانون إلى فريقين
أحدهما يرى الشيك سندا شكليا مجردا لا علاقة له بسببه لإنفصاله عنه وقيامه بذاته
ويبدو من أحكام الفصل 368 المذكورة أن المشرّع إتبع هذا الرأي المعروف بالنظرية الألمانية.
أما الفريق الثاني من رجال القانون فإنه يرى أن الشيك لا يختلف عن الكمبيالة عندما تكون مستحقة الوفاء لدى الإطلاع
ولذا تطبق على الشيك قواعد الكمبيالة المتعلقة بهذه الصورة
وتبعا لهذا المعنى فإنه تنشأ عند إصدار الشيك علاقات بين أشخاص ثلاثة الساحب والمسحوب عليه والمستفيد وهو الحامل وتتعدد العلاقات عند إنتقال الشيك بين من ذكر وكلّ مظهر ومظهر له.
وقد أكدت هذا المعنى إتفاقية جوناف سنة 1930 التي نصّت على هذا الرأي قربت أحكام الشيك لأحكام الكمبيالة حتى أصبح في المادة المدنية لا فرق بين الشيك وبين الكمبيالة المستحقة الوفاء لدى الإطلاع.
إن مبدأ عدم التمسك بوسائل المعارضة الشخصية الذي تضمنه الفصل 368 من المجلة التجارية بالنسبة للشيك و الفصل 280 بالنسبة للكمبيالة هو مبدأ كرّسته المجلة التجارية لأن:
ـ القبول قرينة على وجود المؤونة بالنسبة للكمبيالة
ـ والقبول يثبت وجود الكمبيالة وكيانها بالنسبة للمظهرين
وعلى ساحب الكمبيالة وحده سواء حصل القبول أو لم يحصل أن يثبت في حالة الإنكار أن المسحوب عليه كانت لديه المؤونة وقت الحلول وإلا لزمه ضمانها حتى ولو أقيم الإحتجاج بعد الآجال المعينة لذلك.
من هنا يتضح أن الكمبيالة المقبولة لا يتجدد بها الدين في علاقة الساحب بالمسحوب عليه الذي يمكنه التمسك بوسائل المعارضة الشخصية في حين أن الدين يتجدد بمجرد تظهيرها ولا يمكن في العلاقة المظهرين التمسك بوسائل المعارضة الشخصية لأن القبول قرينة قطعية لا تقبل الدحض.
أما بالنسبة للشيك فقد سبق أن بيّنا أن المشرع التونسي إن إتبع النظرية الألمانية وهي رأي الفريق الأول من رجال القانون الذين يعتبرون الشيك سندا مجردا وشفافا قائما بذاته منفصلا على العلاقة الفصلية التي تسببت في وجوده وقد أكد هذا المعنى الفصل 368 من المجلة التجارية مستثنيا تطبيق القاعدة المذكورة في الصورة التي يتعمد فيها الحامل الإضرار بالمدين عند تسلمه الشيك مع علمه بوسائل المعارضة المبنية على العلاقة الشخصية بالساحب أو الحامل.
ومن هنا يتضح أن التناقض بيّن في الأحكام العامة للشيك ومن شأن هذا التناقض أن يتسبب في وجود فقه قضاء متناقض وغير مستقر ولكنه قانوني.
والملاحظ أن المشرع لم يعاقب جزائيا ساحب الكمبيالة المقبولة عند عدم وفاء الحامل رغم توفر أركان جريمة التحيّل في هذه العلاقة علما وأنها لا تقسيم في علاقة الساحب والمسحوب عليه ولو كانت الكمبيالة مقبولة من هذا الأخير.
وتبعا لما تمّ التعرض إليه من أحكام الكمبيالة فإن أحكام الشيك التي تضمنها القسم العاشر من الباب الثالث المتعلق بالشيك هي مبادئ متناقضة ينتمي بعضها إلى مذهب قانوني معيّن وينتمي البعض الآخر إلى مذهب مخالف له دون تنسيق بينها.
وهذا دليل على عدم إعتبار للنظريات القانونية المختلفة والمتعلقة بالشيك أو عدم إلمام بها.
 ولهذا السبب حصل ـ في المجلة التجارية ـ سنّ جرائم خطيرة مثل جريمة الشيك بدون رصيد التي وعاقبت مرتكبها العقاب البدني والمالي في حين أن أركان الجريمة لا تتفق مع القواعد العامة التي تأسس عليها الشيك.
ويمكن الجزم بأن اللجان التي تولت تحرير المجلة التجارية ومنها اللجنة الأخيرة التي تولت وضع النصّ النهائي لها قد أخذت القانون الفرنسي بحذافيره و يتأكد ذلك بالنسبة لموضوع الشيك الذي خصص له الباب الثالث من الكتاب الثالث فإنه نقل حرفي للمرسوم الفرنسي المؤرخ في 30 أكتوبر 1935 مع النصوص المنقحة له بترجمة إلى العربية إن لم تسبق دولة أخرى إلى تعريبه.
لئن تعرض المرسوم الفرنسي المذكور إلى مبدإ عدم تجديد الدين عند تسلم الدائن شيكا في الفصل 62 من المرسوم فإن لهذا المبدإ جذور وتاريخ في فرنسا لم تراعيها المجلة التجارية التونسية وهذا هو سبب التناقض المذكور.
لقد أعاد المرسوم الفرنسي المذكور تنظيم القانون المؤرخ في 28 أوت 1924 الذي جاء لردّ الإعتبار للكمبيالة والحثّ على خلاصها بالشيك لأنها طريقة توفر الأمن عند نقل النقود.
إن خلاص الكمبيالة بالشيك يشكل خطورة بالنسبة لحامل الكمبيالة الذي يتمّ خلاصه بالشيك لأنه عند عدم الوفاء بالشيك لإنعدام الرصيد تضيع عليه الفرص المتاحة له للخلاص بمقتضى الكمبيالة وإنقضاء الآجال لأنه سلّم الكمبيالة مقابل الشيك لذلك أزال قانون 1924 المستفيد بالشيك من هذه الخطورة.
في هذه الصورة مكّن القانون حامل الشيك من إقامة إحتجاج والإعلام به بالمقرّ الذي يتمّ به خلاص الكمبيالة المعوضة بالشيك في ظرف خمسة أيام إذا كان خلاص الشيك في نفس المكان أو ثمانية أيام إذا كان خلاصه غير مكان خلاص الكمبيالة ويكون الساحب مجبرا على خلاص مصاريف الإحتجاج والإعلام به ومبلغ الكمبيالة للمأمور العمومي وتسليم الكمبيالة له وإلا فإن الوفاء بالكمبيالة حالا والإحتجاج بعدم إرجاع الكمبيالة تثبت به جريمة الفصل 408 من المجلة الجنائية الفرنسية التي يقابلها جريمة الخيانة في الفصل 297 من المجلة الجزائية.
والملاحظ أن القانون الفرنسي الذي أقرّ عدم تجديد الدين عند خلاص الكمبيالة بشيك فإن هذا القانون جاء تجسيما لفقه قضائي سابق إعتبر أن حامل الكمبيالة الذي يتمّ خلاصه بشيك يصبح في وضعية ليس له فيها سوى شخص واحد يمكن مطالبته بالوفاء وهو الساحب الذي من الممكن أن لا تسمح وضعيته المادية بالخلاص في حين أن الكمبيالة التي عوضت الشيك تلزم ساحبها وقابلها ومظهرها وكفيلها جميعا لحاملها على وجه التضامن.
وللحامل حق الرجوع على هؤلاء الأشخاص منفردين أو مجتمعين بدون أن يكون مرغما على مراعاة الترتيب الذي توالت عليه إلتزاماتهم.    
تلك إذا الأحكام العامة للشيك فما هي أحكامه الجزائية.

ثانيا ـ الأحكام الجزائية
لا شك في أن حياة الشيك تمرّ بمراحل ثلاثة يعتبرها القانون ويترتب عليها آثارا مدنية وجزائية وهي الإصدار والتداول والوفاء
وخلافا لإنشاء الشيك فإن الإخلال بالقواعد القانونية المتعلقة بالإصدار والتداول والوفاء تشكل جرائم الشيك التي إحتوت المجلة التجارية على ركنها الشرعي في فصولها من 409 إلى 412 بدخول الغاية
يعاقب عند مخالفة هذه النصوص كل من الساحب والمسحوب عليه والحامل والمظهر ومن دفع شيكا أو تسلم شيكا على وجه المقاصة.
أما بخصوص الأحكام الجزائية المتعلقة بجنحة إصدار الشيك بدون رصيد فإن بدراستها نصل إلى الموضوع الذي تتجه إليه العناية والمتعلق بما يترتب عن إنعدام الرصيد أو نقصانه في المجلة التجارية والقوانين التي نقحتها طيلة الخمسين سنة الماضية.

                  
















جريمة الشيك بدون رصيد

ما رأيت في وطني المحاسن التي تنسب للشيك في دروس القانون التجاري التي تلقى في جامعات الدول النامية ولكني رأيت مآسي الساحب وذويه عند إنعدام الرصيد أو نقصانه (15) ومن أجل ذالك تتجه العناية إلى دراسة الجريمة المترتبة عن عدم وجود رصيد الشيك وهي تستوجب ـ في البداية ـ بيان المقصود بالشيك والرصيد وجريمة الشيك بدون رصيد.
إن المقصود بالشيك اصطلاحا هو إحدى صيغ الشيكات التي يسلمها الصيرفي لصاحب الحساب الجاري به العمل بالشيك والمفتوح لديه والمنصوص بها مسبقا على بيانات يتمّمها الساحب بما هو خاص بالشيك الذي يسلمه للحامل (16)
وتشتمل ـ عادة ـ البيانات التي يحرّرها الساحب على ذكر:
أولا: مبلغ الشيك بالأرقام والأحرف (17)
ثانيا: هوية المستفيد أو الحامل.
ثالثا: مكان وتاريخ الشيك.
رابعا: إمضاء الساحب الذي يشترط أن يكون مطابقا للإمضاء المودع لدى الصيرفي.
وقد إعتبرت محكمة التعقيب أنه "يكفى لقيام جريمة الشيك بدون رصيد أن تكون للورقة مظهر شيك (18) "
كما أقرت هذه المحكمة أن المشرّع قد إستعمل لفظة "الشيك" بأوسع معانيها وهي تشمل الشيك المصرفي والشيك البريدي  (19)  
أما المقصود إصطلاحا بالرصيد  (20)فهو مال الساحب لدى الصيرفي الكافي للأداء عند عرض الشيك.
وتقتضي المجلة التجارية أن يتوفر في الرصيد الشروط التالية:
ـ أن يكون قابلا للتصرّف بداية من تقديم الشيك للوفاء.
ـ أن لا يكون أقلّ من مبلغ الشيك المسحوب.
ـ أن لا يكون الساحب قد إسترجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه.
ـ أن لا يكون الساحب قد حجر على المسحوب عليه الدفع في غير حالتي ضياعه وسرقته أو تفليس الحامل.
 إن ذكر المشرع الأسباب المانعة قانونا لوجود الرصيد فهل يعتبر بدون رصيد الشيك عندما يكون سبب عدم الوفاء من غير الأسباب المذكورة وهل يمكن للصيرفي رفض الخلاص في غير هذه الصور؟
لا شك في أن الشروط الواجب توفرها في الرصيد ليست حصرية ومن الممكن أن توجد أسباب أخرى مثل العقلة التوقيفية المجراة بصفة قانونية على الأموال المودعة أو التي ستودع لدى الصيرفي والراجعة للساحب.
إلا أن أسباب الرفض هذه تتطلب معرفة هل كان الساحب وقت إصدار الشيك على علم أم لا بالسبب المانع للوفاء وهو أمر يتعلق بموضوع سوء نيّة الساحب الذي يتم التعرض له في موطنه.
أما لفظ الجريمة المرتكبة عند إصدار الشيك فإن المقصود به اصطلاحا رفض خلاص الشيك من الصيرفي المسحوب عليه.
بعد بيان المقصود بلفظ الشيك والرصيد وجريمة الشيك بدون رصيد الذي يعتمد إجمالا في البحث عن الأدلة القانونية لوقوع الجريمة ولثبوت أركانها نصل إلى موضوع أركان الجريمة.

              
                   أركان جريمة الشيك بد ون رصيد
 توجد القواعد المتعلقة بأركان جريمة الشيك بدون رصيد في المجلة التجارية وفي القوانين المنقحة لأحكامها ويتكون منها الركن الشرعي للجريمة
ومن الثابت أنه حصل لقواعد الركنين المادي والأدبي للجريمة تنقيحات كان لها تأثير على شروط توفر كل ركن منهما لذا يتمّ التعرض إلى هذين الركنين.

                             الركـن المـادي
لا شك في أن تعريف جريمة الشيك بدون رصيد سواء في القانون (21)  أو في فقه القضاء هو تجسيم ـ على الدوام ـ للركن الأساسي الذي يثبت إرتكاب الجريمة وهو الركن المادي باستثناء المدّة التي يشترط فيها المشرع سوء نيّة الساحب للحكم بالإدانة والعقاب.
  ومن المعلوم أنه يقع في غير جريمة الشيك بدون رصيد إعلام النيابة العمومية بوقوع الجريمة وتتولى الضابطة العدلية البحث الأولي و تحال أعماله على وكيل الجمهورية وتكون موضوع إجتهاده في مآل القضية.
أما جريمة إصدار الشيك بدون رصيد فإن أركانها كانت محلّ تحوير أدخل عليها بمقتضى القوانين التي نقحت أحكام المجلة التجارية وضبطت في كلّ مرّة وسائل الإثبات وكيفية إعدادها.
وللتأكيد فأن مهمّة إعداد هذه الأدلة أوكلتها المجلة التجارية والقوانين المنقحة لها على التوالي لمصالح مختلفة:
1 ـ طرق الإثبات في المجلة التجارية.
لقد ضبطت المجلة التجارية بصفة دقيقة حجة عدم الوفاء ومكونات الركن المادي للجريمة وذلك حين أقرت بأن حامل الشيك لا يغنيه أي عمل آخر يجريه عندما يمتنع الصيرفي المسحوب عليه من الوفاء سوى القيام بالإحتجاج.
والإحتجاج هو وسيلة إثبات عرفها الفصل 307 من المجلة التجارية المتعلق بالكمبيالة حين أفاد أنه:
"يجب إثبات الإمتناع من القبول أو الإمتناع من الدفع بحجة رسمية وهي عبارة عن إحتجاج بالإمتناع من القبول أو إحتجاج بالإمتناع من الدفع"
وبما أنه لا قبول في الشيك حسب الفصل 386 من المجلة التجارية فإنه يجب على حامل الشيك أن يثبت رفض الأداء بالإحتجاج.
وإن كان لا يحرر الإحتجاج إلا العدول المنفذين طبقا لأحكام الفصل 318 من المجلة التجارية فإنه لا يمكن إقامته إلا بطلب من الحامل وبمقرّ الصيرفي الذي يجب عليه دفع الشيك طبقا لأحكام الفصل 400 من المجلة التجارية
أما البيانات الوجوبية التي يشتمل عليها الإحتجاج فهي حسب الفصل 401 من المجلة التجارية:
1) نص الشيك حرفيا
2) ما يحتوى عليه الشيك من التظهيرات
3) بيان أسباب الإمتناع من الدفع
4) عجز المسحوب عليه عن الإمضاء أو الإمتناع منه
5) مقدار ما دفع من مبلغ الشيك في حالة الوفاء الجزئي
6) التنبيه على الساحب بدفع قيمة الشيك.
ومن الثابت أن المجلة التجارية حمّلت العدل المنفذ واجبات عند إقامة الإحتجاج تتجسم في ما يلي:
1) التنصيص بالإحتجاج على أنه هو الذى قام بالإحتجاج وعلى تاريخه وتوقيعه وإلا لزمه غرم الضرر.
2) الإحتفاظ لديه بنسخة مطابقة للأصل من الإحتجاج
3) تسليم كتابة المحكمة التي بدائرتها مقرّ المدين نسختين مطابقتين للأصل من الإحتجاج أو توجيه لها بمكتوب مضمون الوصول مع الإخطار بالتبليغ وتحال إحداها إلى النيابة العمومية.
4) يجب أن يقوم العدل المنفذ بهذا الإجراء في ظرف خمسة عشر يوما من تحرير الإحتجاج وإلا يكون مستهدفا للعزل ويتحمل غرم الضرر وأداء المصاريف للمتضرر (22)
والجدير بالملاحظة أن حامل الشيك بدون رصيد لا يجبره القانون على إقامة الإحتجاج وإنما يعطيه حق إجرائه مع إعلام الساحب بعدم الأداء وعليه فإنه لا يحصل العلم للنيابة العمومية بجريمة الشيك بدون رصيد إلاّ متى أقدم الحامل على إقامة الإحتجاج الذي يغنيه عن التشكي.

2 ـ طرق الإثبات في القوانين المنقحة للمجلة التجارية
 ـ  القانون عدد 31 لسنة 1970 وطرق الإثبات
لقد حمّل القانون31 لسنة 1970 المؤرخ في 03 جوان 193 والتعلق بإتمام وتنقيح المجلة التجارية الصيرفي المسحوب عليه شيك بدون رصيد واجب تحرير إعلام بعدم الدفع يوقعه شخص مؤهل حسب التراتيب القانونية يوجهه في ظرف ستة أيام من العرض إلى البنك المركزي.
كما ضبط شروطا لا بدّ أن تتوفر في الإعلام بعدم الدفع المذكور وهي:
1) أن يتضمن لقب الساحب وإسمه ومهنته وعنوانه ومكان وتاريخ ولادته إذا كان المصرف المسحوب عليه يعلم بذلك.
2) أن يذكر به تاريخ وعدد الشيك وعدد حساب الساحب وحالته بتاريخ العرض.
3) ويذكر ـ عند الاقتضاء ـ الأسباب الحائلة دون الدفع مثل إختلال الشروط الشكلية وعدم مطابقة الإمضاء والإعتراض وكل مانع من جانب الساحب أو غيره
4) التعريف بأسباب إنعدام الرصيد أو نقصانه عندما تكون هذه الأسباب خارجة عن إرادة الساحب.
وقد أعطى هذا القانون للبنك المركزي إمكانية إعلام النيابة العمومية عن كل رفض لدفع الشيك لإنعدام الرصيد أو نقصانه.
والملاحظ أن التتبع الجزائي بعد أن كان لا يتمّ إلا إذا قرّر المستفيد أو حامل الشيك إقامة الاحتجاج بواسطة عدل منفذ الذي يجبر في هذه الحال على توجيه نسخة منه إلى وكيل الجمهورية المختصّ أصبح من الممكن إعلامه بوقوع الجريمة بطريقة موازية لطريقة الاحتجاج والمتمثلة في إعلام النيابة العمومية من البنك المركزي.
ويتعيّن في هذا الصدد معرفة القيمة القانونية لكلّ من الاحتجاج ومن الشهادة بعدم الدفع المحررة من البنك المسحوب عليه والمبلغة للبنك المركزي في إثبات وقوع الجريمة وتوفرّ ركنها المادي.
فبالنسبة للاحتجاج ونظرا لصفة المأمور القائم به فإن شهادته على رفض أداء الشيك بعد إطلاعه على أصله ثابتة بإطلاعه على أصل الشيك المرفوض أداءه الذي هو في حوزة حامله طالب الاحتجاج وتلقى من الصيرفي المسحوب عليه ما يفيد رفض الأداء مع البيانات المدلى له بها ولذلك فإن وقوع الجريمة ثابت بالاحتجاج وهو حجّة كافية لإثارة الدعوى العمومية والمحاكمة وصدور الحكم غيابا على الساحب المتهم عند بلوغ الاستدعاء إليه قانونيا وعدم حضوره الجلسة.
أما الشهادة التي يقيمها البنك المركزي ويعلم بواسطتها النيابة العمومية بوقوع الجريمة فإنها تفتقر لقيمة الإثبات القانونية والسالفة الذكر ولا تكون حجّة كافية للتتبع ولصدور الحكم غيابيا على المتهم الذي لم يحضر الجلسة رغم بلوغ الاستدعاء إليه لعدم كفاية الحجّة.
وتكون لوثيقة إعلام البنك المركزي قيمة الإخبار الواصل لوكيل الجمهورية من سلطة وصل لعلمها ارتكاب الجريمة أثناء مباشرة الوظيفة طبقا لأحكام الفصل 29 من مجلة الإجراءات الجزائية وعندها يكون لوكيل الجمهورية حق ممارسة الدعوى العمومية على غرار ما يقوم به في الجرائم بصفة عامّة.
رأينا إلى هذا الحدّ أن المعنى بالإمتناع من الأداء وبالدرجة الأولى هو حامل الشيك لأنه مجبور في هذه الحال على إقامة الإحتجاج الذي هو بمثابة الشهادة في عدم الأداء ويترتب عنه ـ وجوبا ـ إعلام الساحب بعدم الوفاء وإعلام النيابة العمومية بوقوع الجريمة.
وقد أعطى القانون عدد 31 لسنة 1970 للبنك المركزي صفة لإعلام النيابة العمومية بوقوع الجريمة ومصلحة في أن لا يقع الإعلام عن جميع حالات إصدار الشيك بدون رصيد إلا ما يراه البنك المركزي من الضروري إعلام وكيل الجمهورية حسب تقديره الشخصي.

ـ القانون عدد 46 لسنة 1977 وطرق الإثبات
أما القانون عدد 46 لسنة 1977 المؤرخ في 2 جويلية 1977 فإنه أحدث شهادة في عدم الأداء لها أهمية كبرى لأنها تقوم حسب هذا القانون مقام الإحتجاج وتتضمن:
ـ نسخة حرفية للشيك والتظهيرات التي يحملها.
ـ بيان الأسباب التي حالت دون الدفع.
ـ ذكر إنعدام الرصيد أو نقصانه إذا اقتضى الأمر ذكر الأسباب الأخرى التي قد تحول دون الدفع كالمخالفات للقواعد الشكلية (23) أو عدم مطابقة التوقيع (للأنموذج المودع لدى الصيرفي والمعارضة وكل مانع مهما كان نوعه صادر من الساحب أو من الغير كبيان أسباب إنعدام الرصيد إذا كانت هذه الأسباب خارجة عن إرادة الساحب.
ويجب أن تبيّن الشهادة عنوان ومهنة الساحب ومكان وتاريخ ولادته إذا كان من الممكن معرفتها.
ويجب أن يوقع الشهادة شخص مؤهل لذلك.
كما أوجب التنقيح الوارد بالقانون عدد 46 لسنة 1977 المذكور على محرّر الشهادة في عدم الأداء القيام بالإجراءات التالية:
1 ـ أن يوجه الشهادة في عدم الآداء في أجل ثلاثة أيام إلى النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية التي يوجد بدائرتها المصرف المسحوب عليه.
2 ـ أن يبلغ في نفس الأجل نظيرا من الشهادة في عدم الأداء إلى الساحب بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ وهذا النظير يقوم مقام إنذار للساحب بالدفع ويحتوي على أمر الساحب بأداء الشيك أو توفير الرصيد في أجل عشرة أيام وإلا وقع تتبعه عدليا.
3 ـ أن يوجه إلى البنك المركزي نظيرا آخر من الشهادة ليتمكن من جمع التصريحات الخاصة بعوارض الدفع (24)
بعد أن تمّ التعرّض لشهادة عدم الأداء المحدثة بالقانون عدد 46 لسنة 1997 لشروط تحريرها وأجل توجيهها إلى النيابة العمومية والساحب والبنك المركزي فإنه لم تذكر إلى هذا الحدّ الجهة المعنية بهذه الإجراءات ولذا يبقى قائما السؤال المتعلق بمعرفة الشخص الذي يحمله القانون المذكور واجب تحرير الشهادة وتوجيهها لم ذكر ؟
لقد نص الفصل 410 من المجلة التجارية طبقا لتنقيحه بالقانون المذكور على أن واجب تحرير شهادة عدم الأداء وتوجيه نظائر منها لمن ذكر يتحمله:
أولا: كل صيرفي يعرض للأداء شيكا ظهره لأمره حريف له قصد قبضه ويقابل بإمتناع الصيرفي المسحوب عليه الشيك من الدفع كليا أو جزئيا لإنعدام الرصيد أو لنقصانه. 
ثانيا: الصيرفي المسحوب عليه الشيك عند عرضه للأداء من المستفيد بنفسه.
1) بخصوص الصيرفي حامل الشيك بدون رصيد فإن في تحميله الواجب المذكور تحميل لنفس أكثر مما في وسعها.
لئن كان الزامه بتحرير شهادة يبيّن فيها ـ وجوباـ عنوان ومهنة الساحب ومكان وتاريخ ولادته إذا كان من الممكن معرفتهما أمر معقول فإن مطالبته بتوجيه نظير من الشهادة في عدم الأداء إلى الساحب بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ في أجل ثلاثة أيام من تحريرها أمر غريب إذا كان لا يعرف عنوان الساحب ! 
من المؤكد أن الذي يعرف عنوان الساحب هو الصيرفي المسحوب عليه لأن الساحب حريفه له ولديه ملف الحساب المفتوح بمؤسسته أما الصيرفي حامل الشيك بدون رصيد فإنه غير بالنسبة للساحب ولا صفة له في توجيه نظير الشهادة إليه ولا في إنذاره بالدفع وفي أمره بالأداء أو توفير الرصيد في أجل عشرة أيام وإلا وقع تتبعه عدليا.
والملاحظ أن توفير الرصيد على فرض وقوعه يقع لدى صيرفي غير صاحب الإنذار والأمر وهو الصيرفي المسحوب عليه الذي له علاقة تعاقدية مع الساحب تمكنه من معاملته بالصفة السالفة الذكر.
2) أما بالنسبة للصيرفي الذي عرض عليه الشيك للوفاء المستفيد نفسه فإنه لا يوجد إلى تاريخ صدور القانون عدد 46 لسنة 1977 وهو يوم 2 جويلية 1977 نصا قانونيا يلزم هذا الصيرفي باعتباره مسحوب عليه أن ينصّ على الشيك ما يثبت العرض ويترك أثرا مكتوبا أو يحرر شهادة في عدم الأداء وعليه فإن الجواب عن العرض يكون مشافهة مثل العرض نفسه لا يترك الرفض أثرا مكتوبا.
والملاحظ أن التنقيح الجديد يعطي للإعلام بعدم الدفع قوة إثبات الإحتجاج مع توجيه شهادة الدفع مباشرة إلى النيابة العمومية من طرف البنوك نظيرا منها للبنك المركزي وهي شهادة مبتورة لا تفي بحاجة النيابة العمومية والبنك المركزي.

ـ  القانون عدد 88 لسنة 1985 وطرق التنفيذ 
لقد تدارك القانون عدد 88 لسنة 1985 المؤرخ في 11 أوت 1985 الخطأ الذي وقع فيه القانون عدد 46 لسنة 1977 ذلك بأن جعل المصرف المسحوب عليه والذي يمتنع من الدفع كليا أو جزئيا وليس المصرف الحامل لشيك ملزما عوضا عن المصرف الحامل للشيك(25)  على أن:
1 ـ يثبت تاريخ العرض على ظهر الشيك
 2 ـ يحرّر حينا شهادة في عدم الدفع تتضمن بيانات معيّنة.
3 ـ يوجه المصرف المسحوب عليه نظيرا من تلك الشهادة إلى البنك المركزي في أجل ثلاثة أيام عمل من تاريخ تحريرها
4 ـ يسلّم المصرف المسحوب عليه نسخة من الشهادة للمستفيد
5 ـ يحتفظ بنظير ثالث لفائدة النيابة العمومية (26)
6 ـ يوجه المصرف المسحوب عليه إلى الساحب الذي يعرف عنوانه بملفه بالبنك وذلك في أجل الثلاثة أيام المذكورة إعلاما بواسطة عدل منفذ يتضمن:
أ ـ نسخة حرفية من الشهادة في عدم الدفع المذكورة
ب ـ إنذار الساحب بأن يقوم في أجل أقصاه أربعة أيام عمل بالمؤسسات المصرفية بداية من تاريخ إبلاغه إلى شخصه أو وضعه بالمقرّ المصرّح به للمصرف عند عدم العثور عليه دون أي إجراء آخر بدفع مبلغ الشيك إلى المستفيد مباشرة وفي هذه الصورة يتحتم الآداء للمصرف المسحوب عليه بكتب معرف بالإمضاء أو محرّر من مأمور عمومي قبل مضي أجل التسوية أو توفير الرصيد بالمصرف المسحوب عليه ودفع خطية في كلّ الحالات (27)  لهذا المصرف مساوية لخمسة عشرة في المائة من المبلغ الكامل للشيك أو للنقص دون أن تقلّ عن عشرين دينارا وع مصاريف محضر الإعلام وإلا جرى تتبعه عدليا وأن عليه الإمساك من إستعمال صيغ الشيكات التي بيده بداية من تاريخ إبلاغ الإعلام إليه(28)
هذا وأن مصاريف الإعلام يسبقها المصرف المسحوب عليه ويقبضها من الساحب الذي يتحملها.
ويعلم المصرف المسحوب عليه البنك المركزي بوقوع التسوية
7 ـ على المصرف المسحوب عليه أن يوجه ثلاثة أيام من إنقضاء أجل التسوية إلى النيابة العمومية لدى المحكمة الإبتدائية الكائنة بمقرّه ملفا يشتمل على:
أ ـ شهادة عدم الدفع
ب ـ محضر الإعلام المتضمن للإنذار
ت ـ ذكر ما يثبت التسوية من عدمها
ث ـ نسخة من البيانات المتعلقة بالساحب وبالشيك والتظهيرات وتاريخ العرض وانعدام الرصيد.
وبذلك أصبح يحصل العلم للنيابة العمومية بإرتكاب جريمة إصدار شيك بدون رصيد عن طريق المصرف المسحوب عليه الشيك وهي قناة الإعلام الرئيسية.
أما القناة الإستثنائية فهي الصورة التي أبقت للإحتجاج قيمة إثبات عدم الدفع وللعدل المنفذ مهمة القيام بالإحتجاج وما ينجرّ عنه وهي الصورة التي يمتنع فيها المصرف المسحوب عليه من تحرير شهادة في عدم خلاص الشيك أو يمسك عن توجيه الإعلام للساحب عندها يمكن للمستفيد اللجوء في مثل ـ هذه الحال ـ إلى الإحتجاج بمقرّ المصرف المسحوب عليه.
وعلى العدل المنفذ المحرّر للإحتجاج أن يوجه في أجل ثلاثة أيام من تاريخ تحرير الإحتجاج:
1 ـ إعلاما للساحب والإ يكون محلّ مؤاخذة شديدة وهي العزل وغرم الضرر وأداء المصاريف للمتضرر.
ويجب أن يتضمن الإعلام الموجه للساحب من العدل المنفذ نقلا حرفيا للشيك والتظهيرات وبيانا لتاريخ العرض وإنعدام الرصيد أو نقصانه أو عدم قابليته للتصرف والأسباب الأخرى التي حالت دون الدفع عند الإقتضاء.
ويجب أن يتضمن إنذار الساحب بأن عليه أن بدفع الشيك في أجل أقصاه أربعة أيام عمل بالمؤسسات المصرفية بداية من تاريخ إبلاغ الإعلام إلى شخصه أو وضعه بمقره المصرّح به للمصرف عند عدم العثور عليه دون أي إجراء آخر.
2 ـ   كما يجب على العدل المنفذ أن يوجه في أجل ثلاثة أيام من تاريخ الإعلام نسخة من الإحتجاج في عدم الدفع ونسخة من الإعلام إلى:
ـ النيابة العمومية
ـ والبنك المركزي

   ـ  القانون عدد28  لسنة 1996 وطرق الإثبات
لقد حمّل القانون عدد 28 لسنة 1996 المؤرخ في 03 أفريل 1996 المصرف المسحوب عليه شيك بدون رصيد واجب دعوة الساحب في نفس اليوم بواسطة برقية أو تلكس أو فاكس أو بأية وسيلة أخرى شبيهة تترك أثرا كتابيا إلى توفير الرصيد بحسابه أو جعله قابلا للتصرف فيه وذلك في أجل أقصاه ثلاثة أيام عمل مصرفية من تاريخ الإمتناع عن الدفع.
يحرّر وجوبا خلال يوم العمل المصرفي الموالي لإنقضاء أجل الدعوة المذكور المصرف المسحوب عليه الشيك عند عدم إستجابة الساحب للدعوى المذكورة شهادة في عدم الدفع ويقوم بالإجراءات السابق ذكرها.
 أما إعلام الساحب بواسطة العدل المنفذ أصبح أجل تبليغه أربعة أيام عوضا عن ثلاثة أيام.
ويوجه الصيرفي المسحوب عليه الملف إلى النيابة العمومية في نفس الأجل.

ـ  القانون عدد 37 لسنة 2007 وطرق الإثبات
لقد إستثنى القانون عدد 37 لسنة 2007 المؤرخ في 04 جوان 2007 من قاعدة لزوم القيام بالإحتجاج في الحالات المتعلقة بإصدار الشيك بدون رصيد (29) التي أحدثها القانون السابق عدد 22 لسنة 1966 عند تنقيحه بالفصل 411 ثالثا من المجلة التجارية والتي تمّ التعرض لها في هذا الموطن.
ولذلك أصبح يتوفر الركن المادي للجريمة بطريقة إقامة الشهادة في عدم الأداء التي يحررها المصرف المسحوب عليه عند إمتناعه من الأداء وبطريقة إعلام الساحب بواسطة عدل منفذ يوجهه له المصرف المذكور.
وهكذا فبعد أن كان إرتكاب جريمة الشيك بدون رصيد يثبت ماديا بالإحتجاج أو بشهادة عدم الأداء وإعلام الساحب فقد مكنت بعض القوانين ساحب الشيك بدون رصيد من تسوية وضعيته بتكليف يطلق عليه لفظ التسوية له تأثير عن الجريمة وعلى توفر ركنها الأساسي.
التسوية:
إن المقصود بالتسوية هي واجبات يفرضها القانون على ساحب الشيك بدون رصيد يقوم بها في أجل معيّن حتى لا يتعرض للمؤاخذة الجزائية وتتمثل في خلاص الشيك مع فائض وخطية بنسبة مائوية من قيمة الشيك مع المصاريف ويقع تتبعه إذا لم يقم بهذه الواجبات.
وهكذا أصبحت الوسائل الأساسيـة التي تثبت إرتكاب الجريمة هي:
1 ـ شهادة عدم الأداء
2 ـ إعلام الساحب بإنعدام الرصيد كليا أو جزئيا
3 ـ شهادة في عدم التسوية التي أضافتها القوانين المنقحة للمجلة التجارية.
ومعلوم أن المجلة التجارية أقرت وقت صدورها إجراء الإحتجاج الذي يقوم به العدل المنفذ بطلب من حامل الشيك والذي يثبت الإمتناع من الدفع وهو بمثابة الشهادة في عدم الأداء.
والملاحظ أن نسخة الإحتجاج الموجهة للساحب تشتمل التنبيه عليه بدفع قيمة الشيك.
كما أن المقصود بهذا التنبيه ليس إعلام الساحب بأن الجريمة لا تتوفر أركانها إلا إذا قام بالأداء الماذون به لأن إرتكابها يتم بمجرّد عرض الشيك على المصرف المسحوب عليه وإمتناعه من الآداء لإنعدام الرصيد كليا أو جزئيا.
لم يبق لهذا التنبيه فائدة فيما يخص توفر أركان الجريمة سوى أن الإستجابة لتوفير الرصيد أو خلاص المستفيد مباشرة   تكون من أسباب تخفيف العقاب
وهكذا فإن أحكام المجلة التجارية لا تتفق مع التسوية إعتبارا للمبدإ الذي أقرته والقاضي بأنه لا يجوز منح أي إمهال على وجه الفضل (30) إلا إذ حال دون عرض الشيك أو إقامة الإحتجاج في الآجال المقرّة حائل لأمر له وجود نصّ قانوني أو غير ذلك في ظروف القوة القاهرة فإن الآجال تمدّد في هذه الصورة (31)
وبداية من صدور القانون عدد 46 لسنة 1977 المؤرخ في 2 جويلية 1977 فإن الصيرفي الذي يعرض للأداء شيكا ظهره لأمره حريف له قصد قبضه ويقابل بإمتناع الصيرفي المسحوب عليه من الدفع كليا أو جزئيا لإنعدام أو نقصان الرصيد يكون مجبورا على تحرير شهادة في عدم الأداء يوجه نظيرا منها في أجل ثلاثة أيام إلى الساحب بواسطة مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ وتقوم هذه الشهادة مقام الإحتجاج الذي يقيمه العدل المنفذ.
من الثابت أن هذا المصرف لا يوجد به حساب مفتوح باسم الساحب ولذا فإنه لا يمكن للمسؤول عن هذا المصرف توجيه شهادة عدم الأداء لأنه يجهل كل البيانات المتعلقة بها وخاصة عنوان الساحب الذي يجب أن يوجه له نظيرا من شهادة عدم الأداء ويأمره فيه بأداء الشيك أو توفير الرصيد (32)
ورغم أن هذا القانون هو بداية مسلسل التسوية فإنه لم يستعمل هذه اللفظة معتبرا أن توقيف التتبعات يتمّ إذا أثبت الساحب أنه تولى في أجل العشرة أيام من تاريخ الشهادة في عدم الأداء
1 ـ خلاص الشيك أو توفير رصيد كاف
2 ـ دفع الخطية القانونية(33)  المساوية لعشرة في المائة من المبلغ الكامل للشيك في حالة إنعدام الرصيد ومن المبلغ الناقص من الرصيد في حالة إنعدام الرصيد ومن المبلغ الناقص من الرصيد في حالة نقصانه ولا يمكن أن يكون مبلغ الخطية في الحالتين أقل من عشرين دينارا يقبضها ساحب الشيك بدون رصيد أما الصيرفي العارض للأداء أو الصيرفي المسحوب عليه حسب الحالة.
ويتضح من هذا التنقيح أن الجريمة ترتكب قانونا بمجرد إمتناع المصرف المسحوب عليه من أداء الشيك وإن إثارة الدعوى العمومية لا يعطلها أجل العشرة أيام الممنوح للساحب.

القانون عدد 82 لسنة 1985 المؤرخ في 11 أوت 1985
لقد نقص هذا القانون في أجل التسوية من عشرة أيام إلى أربعة أيام عمل وزاد في نسبة الخطية من عشرة في المائة إلى خمسة عشر في المائة دون أن تقلّ عن عشرين دينارا.
كما حمل هذا القانون واجب تحرير الشهادة في عدم الدفع للمصرف المسحوب عليه الشيك بدون رصيد كتابة تاريخ العرض بظهر الشيك وإنذار الساحب بواسطة عدل منفذ وضمن الإعلام بدفع مبلغ الشيك إلى المستفيد أو توفير الرصيد بالمصرف المسحوب عليه ودفع الخطية لهذا الأخير.
والملاحظ أنه خلافا للمقتضيات التي تمّ إلغاؤها بهذا التنقيح أن أجل التسوية يعطل إثارة الدعوى العمومية لأن الملف الموجه للنيابة العمومي يشتمل على شهادة عدم الدفع ومحضر الإعلام المتضمن للإنذار وما يثبت التسوية من عدمها ونسخة من البيانات المتعلقة بالساحب وإن التسوية تنقرض بمقتضاها الدعوى العمومية.
و إن لم يتعرّض القانون لوسيلة إثبات إنقراض الدعوى العمومية بموجب التسوية فإن المبادئ العامة للإجراءات الجزائية يقضي بأن يحال ملف جريمة إصدار الشيك بدون رصيد على المحكمة المختصة ولو وقعت التسوية لأن المحكمة هي التي لها صلوحية الحكم بإنقراض الدعوى للسبب المذكور.

القانون عدد 100 لسنة 1988 المؤرخ في 10 أوت 1988
لقد أعطى هذا القانون لساحب الشيك بدون رصيد فرصة ثانية لتحقيق إنقراض الدعوى العمومية وذلك عندما مكّنه ـ في صورة عدم حصول التسوية ـ إبتداء من يوم إنتهاء التسوية وقبل تاريخ أول جلسة لدى المحكمة ودون تجاوز مدّة شهر من يوم إنتهاء الأجل المذكور بدفع خطية لفائدة الدولة بالمصرف المسحوب عليه تساوي خمسين في المائة من قيمة الشيك أو تدفع تلك النسبة من باقي قيمته ولا يمكن أن يقل مبلغ الخطية عن ثلاثين دينارا
إن التسوية المقترحة من القانون المذكور على الساحب غريبة من كل النواحي
لقد سبق للقانون المنقح لأحكام المجلة التجارية قبل القانون الحالي أن منح الساحب أجلا أقصاه أربعة أيام عمل ليدفع مبلغ الشيك أو باقي الرصيد مع خطية مساوية لخمسة عشرة في المائة ولم يفعل.
ثمّ يمكنه القانون الجديد من أجل آخر لا تتجاوز مدّته القصوى في كلّ الحالات شهرا واحدا ليدفع خطية قدرها خمسون بالمائة من قيمة الشيك أو من باقي قيمة الرصيد دون أن يقل مبلغها عن ثلاثين دينارا والمصاريف كل ذلك توصلا إلى إنقراض الدعوى العامة
إن هذا الإجراء غريب من كل النواحي
إن أهمّ الأسباب التي حالت دون تحقيق التسوية في المرّة الأولى هو عجز الساحب الذي ثبت بعدم أداء قيمة الشيك وقت الإدلاء به للوفاء ثمّ تأكد هذا العجز حين لم يتم إزدادت الأداءات من أجل الزيادة في قيمة الدين بنسبة خمسة عشرة في المائة والمصاريف.
 وكان من المؤمل أن يكون العرض الموجه للساحب في المرّة الأخيرة منحصرا في أداء الدين مع تخفيض بنسبة يرضى بها حامل الشيك وبدون خطية ومصاريف فإذا بالطلب يتعلق هذه المرّة بخلاص الشيك وخطية قدرها خمسون في المائة من قيمة الدين والمصاريف (34)
إن كانت الخطية عقابا ماليا يسلط على الجاني بعد إرتكاب الجريمة ومن أجلها فلا يمكن أن تكون الخطية سببا تنقرض به الدعوى العمومية ولا يعاقب الجاني رغم ثبوت جريمته لأن الخزينة إستفادت بمقابل ذلك.

القانون عدد 28 لسنة 1996 المؤرخ في 03 أفريل 1996
أوجب هذا القانون على المصرف المسحوب عليه عند الامتناع من الدفع أن يدعو الساحب يوم العرض بوسيلة تترك أثرا كتابيا إلى توفير الرصيد بحسابه في أجل أقصاه ثلاثة أيام و يوجه إليه عدل منفذ لينذره بأن يقوم خلال أربعة أيام عمل من تاريخ الإعلام بخلاص الشيك والمصاريف علما وأن العدل المنفذ منح هو الآخر أجلا قدره أربعة أيام من تاريخ إتصاله بالإعلام لتبليغه للساحب
وقد مكن هذا القانون الساحب من إمكانية ثانية عند عدم حصول التسوية وهي دفع مبلغ الشيك أو باقي قيمته وفائض بنسبة سبعة عشر بالمائة وخطية تساوي عشرين بالمائة والمصاريف لكي تنقرض الدعوى العمومية بموجب هذا الإجراء الذي يتمّ خلال ثلاثة أشهر بداية من إنتهاء أجل التسوية وقبل تاريخ صدور الحكم
إن تمّ التنقيص من نسبة الخطية في هذا القانون فإنه لم ينس الدائن ومكنه من فائض يتسبب في عدم الوفاء لأنه فأحش وكثيرا ما يكون حامل الشيك في حاجة إ والجدير بالملاحظة أنه تبعا لما سبق ذكره فإن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تثبت بثبوت ركنها المادي إلاّ في المدة التي اشترط فيها المشرع ثبوت سوء نيّة الساحب لعقابه وبذلك ـ إستعادت بصفة صريحة ـ جريمة الشيك بدون رصيد ركنها المعنوي بالإضافة إلى ركنها المادي.

               الركن المعنوي لجريمة الشيك بدون رصيد
من المعلوم أن الركن المعنوي لجريمة الشيك بدون رصيد لا يقصد به إلحاق الضرر بالمستفيد أو الحامل وإنما علم الساحب بعدم وجود الرصيد أو عدم كفايته وقت سحب الشيك وهو يتجسم أساسا في سوء نيّة الساحب.
إن موضوع حسن نية من يسحب شيكا بدون رصيد وسوء نيته لم تتعرض له المجلة التجارية وقت صدورها بصفة صريحة.
وبصدور القانون عدد 31 لسنة 1970 المؤرخ في 07 جويلية 1970 أصبح الفصل 411 من المجلة التجارية لا يعاقب كل من أصدر شيكا بدون رصيد إلا إذا كان بسوء نيّة.
أما القانون عدد 46 لسنة 1977 المؤرخ في 02 جويلية 1977 فإنه بالتنقيح الذي أدخله على الفصل 411 من المجلة التجارية رجعت به الحال لما كانت عليه وقت صدور المجلة.
ولم تتيسر معرفة الموقف الرسمي من هذا الموضوع إلا من خلال الأعمال التحضيرية والمداولات المتعلقة بالقانونين المذكورين (35)
ويبدو بخصوص هذا الموقف أنه غير متفق مع نصوص المجلة المتعلقة بهذا الموضوع وقت صدورها لذا يتمّ التعرّض:
1 ـ الركن المعنوي للجريمة في المجلة التجارية
2 ـ الركن المعنوي للجريمة في القوانين المنقحة لأحكام المجلة التجارية.
والجدير بالملاحظة أنه تبعا لما سبق ذكره فإن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تثبت بثبوت ركنها المادي إلاّ في المدة التي اشترط فيها المشرع ثبوت سوء نيّة الساحب لعقابه وبذلك ـ إستعادت بصفة صريحة ـ جريمة الشيك بدون رصيد ركنها المعنوي بالإضافة إلى ركنها المادي.

الركن المعنوي في المجلة التجارية
لا يوجد في أحكام الشيك بالمجلة التجارية ما يتعارض مع إعتبار الشيك المسحوب بدون رصيد شيكا صحيحا يعرّض ساحبه للعقاب التالي:
1 ـ إن كان الساحب على سحن نية وقت إصدار الشيك بدون رصيد فإن عقابه هو الخطية وقدرها ستة في المائة من مبلغ الشيك (36) وإذا كان مبلغ الرصيد أقل من قيمة الشيك فإن الخطية لا يمكن أن تتجاوز الفرق بين مبلغ الرصيد وقيمة الشيك. 
ولا يجوز أن تكون أقل من دينار واحد طبقا لأحكام الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 409 من المجلة التجارية وقت صدورها.
2 ـ إن كان الساحب على سوء نية وقت إصدار الشيك بدون رصيد فإنه يستوجب نفس العقوبات المقرّرة للإحتيال والمنصوص عليها بالفصل 291 من القانون الجنائي بدون أن تكون الخطية أقل من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته طبقا لأحكام الفقرة الأولى والثانية من الفصل 411 من المجلة التجارية وقت صدورها.
وزيادة عن وجود السند القوي لهذا الرأي في القانون (37) فإنه يوجد ما يعزّزه ضمنيا ويجعله مستساغا ومنسجما مع الأحكام العامة الجزائية للشيك في المجلة رغم إقتضاب النصوص وتضاربها.
عندما ينصّ الفصل 411 من المجلة التجارية وقت صدورها على أن:
" كل من أصدر شيكا ليس له رصيد يستوجب نفس العقوبات المقرّرة للإحتيال والمنصوص عليها بالفصل 291 من القانون الجزائي بدون أن تكون الخطية أقل من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته."
فإن هذا النص يفيد بصفة لا لبس فيها أن الأصل في ساحب الشيك أنه على حسن نيّة طبقا للقواعد العامة والجزائية (38) للشيك ولو كان بدون رصيد.
أما عند ثبوت سوء نية ساحب الشيك بدون رصيد فإنه يستوجب العقوبات المقرّرة لمن تحيّل والمنصوص عليها بالفصل 291 من المجلة الجزائية (39)
وهكذا فان المشرع حين وضع الأحكام الجزائية المتعلقة بالشيك في المجلة التجارية ولم ينصّ عليها في المجلة الجزائية فإنه قصد بذلك إخراجها عن الإطار الجزائي العام لأنها قواعد خاصة نظرا لعلاقتها بالميدان المالي والإقتصادي.
وبخصوص عقاب ساحب الشيك بدون رصيد فإنه عندما يستوجب نفس عقوبات الإحتيال فذلك لأن سوء نيته يجعله متحيلا لذلك يسلط عليه العقاب المنصوص عليه بالمجلة الجزائية وهذا يفيد أن من سحب شيكا بدون رصيد عن سوء نية لا فرق بينه وبين المتحيل المعقاب بالفصل 291 من المجلة الجزائية.
والدليل الآخر يوجد في نصّ الفصل 411 من المجلة التجارية وقت صدورها وفي فقرته الأولى وهو:
"يستوجب نفس العقوبات المقرّرة للإحتيال والمنصوص عليها بالفصل 291 من القانون الجزائي بدون أن تكون الخطية أقل من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته
وفي فقرته الثالثة:
"كل من قبل عمدا تسلم شيك صادر في الأحوال المشار إليها بالفقرة السابقة مع علمه بذلك"
لا يمكن بحال أن يعاقب الإنسان من أجل جريمة قبول تسلم شيك عمدا مع علمه بأنه بدون رصيد إلا إذا سبق ثبوت إدانة الساحب بأنه كان على علم بانعدام الرصيد و لم يكن له لدى الصيرفي المسحوب عليه الشيك رصيد قابل للتصرف فيه وقت إصدار الشيك.
إن ثبوت تعمّد المستفيد على قبول تسلم شيك بدون رصيد يثبت من باب أولى وأحرى أن ساحب الشيك قد تعمّد إصداره وليس له رصيد أي أنه كان على سوء نية
ويعاقب الساحب بصفته فاعل أصلي في حين يعاقب المستفيد سيئ النية بصفة شريك.
وعليه فإن هذه الصورة تظهر بجلاء وجوب البحث عن سوء نيّة الساحب ـ في هذه الحال على الأقل ـ وهو أمر لا يبرّر عقاب الساحب بصفة آلية بالعقاب المنصوص عليه بالفصل 411 من المجلة التجارية بمجرد أن يصدر شيكا بدون رصيد دون البحث عن سوء نيّته.
هذا وان تحيل من قبل عمدا تسلّم شيكا بدون رصيد مع علمه بذلك يتجسم بالخصوص في الحالات التالية:
ـ عندما يظهّر المستفيد الشيك لفائدة حامل فإنه يسلّم دون ريب ولا شك للمظّهر له حسن النيّة شيكا وهو يعلم مسبقا أنه بدون رصيد.
ـ عندما يعرض الشيك للأداء المستفيد نفسه على الصيرفي المسحوب عليه وهو يعلم عدم وجود الرصيد ورفض الأداء فإنه يكون بذلك قصد الأضرار بالساحب ويجعله مستوجبا لعقوبات جريمة الشيك بدون رصيد.
تلك إذا هي الأسانيد القانونية الصريحة والضمنية التي تفيد بصفة واضحة أن ساحب الشيك تستوجب العقاب بخطية قدرها ستة في المائة من مبلغ الشيك إذا كان حسن النيّة وبعقاب التحيّل إذا كان سيء النيّة.
ورغم وجاهة هذا الرأي فإنه لا يوجد له أثر في التطبيق ـ حسب علمي ـ منذ صدور المجلة التجارية سنة 1959 إلى صدور القانون 31 المؤرخ في 03 جويلية 1970.
علما وأن النصّ القاضي بعقاب من أصدر شيكا بدون رصيد بخطية قدرها ستة في المائة من مبلغ الشيك لم يقع إلغاؤه إلا بالقانون عدد 42 لسنة 1985 المؤرخ في 11 أوت 1985

          الركن المعنوي والقوانين المنقحة لأحكام المجلة التجارية
1 ـ الركن المعنوي والقانون عدد 31 لسنة 1970
لقد نقح القانون عدد 31 لسنة 1970 المؤرخ في 07 جويلية 1970 الفقرة الثانية من الفصل 411 من المجلة التجارية وأصبح نصها يقضي بأن يعاقب بعقوبات التحيل المنصوص عليها بالفصل 291 من المجلة الجزائية:
"كل من أصدر بسوء نية شيكا ليس له رصيد سابق قابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو إسترجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو حجر على المسحوب عليه الدفع في غير الصور المنصوص بالفصل 374 من المجلة وهي حالتي ضياع الشيك وسرقته أو تفليس الحامل"
وبما أن نص الفصل 409 من المجلة الذي يقضي بعقاب من أصدر شيكا بدون رصيد بخطية قدرها ستة في المائة من مبلغ الشيك لم يقع إلغاؤه ولذا فإنه ينطبق على كل من أصدر بحسن نية شيكا ليس له رصيد...
وقد أفاد ممثل الحكومة صاحبة مشروع تنقيح (40) المجلة التجارية بالقانون عدد 71 لسنة 1970 جوابا على أسئلة النواب أن:
" كل شخص يصدر شيكا كأنه أصدر ورقة مالية لذا ينبغي أن تكون هاته الورقة قابلة للدفع وبناء على ذلك فإن كل من أصدر شيكا بدون رصيد أو كان رصيده غير كاف يحمل على سوء نية.... ونحن أردنا أن نخفف نوعا ما من هذه الوطأة وأدخلنا معنى حسن النية.
والملاحظ أن هذا الجواب يدلّ على هشاشة الإقتناع بضرورة إثبات سوء نية ساحب الشك بدون رصيد لكي يعاقاب وهو أمر أكده التنقيح الواقع بالقانون عدد 46 لسنة 1977.

2 ـ   الركن المعنوي والقانون عدد 64 لسنة 1977
لقد ألغى القانون عدد 64 لسنة 1977 المؤرخ في 2 جويلية 1977 الفقرة الثانية من الفصل 411 من المجلة التجارية والتي تنصّ على انه يستوجب نفس العقوبات المقرّرة لجريمة الإحتيال من أصدر بسوء نية شيكا بدون رصيد سابق وأصبحت تنص بعد التنقيح على أنه يعاقب بعقوبات الإحتيال كل من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق.
وبهذا التنقيح رجعت الحال بالنسبة لموضوع سوء نية الساحب وحسن نيته إلى ما كانت عليه قبل التنقيح الوارد بالقانون عدد 31 لسنة 1970 المؤرخ في 03 جويلية 1970

وتفيد الأعمال التحضيرية للقانون 64 لسنة 1977 (41) أن لجنة التشريع العام بمجلس النواب بعد أن طلبت من الحكومة إستيضاحا ورد عليها جوابا يفيد أن: "الركن الأدبي لجريمة تعمّد تسليم شيك بدون رصيد يكون واضحا إذا تقاعس المتهم أو عجز عن تزويد حسابه في هذا الأجل المناسب (علما وأن مشروع القانون يمنح للساحب أجلا قدره عشرة أيام لتكوين الرصيد) وعندها يتضح التعمد مع سوء النية عند إمضاء الشيك وتسليمه فتقوم عندئذ أركان الجريمة ضدّه"
وتأكد هذا الرأي في الجواب عن الإستيضاح الثاني:
"إذا مضى أجل العشرة أيام ولم يسدّد فيه المبلغ الذي قدم في شأنه الشيك يعتبر صاحبه عن سوء نية وتكون العقوبة صارمة وليس للمحكمة إعتماد أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية (42)
وقد برّر ممثل الحكومة في ردّه على أسئلة النواب قائلا: بالنسبة لنا رأينا وقد تحدثنا الإحصائيات وأن الشيك بدون رصيد في تكاثر وأن المواطن غير شاعر بأهمية الشيك ويستهتر به وقد لاحظنا هذا.......
" ورأينا أيضا أنه بالنسبة للمحاكم فإن ركن سوء النية وحسن النية ربما يجعل القاضي في حيرة للوقوف على إثبات ذلك وعلى النيابة العمومية أن تقوم بإثبات ذلك لأنها هي الطالب والحجة على من إدعى ولذا فإنها مجبورة على إثبات النية الأثيمة المنصرفة إلى التحيل لأن إصدار الشيك بدون رصيد له أركان التحيل وهو متحيل حقيقة ولذا رأت الحكومة إعطاء المواطن هذه المدة المعينة أي أجل على وجه الفضل مدّته عشرة أيام..." لتوضيح موقف المواطن فإن كان على سوء نية أي كان يعتقد عند إصداره الشيك أنه عاجز على تبرئة ذمته حتى ولو بعد عشرة أيام فإن سوء النية والتعمد هنا واضح...
فإن هذه الأيام العشرة هي لصالح العدل إثباتا لسوء النية لكن إن قام المواطن بخلاص هذا المقدار نتيجة لوجود خطإ في تسهيل التعامل أو أن البنك في خلاف مع حريفه أو أن المواطن الموظف الذي كان يعتقد أن له مالا وظهر عكس ذلك أو أنه سحب عدّة صكوك وإذا به قد أخطأ نتيجة النسيان فأعطيناه أجل عشرة أيام فإذا كان حقا على حسن نية ما عليه إلا أن يزود حسابه وينتهي الأمر (43)
" لذلك وقع حذف سوء النية من غير شك لأن هذه الحالة أصبحت واضحة وقائمة وعند الإحالة ليس للمحكمة النظر في سوء أو حسن النية وليس على النيابة العمومية إثبات سوء النية والتعمد لأن الركن الأدبي متوفر هنا وعلى المحكمة التصريح بالإدانة"
وعلى الحاكم أن يحترم التشريع وإلا إنتصب مشرعا ولذا أصبحت المحكمة مقيدة بالنسبة للأدلة ولتطبيق القانون"
هذا إذن المفهوم الرسمي لسوء النية بالنسبة لساحب الشيك بدون رصيد وقد تعزّز بالتنقيح الواقع لأحكام المجلة التجارية بالقانون عدد 82 لسنة 1985

3 ـ الركن المعنوي والقانون عدد 82 لسنة 1985
لقد أنهى القانون عدد 82 لسنة 1985 المؤرخ في 11 أوت 1985 وجود السند القانوني في المجلة التجارية المتعلق بعقاب من أصدر بحسن نية شيكا بدون رصيد وعقاب من أصدر بسوء نية شيكا بدون رصيد وذلك حين ألغي الفصل 409 من المجلة التجارية المتعلقة بمخالفات أحكام الشيك وعقابها وعوضه بفصل جديد حذفت منه الفقرتان الثالثة والرابعة (44) وعوضتهما بفقرة ثالثة وأخيرة ونصّها:
" كل هذا بقطع النظر عن العقوبات الأخرى الواجب تسليطها طبقا للفصل 411 وما بعد من هذه المجلة "
وتأكد بهذا التغيير الرأي القاضي بعقاب كل من أصدر شيكا بدون رصيد بالسجن والخطية دون بحث عن سوء نيّته لأنه محمول عليها أصلا الأمر الذي جعل إرتكاب جريمة إصدار شيك بدون رصيد يثبت بمجرد ثبوت الركن المادي لأن الركن المعنوي ثابت أصلا في الساحب وهو على سوء نيّة عند عدم الوفاء وعلى الدوام.
                          إرتكاب الجريمة وآثارها 
إن كانت ترتكب الجريمة بصفة عامة بمجرد ثبوت أركانها القانونية فإن إرتكاب جريمة الشيك بدون رصيد له خاصيات في المجلة التجارية وقت صدورها تغيرت في كلّ مرّة بالقانون المنقح لأحكامها والذي كان له تأثير على طبيعة أركان الجريمة وشروط توفرها.
فبخصوص الآثار المترتبة على إرتكاب جريمة الشيك بدون رصيد من المعلوم أنه يترتب على وقوع الجريمة بصفة عامّة دعوى عمومية تهدف إلى تسليط عقاب مستقر ركنه الشرعي ودعوى مدنية تهدف إلى جبر الضرر الحاصل من الجريمة لا غير فإن للدعوى العمومية وللدعوى المدنية وللعقاب شروط في جريمة الشيك بدون رصيد.
لـذا يتمّ التعرض الدعوى العمومية ـ أولا ـ والدعوى المدنية ـ ثانيا ـ وللعقاب ـ ثالثا ـ عند إرتكاب جريمة الشيك بدون رصيد.

الدعـوى العموميــة
من المعلوم أن إثارة الدعوى العمومية من خصائص وكيل الجمهورية لدى المحكمة الإبتدائية المختصة وأن له ـ بصفة عامّة و قبل الإثارة ـ حق معاينة الجرائم وإجراء بحث أولي على سبيل الإسترشاد لجمع الأدلّة وله حق إجراء أعمال التحقيق في الجنايات والجنح المتلبس بها.
ومعلوم أيضا أن أعمال الأبحاث الأولية سواء قام بها وكيل الجمهورية بنفسه أو بواسطة أعوان الضابطة العدلية يستعملها في ممارسة حق الإجتهاد في تقرير مآل القضية(45) .
فهل تتبع هذه الإجراءات عندما تتعلق الجريمة بإصدار شيك بدون رصيد ؟
إن الطرق التي يصل بها العلم لوكيل الجمهورية بوقوع جريمة الشيك بدون رصيد منصوص عليها بالمجلة التجارية وبالقوانين المنقحة لأحكامها خلال الخمسين سنة الماضية وهي حسب القانون المنطبق العدل المنفذ إذا قرّر حامل الشيك إجراء الإحتجاج والبنك المركزي إذا رغب في ذلك والمصرف حامل الشيك والمصرف المسحوب عليه.
لئن سبق أن ذكرنا بخصوص الدعوى العمومية أن القانون يعطي وكيل الجمهورية بصفة صريحة حرية الإجتهاد في تقرير مآل القضية موضوع أعمال البحث التي قام بها بنفسه أو التي أنهيت إليه بمعنى أنه يمكنه إثارة الدعوى العمومية وعدم إثارتها إلا أنه بالـرجوع إلى مداولات مجلس النواب والأعمال التحضيرية المتعلقة بهذا الموضوع (46) يتضح أن موقف الحكومة هو تحريك الدعوى العمومية وجوبا في جريمة الشيك بدون رصيد.
لقد صرّح وزير العدل قائلا: " إن إثارة الدعوى العمومية محتمة بمجرّد إعلام النيابة العمومية بأن مواطنا قد سحب شيكا ولم يوجد بحسابه بالبنك ما يفي بالحاجة فإن على النيابة العمومية أن يقوم بإجراء التتبع وعليها كذلك إثارة الدعوى العمومية (47)"
والملاحظ أنه بالإضافة إلى ما ذكر فإن القانون يعطي وزير العدل الحق في أن يأذن بإجراء التتبعات سواء بنفسه أو بواسطة من يكلفه (48)
ورغم أن الفصل 411 من المجلة التجارية يعطي النيابة العمومية عند التعهد بجريمة الشيك بدون رصيد حق إستعمال الإجراءات المتبعة في حالة التلبس (49) إعتبارا للظرف فإنه يحصل العلم لوكيل الجمهورية بالجريمة هذه عندما يحال عليه ملفها من الهيئة المؤهلة لإعداده حسب القانون المنطبق وعندها تتقرّر الإثارة والتتبع.
والملاحظ أن بعض القوانين التي نقحت أحكام المجلة التجارية علّق الإثارة والتتبع على عدم تسوية الساحب لوضعيته في الأجل الممنوح له وهو ما يعرف بالتسوية وتأثيرها على الدعوى العمومية والتتبع والحكم.
والجدير بالملاحظة أن القانون عدد 37 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007 المتعلق بتنقيح وإتمام بعض أحكام المجلة التجارية أحدث إجراءا جديدا يتعلق باعتراض الساحب على أداء الشيك موضوع السرقة أو الضياع في الفصل 410 ثالثا مكرر الذي عوض كما يلي:
"على المصرف المسحوب عليه شيك في صورة إمتناعه عن الدفع لإعتراض الساحب أن يحرر شهادة في عدم الدفع طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 410 ثالثا من هذه المجلة ويوجه خلال الثلاثة أيام عمل مصرفية الموالية نظيرا منها إلى الحامل والساحب والبنك المركزي. كما عليه أن يحتفظ بأصل الشيك ويوجهه خلال نفس الأجل مع نظير من شهادة عدم الدفع إلى وكيل الجمهورية المختص."
ورغم وضوح النصّ المذكور فقد وقع شرحه في التقرير المشترك بين لجنة التشريع :
    كما برر التقريرالمذكور التنقيح المقترح بما يلي: "يطرح الإعتراض على خلاص الشيك من أجل السرقة أو الضياع في ظلّ ما أفرزه التطبيق العملي للتشريع الحالي، إشكاليات تتمثل في أن البنك مجبر على إرجاعه إلى حامله في حين أن الشيك قد يكون مدلسا أو مسروقا. فإذا أرجع الشيك لحامله توفرت له فرصة ليتفصّى من المؤاخذة الجزائية بإخفاء الشيك.
كما أن النيابة العمومية تحيل ملفّ الشيك دون رصيد مباشرة على المحكمة دون الإلتفات إلى موضوع الإعتراض على خلاصه أو فتح بحث في شأنه. وتظل قضية الشيك  دون رصيد جارية ضد الساحب المعترض على الخلاص.
وقد يؤول هذا الأمر إلى صدور أحكام بالسجن من أجل إصدار شيك بدون رصيد بالرغم من أن الشيك قد سرق أو دلّس.
وعلى هذا الأساس تضمن مشروع القانون تمكين البنك من حجز الشيك موضوع الإعتراض وإحالته على النيابة العمومية التي تفتح بحثا في خصوصه تتوقف بموجبه التتبعات في شأن الشيك إلى حين البت فيه."
يفهم مما سبق بيانه أن التنقيح أملته مصلحة الساحب المهدد بالمحاكمة من أجل إصدار الشيك بدون رصيد والحكم عليه بالعقاب في حين أن الساحب إعترض  على خلاص الشيك.
والملاحظ أن هذا التنقيح يشتمل على خطإ بيّن مرده إهمال للمعنى القانوني لبعض الألفاظ المتعلقة بالشيك ومنها بالخصوص لفظ الشيك ولفظ الساحب ولفظ الحامل.
فلفظ الشيك يفيد قانونا أحدى صيغ الشيكات التي سلمها الصيرفي لحريفه الذي فتح بمؤسسته حسابا يجري العمل به بالشيك وتولى الحريف التنصيص بها على البيانات المتعلقة بها وبعد إمضائها وتسليمها للمستفيد الحامل وبالتسليم تصبح صيغة الشيك شيكا.
أما لفظ الساحب فإنه يطلق قانونا على مالك صيغة الشيك بعد القيام بما سلف تشخيصه وتسليمها للمستفيد أو الحامل وبذلك يتضح انه لا يطلق قانونا لفظ الساحب إلا على من أصدر الشيك وسلّمه أي خرج من قبضته وأصبح في حوزة المستفيد الحامل وملكا له.
أما لفظ المستفيد أو الحامل فقد يطلق قانونا على الشخص الذي انتقلت اله ملكية الشيك ويمكنه عرضه حالا على المصرف المسحوب عليه للأداء
إن كان هذا هو المدلول القانوني لكل من لفظ الشيك والساحب والمستفيد والحامل فكيف يمكن أن يسرق الشيك في الواقع والقانون أو يضيع وهو عند الساحب.
إنها عملية مستحيلة لأنه لا يوجد الشيك قانونا لدى ساحبه وإنما لدى حامله الذي تسلمه وعملية سرقة الشيك أو ضياعه لا تعني الساحب علما وأن الشيك يبقى لدى الحامل ولا يرجع للساحب إلا إذا تولى خلاصه مباشرة وليست هي الصورة المعينة بالتنقيح الجديد لأن الشيك يبقى لدى المصرف المسحوب عليه بعد أدائه لإثبات الوفاء.
من هنا يتضح أن عملية سرقة الشيك أو ضياعها لا يكون ضحيتها إلا حامل الشيك.
لكن إن كان الأمر ذلك فما هو معنى نصّ الفصل 411 من المجلة التجارية الذي يقتضي منذ صدور المجلة يوم 5 أكتوبر 1959 إلى هذا التاريخ:
"أن يعاقب الساحب الذي يحجر على المسحوب عليه الدفع في غير صورتي ضياع الشيك أو سرقته بعقوبات الساحب الذي يصدر شيكا بدون رصيد".
يفيد هذا النص بصفة لا لبس فيها أن ساحب الشيك لا يمكنه بحال أن يعترض لدى المصرف المسحوب عليه على خلاص الشيك بعد أن سلمه للحامل سواء كان الرصيد موجودا أم لا لأن سحب الشيك يفيد وجوب الوفاء لدى الإطلاع دون أن يعطله أي شرط يتعلق بعدم وجود الرصيد أو نقصانه أو بالإعتراض المتعلق بالعلاقات الشخصية بين الساحب والمستفيد أو الحامل.
وإذا لم يقع الوفاء من أجل معارضة الساحب يعتبر الشيك بدون رصيد ويعاقب الساحب بالعقوبات المقررة لمن أصدر شيكا بدون رصيد ولو وجد الرصيد.
أما ما تضمنه الفصل 411 من المجلة التجارية من أنه يمكن للساحب أن يحجر على المصرف المسحوب عليه الدفع عند سرقة الشيك أو ضياعه فإنه يتعلق بصورة معينة وهو أن عملية السرقة أو الضياع حدثت بعد إن سلّم الشيك لحامله وفي هذه الحال مكن المشرع الضحية أي الحامل القيام بالإجراءات التالية لتلافي ضياع الشيك أو سرقته.
من المعلوم أن حامل الشيك لا يمكنه الإعتراض على خلاص الشيك عند سرقته أو ضياعه لأن الإعتراض يتمّ لدى المصرف الذي يتولى خلاص الشيك عند تقديمه للأداء وحامل الشيك غير بالنسبة لهذا المصرف وعلاقته به يجسمها الشيك المفقود.
لذلك عندما يعارض الساحب لسبب غير ضياع الشيك وسرقته فإنه يجب على الحاكم الإستعجالي حتى ولو في حالة القيام بدعوى أصلية أن يأذن بإلغاء المعارضة بطلب من الحامل طبقا للفصل 347 من المجلة التجارية
أما في حالة ضياع الشيك أو سرقته يمكن لمالكه أي حامله حسب الفصل 379 من المجلة أن يطالب بدفع قيمته بموجب نسخة منه ثانية أو ثالثة ورابعة وغيرها على توالي الترتيب (50)
وإذا لم يتمكن من أضاع الشيك أو سرق له من إحضار النسخة المذكورة يجوز له أن يطالب بدفع قيمة الشيك الضائع أو المسروق وأن يتحصل على ذلك بدفع قيمة الشيك الضائع أو المسروق بمقتضى إذن على عريضة بعد أن يثبت ملكيته للسند بدفاتره وأن يقدم ضمانا عنه وحتى يحافظ مالك الشيك الضائع أو المسروق على جميع حقوقه فإنه يمكنه إثبات حقوقه باحتجاج يحرر على الأكثر في أول يوم العمل التالي لانقضاء أجل العرض  (51)وتوجيه الإخطارات بعدم الدفع للساحب والمظهرين في خلال أربعة أيام التالية ليوم إقامة الإحتجاج أو ليوم العرض عند وجود شرط الرجوع بلا مصاريف.
وتبعا للإخطار الواقع للساحب فإن هذا الأخير يقوم باعتراض على أداء الشيك الضائع أو المسروق لفائدة الحامل الذي لا علاقة له بالمصرف المسحوب عليه وذلك حتى لا يتم الأداء لمن تولى سرقته أو الحصول عليه بعد ضياعه.
لئن كان هذا هو مفهوم إعتراض الساحب على أداء الشيك عند ضياعه وسرقته وسببه فإن الإجراء الذي أحدثه القانون عدد 37 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007 في الفصل 410 ثالثا لا يفيد إعتراض الساحب على شيك سلم للحامل وإنما يفيد إعتراض شخص على صيغة شيك ضاعت أو سرقت له يعترض لدى البنك الذي سلمه صيغ الشيكات حتى لا تقدم له الصيغة المسروقة أو الضائعة بعد التنصيص بها على مبالغ هو غير مدين بها وأسماء أشخاص لا علاقة له بهم وهي صورة إذا تحققت ينطبق عليها الفصل 411 مكرر من المجلة التجارية الذي يعاقب بالسجن مدّة عشرة أعوام وبخطية قدرها إثنا عشر ألف دينارا دون أن تقلّ على مبلغ الشيك من زيّف أو زّور شيكا ولا ينطبق عليها الفصل 411 من نفس المجلة الذي يعاقب بالسجن مدّة خمسة أعوام وبخطية تساوي أربعين بالمائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته كل من اعترض على خلاص شيك لدى المسحوب عليه في غير صوّر السرقة والضياع.
ولذا عندما يعترض الساحب على الوفاء من أجل ضياع الشيك أو سرقته لغير مصلحة الحامل الذي أخطره يستوجب الساحب عندئذ عقاب من أصدر شيكا بدون رصيد سواء وجد الرصيد أو لم يوجد.
ومن الثابت أن التنقيح الجديد أعطى الساحب المذنب فرصة يتوصل بها إلى حرمان حامل الشيك من أصله رغم عدم وجود الرصيد الذي يوجه إلى وكيل الجمهورية وبذلك ينجو المجرم من التتبع الجزائي ولو بصفة مؤقته وتوجه التهمة على الضحية وهو الحامل والبريء بأنه سرق الشيك أو استعمله لخاصة نفسه بعد الحصول عليه صدفة في حين أنه حامله الشرعي ومالكه القانوني.             
وتحقيقا لذلك فإن المصرف المسحوب عليه الذي يرفض من أجل إعتراض الساحب أداء الشيك المعروض عليه من المصرف يطلب من هذا الأخير أصل الشيك ليوجهه إلى وكيل الجمهورية طبقا للتعليمات الواردة من البنك المركزي موضوع منشورة عدد 18 / 2007.
وهكذا إن ترتب على إرتكاب جريمة الشيك بدون رصيد دعوى عمومية فإنه يترتب عليها أيضا دعوى مدنية.






















الدعوى المدنية

من المعلوم أنه يترتب على إرتكاب الجريمة بصفة عامة دعوى عمومية هدفها تطبيق العقوبات ودعوى مدنية لجبر الضرر عند وقوعه.
ويمكن للمتضرّر القيام بالدعوى المدنية في ان واحد مع الدعوى العمومية أو منفردة لدى المحكمة المدنية وفي هذه الصورة يتوقف النظر في المدني إلى أن يقضى بوجه بات في الدعوى العمومية التي وقعت ممارستها.
ولا شك في أن إصدار الشيك بدون رصيد هو جريمة يعاقب عليها الفصل 411 من المجلة التجارية لذا يترتب عليها زيادة عن الدعوى العمومية دعوى مدنية لأن من تسلم شيكا عن حسن نية ويقابل بعدم الوفاء من المسحوب عليه يتضرر حتما من الجريمة.
وقد إشترط فقه القضاء لقبولها أن يتوفر ما يثبت حصول الضرر للقائم بالدعوى المدنية شخصيا وأن يكون الضرر ناشئا مباشرة عن الجريمة (52)
ولم يكتف المشرع بإعطاء هذا الحق للمتضرر من جريمة الشيك بدون رصيد بل وسع مفهوم الضرر وأعطى القائم بالحق الشخصي حقوقا تمكنه من المطالبة لدى المحكمة التي تنظر في الدعوى العمومية بمبلغ يساوي قيمة الشيك زيادة عما له من حق المطالبة بغرم الضرر عند الإقتضاء يضاف لكل ذلك التدابير الأخرى التي تضمن الخلاص بطرق ناجعة وسريعة (53)
والملاحظ في الواقع عدم إقدام المتضرّر من جريمة إصدار الشيك بدون رصيد على القيام بالدعوى المدنية في أن واحد مع الدعوى العمومية للأسباب التالية:
 أولا ـ أن حامل الشيك بدون رصيد قد لا يستدعى عادة من الهيئة المتعهدة بالنظر في الجريمة ليحضر أعمالها ويتمكن من القيام بالحق الشخصي.
 ثانيا ـ يتجسم في حرص النيابة العمومية المعهود على أن يطبق القانون على كل مجرم وبالخصوص على ساحب الشيك بدون رصيد وهو حرص مشفوع بحرص المشرع الذي لا يقل شأنا في أن يتحقق خلاص حامل الشيك ولو في أجل مناسب رغم معارضة المبادئ العامة له.
ومن أجل ذلك وقع إهمال المفهوم الصحيح للشيك ومخالفته بعد أن كان أداة وفاء لدى العرض فأصبح الوفاء من الممكن أن يتم قانونا خلال أجل يمنحه المشرع للساحب لتسوية وضعيته وتوفير الرصيد.
 والملاحظ أن العناية التي يجدها حامل الشيك قبل محاكمة الساحب وعندها هي عناية لا يجدها المتضرر من جريمة أخرى (54)
وغير خفي أن الجهود تظافرت لإعلام الساحب قبل المحاكمة بعدم الوفاء وإنذاره بوجوب توفير الرصيد بوسائل متعددة لا يسبق حامل الشيك بصفته الدائن أتعابها ولا يشارك في مصاريفها.
والجدير بالملاحظة عدم مراعاة بعض القواعد الإجرائية الأساسية في محاكمة ساحب الشيك بدون رصيد وذلك بقصد التوصل إلى وقوع الخلاص.
 فبمجرد إثارة الدعوى العمومية وإستدعاء المتهم للجلسة يصبح همّه الوحيد هو الإتصال بحامل الشيك قصد الحصول على شهادة خلاص عند الإمكان.
ولاشكّ في أن خلاص الحامل هو أهم مقوّم للقضية الجزائية المتعلقة بالشيك بدون رصيد لأنه يعطيها نهج سيرها دون مراعاة للمبادئ الإجرائية.
والملاحظ أنه لا تقبل للمتهم وسائل دفاع شكلية أو موضوعية إلا بعد الإدلاء بما يفيد     ـ بالخصوص ـ وقوع خلاص الحامل سواء مباشرة أو بواسطة التأمين.
كما أن المحكمة المتعهدة بالقضية لا تنظر في الشكل قبل أن يدلى لها بما يفيد أداء مبلغ الشيك والخطية والمصاريف وكل المتطلبات القانونية
ومن أجل ذلك يتبادر للذهن أن الهدف الأساسي من القيام بالدعوى العمومية هو تحقيق خلاص الساحب قبل عقابه.
كما يلاحظ في المحاكمة (55) أيضا التقيّد بعدم إثبات وقوع الجريمة بالوسائل التي تضبطها المجلة التجارية والتي لا يمكن تعويضها مبدئيا بوسائل إثبات أخرى رغم المبدإ القاضي بأنه يمكن إثبات الجرائم بأيّة وسيلة من وسائل الإثبات ما لم ينصّ القانون على خلاف ذلك أي أن وجدان الحاكم يستند إلى جميع وسائل الإثبات غير الممنوعة والتي لا رقابة لمحكمة التعقيب عليها.
ومعلوم أن وسائل الإثبات التي يتكون منها ملف المحاكمة تشتمل في السنوات الأخيرة أساسا على شهادة عدم الأداء وإعلام الساحب بذلك.
والملاحظ أيضا أنه لا يمكن للساحب معارضة وسائل الإثبات التي ضبطها القانون بوسائل معارضة ناتجة عن علاقته الشخصية بالمستفيد أو المظهر أو الحامل وكل ما هو مطلوب منه هو الادلاء بما يفيد خلاص الشيك والخطية والمصاريف وغير ذلك والإدلاء بوسائل الإثباتات المضبوطة قانونا.
هذا وأن الإدلاء للمحكمة بما يفيد الخلاص لم يكن له تأثير على إرتكاب الجريمة حسب أحكام المجلة التجارية وقت صدورها وإنما يكون له تأثير ـ في التطبيق ـ على العقاب الحكوم به وعلى تخفيفه.
ومن الثابت أن طبيعة وسائل الإثبات وتأثيرها على المحاكمة قد تغيرت بداية من صدور القانون الذي يمنح بمقتضاه المشرع للساحب أجلا لتسوية وضعيته.
لقد أصبح ملف المحاكمة يحتوي على وسيلتي الإثبات المعروفتين وهما شهادة عدم الوفاء أو ما يقوم مقامها وشهادة إعلام الساحب بذلك ولا يمكن أن يعارضهما المتهم إلا بما يفيد حصول التسوية التي ضبطها القانون وتتمثل أساسا في خلاص أصل الدين مع الفائض القانوني عند وجوده مضمنا بحجة رسمية أو بكتب معرف عليه بالإمضاء وخلاص المصاريف التي سبقها المصرف المسحوب عليه وخلاص الخطية عند الإقتضاء.
وبخصوص شهائد الإثبات سواء المتعلقة بوقوع الجريمة أو بوقوع التسوية فإن المشرع ضبط بصفة دقيقة كيفية إقامتها وإعدادها.
ولا يخفى أن العنصر الأول والأساسي لملف التسوية هو خلاص الشيك وهذا سبب آخر من الأسباب التي تجعل الحامل غير حريص على القيام بالدعوى المدنية في القضية الجزائية.
من المؤكد أن حامل الشيك عند قيامه بالدعوى المدنية غالبا ما يعارضه الساحب بدفوع تتعلق بالدين رغم أن مبدأ عدم المعارضة بالوسائل الشخصية لا يسمح للساحب بأن يثبت الوفاء لما يفيد إلا بالخلاص الفعلي.
ومع ذلك إن كان التقيد بالطريقة القانونية لإثبات خلاص الشيك لا يترك مجالا للساحب بأن يثبت الخلاص وسيلة أخرى الأمر الذي يجعله مجبورا على الخلاص مرّة ثانية لكي تنقرض الدعوى العمومية بموجب التسوية طبقا للقانون.
وهذا سبب من أسباب عدم قيام حامل الشيك بدون رصيد بالدعوى المدنية مع الدعوى العمومية.
من الثابت أنه لا وجود في القانون لما يتعارض مع إعتبار وسائل إثبات وقوع جريمة الشيك بدون رصيد من مشمولات ما تعرض له الفصل 154 من مجلة الإجراءات الجزائية حين أكد:" أن المحاضر والتقارير التي يحررها مأمورو الضابطة العدلية أو الموظفين أو الأعوان الذين أسند إليهم القانون سلطة معاينة الجنح والمخالفات تكون معتمدة إلى أن يثبت ما يخالفها وذلك فيما عدا الصور التي نصّ القانون فيها على خلاف ذلك وإثبات ما يخالف تلك المحاضر أو التقارير يكون بالكتابة أو بشهادة الشهود."
ومع ذلك فإن المحكمة لا تتولى النظر في الطعون الموجهة ضدّ وسائل إثبات جريمة الشيك بدون رصيد إلا بعد الإدلاء لها بما يثبت خلاص الشيك وهو ما يفقد الطعن أهميته ومن شأن هذا أن يتسع الدائن على القيام بالدعوى المدنية مع الدعوى العمومية.
والجدير بالملاحظة أيضا أن يعتمد في إثبات أركان جريمة الشيك بدون رصيد على أعمال شكلية متعدّدة وتنوعة حسب القانون المنطبق تقام في آجال مضبوطة تتغير مدتها من قانون لآخر.
لذلك توجد كثيرا أسباب جدية في جانب الساحب تضفي الشرعية على معارضته وتبرر إمتناعه من الوفاء مرّة ثانية وهو ما يجعل حامل الشيك بفضل عدم مجابهة الساحب في دعوى مدنية لأن المحكمة تعتمد أساسا في تسليط العاقب وتقديره على وقوع الأداء من عدمه وهو أمر يخدم مصلحته وهو بعيد عن المنازعة.
وفعلا ورغم أنها حالة نادرة فقد قبلت المحكمة إثبات وقوع التسوية بغير الوسائل التي تعرض لها القانون في إطار كان له أثر سلبي على الدعوى المدنية بإعتباره من الدواعي المشجعة على عدم القيام بها.
لقد صدر حكم جزائي من محكمة الإستئناف بقفصة إستندت فيه على وسائل إثبات غير التي ضبطها المشرع للقضاء ببراءة ساحب الشيك.
وتفيد وقائع هذه القضية أن المدعو محمد كان يتعامل مع المدعو عبد الحفيظ في تجارة التمور وذلك بأن يعطي عبد الحفيظ لمحمد في بداية كل موسم مبلغ عشرين ألف دينار نقدا لشراء كمية من التمور في حين يسلمه محمد شيكا بذلك المبلغ ويسترجعه منه بعد تمكين عبد الحفيظ بكمية من التمور بالقدر المذكور.
وتواصلت المعاملة بينهما إلى أن إدعى عبد الحفيظ في المرة الأخيرة وبعد توصله بكمية التمور أن الشيكالذي تسلمه قد ضاع.
ثم حرّرت فيه طبعا شهادة عدم الإدلاء وأعلم محمد بذلك وبدأ التتبع الجزائي من أجل إصدار شيك بدون رصيد.
إلا أن المدعو محمد فوجئ بعد مدّة بأن قدّم الشيك ممن إدعى ضياعه إلى المصرف لقبض مبلغه.
ونتيجة لشكاية تقدم بها المدعو محمد إلى النيابة العمومية وللبحث الذي أجري فيها أحيل عبد الحفيظ على القضاء الجزائي لمقاضاته من أجل إستخلاص الدين مرتين فصدر:
ـ أولا: الحكم الإبتدائي عدد 16082 الصادر من المحكمة الإبتدائية بتوزر بتاريخ 21 ديسمبر 1999 والقاضي معتبرا حضوريا بسجن عبد الحفيظ (أي المستفيد بالشيك) مدّة عام واحد من أجل إستخلاص دين مرّتين وتغريمه لفائدة الساحب القائم بالحق الشخصي المدعو محمد بمائة وخمسين دينارا أتعاب التقاضي.
ثانيا: الحكم الإستئنافي عدد 50891 الصادر من محكمة الإستئناف بقفضة بتاريخ 15 أفريل 2000 والقاضي نهائيا في الأصل بإقرار الحكم الإبتدائي وإجراء العمل به وحمل المصاريف القانونية على المستأنف.
ورغم ثبوت أن الدين الواقع إستخلاصه مرتين هو موضوع الشيك الذي عرضه عبد الحفيظ للوفاء فقد أحالت النيابة العمومية المدعو محمد لمقاضاته من أجل إصدار شيك بدون رصيد فصدر ضدّه من المحكمة الإبتدائية بتوزر الحكم عدد 16136 والمؤرخ في 04 جانفي 2000 القاضي إبتدائيا بسجن المدعو محمد مدّة خمسة سنوات وتخطأته بمبلغ الشيك (أي عشرين ألف دينار) والتحجير عليه إستعمال صيغ الشيكات مدة عام واحد وحمل المصاريف القانونية عليه.
 فإستأنف المدعو محمد هذا الحكم وصدر نتيجة لطعنه الحكم عدد 50971 من محكمة الإستئناف بقفصة بتاريخ 15 ديسمبر 2000 والقاضي نهائيا بقبول الإستئناف شكلا وفي الأصل بإقرار الحكم الإبتدائي وإجراء العمل به.
وقد تأسس الحكم على أن محمد لم يقم بتسوية وضعيته طبق مقتضيات القانون رغم إنذاره كما يجب ولذا فإن الإدانة ثابتة من الناحية القانونية ويتجه مع ذلك تسليط عقوبة سالبة للحرية من شأنها أن تكفل الردع وتحقق الجزر كما يتجه تخطأته بما لا يقل عن مبلغ الشيك.
فعقب محمد الحكم الإستئنافي المذكور فقررت محكمة التعقيب بقرارها عدد 9872 بتاريخ 12 جويلية 2001 النقض مع الإحالة.
فقضت محكمة الإحالة وهي محكمة الإستئناف بقفصة بحكمها عدد 62771 نقض الحكم الإبتدائي والقضاء مجددا بعدم سماع الدعوى (56)
  ويكون من الأنسب لو تمّ الإستدلال بوقائع القضية السابقة وبالأحكام الصادرة فيها في الموطن المخصص للركن المادي للجريمة ولوسائل إثبات وقوعها المتمثلة في الإحتجاج أو في شهادة عدم الأداء التي تقوم مقامه وفي إعلام الساحب بذلك إلا أن هذا الأمر غير ممكن لأن مبدأ عدم المعرضة بالعلاقات الشخصية لا يقبل الإستثناء الذي يمكن الساحب من إثبات إنعدام الرصيد بوسائل أخرى متصلة بالمعاملة الأصلية التي تنج عنها سحب الشيك.
ومن المؤكد أن تمكين الساحب من الإمهال لتسوية وضعيته خلافا لمقتضيات الفصل 406 من المجلة التجارية يسمح بمخالفة مقتضيات الفصل 407 من نفس المجلة وإعتبار قبول الدائن الوفاء بمقتضى شيك يتسلمه يتجدد معه الدين وبهذا نصل إلى العقوبات المستوجبة عند إصدار الشيك بدون رصيد.  



















العقوبات

أقرّ المشرّع وقت صدور المجلة التجارية في الفصل 411 أنّه:
" يستوجب نفس العقوبات المقرّرة للإحتيال والمنصوص عليها بالفصل 291 من القانون الجنائي (57) بدون أن تكون الخطية أقل من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته.
كل من أصدر شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أو بعضه أو حجر على المسحوب عليه الدفع في غير الصور المنصوص عليها بالفصل 374 من هذا القانون.
كل من قبل عمدا تسلم شيك صادر في الأحوال المشار إليها بالفقرة السابقة مع علمه بذلك
...
ويمكن في جميع الأحوال تجريد من ثبتت إدانتهم لمدة عشرة أعوام على الأكثر من الحقوق المنصوص عليها بالفقرة ب (رابعا) من الفصل 5 من القانون الجنائي (58) ومن حقوق الإقتراع ومن أن يكونوا ناخبين أو منتخبين كما يمكن صدور الحكم عليهم أيضا بتحجير الإقامة للمدة نفسها.
...
وفي حالة العود يجب الحكم بالتحجير الكلي أو الجزئي الذي ينال الحقوق المنصوص عليها بالفصل الخامس من القانون الجنائي الفقرة ب (رابعا) منه حقوق الإقتراع والحقوق التي تخول للشخص أن يكون ناخبا أو منتخبا
وتعتبر جميع المخالفات (المشار إليها آنفا) بالنسبة للعود كجريمة واحدة
...
وإذا تعهد قلم الإدعاء العمومي بإحدى المخالفات للأحكام المبينة أعلاه فيمكن له بإعتبار الظروف إستعمال الإجراءات المتبعة في حالة التلبس المقرّرة بالفقرة الخامسة من الفصل 115 من قانون المرافعات الجنائية (59) أو إجراءات الإحالة مباشرة على المجلس أو الإجراءات المفضية لفتح بحث عدلي وفي حالة إستئناف الحكم يجب فصل القضية في شهر واحد."

يتبيّن بعد الوقوف على نص العقوبات:
1) أن من يسحب الشيك وليس له الرصيد الكافي قد أحاطه المشرع بالقسط الوافي من كل العقوبات القانونية على إختلاف أنواعها سواء كانت سالبة للحرية أو للمال وسواء كانت أصلية أو تكميلية مع السرعة في إنجاز الإيداع بالسجن المؤقت باستعمال إجراءات التلبس في البداية وبالسجن النافذ بعد صدور الحكم من محكمة الدرجة الثانية في شهر واحد في النهاية.
2) أن المشرع يعتبر ساحب الشيك بدون رصيد على سوء نيّة من أصله لأن عقابه هو عقاب المتحيّل الذي ينص عليه الفصل 291 من المجلة الجزائية وهو السجن مدّة خمسة أعوام والخطية قدرها عشرة آلاف دينار في حين أن الفعلة التي يقدم على إرتكابها المتحيل هي أكثر خطورة وبشاعة من خطورة ما يتولى الساحب الإقدام عليه عند إصدار الشيك بدون رصيد.
ويبدو أن شدّة العقوبة منشؤها حرص رجال المال على أن تكون عملية تسلم الشيك مساوية حسابيا لعملية الوفاء التحتم عند عرضه على المصرف المسحوب عليه.
ويكون هذا الرأي مقبولا لو كان التعامل بالشيك موقوفا على رجال الأعمال وأصحاب الأموال وحدهم ولم يحشر ضعاف الدخل وقليلي المال في هذا الميدان وهم لا يعرفون تراتيبه ولا يفقهون خفاياه.
فبمجرد أن إستقلت البلاد أنشأت مصارف وطنية مهمتها الأساسية عمليات الإيداع والإدخار مهما كان مأتاها.
وتشجيعا لهذه المؤسسات أصبحت مرتبات الموظفين والعملة تودع بالمصارف كل شهر وبذلك يجبر أصحابها على فتح حسابات يتم التعامل فيها بالشيك.
وقد تسبب هذا الإجراء في إصدار شيكات قبل أن يرد مرتب الساحب للمصرف وبما أن القانون المنطبق يعتبره سيء النية من الأصل وبمجرّد إصدار الشيك وهي صفة لا تزول عنه ويصبح حسن النية إلا بعد الوفاء بالشيك لذلك لا مفرّ من العقاب بالسجن لمن أصدر هذا الشيك.
كما أن السهولة التي يجدها المتعاملون بالشيك في فتح الحساب لدى الصيرفي التي تمكنّه صيغ الشيكات المسلمة لهم على الحصول من بعض المؤسسات التجارية على معدّات وآلات يتولون ثمن خلاصها بواسطة مجموعة من الشيكات يحل أداءها على التوالي في أجل متفق عليه.
وكثيرا ما يتولى المشتري بيع ما اقتناه بثمن بخس يتولى قبضه حينا ويعجز بعد ذلك عن توفير الرصيد
لقد تفشت هذه الظاهرة ويعسر مقاومتها إلاّ بالتطبيق الحازم للقانون الموجود الذي يعاقب من تسلّم الشيك مع علمه بانعدام الرصيد بعقاب من أصدره.  
ولئن ميّز المشرع الدعوى العمومية المثارة من أجل إرتكاب جريمة إصدار شيك بدون رصيد بخاصيات تضمن سرعة المحاكمة وشدّة العقاب فإنه تفطن إلى أنها لم تضمن الإعتبار المرجو منه للشيك وعمد من أجل ذلك إلى تطوير العقوبات وجعلها تتأرجح بين التشديد والتخفيف وهو ما يتضح عند التعرض لتطور العقوبات. 



تغيير العقـوبــات

من الثابت أن العقوبات التي تعرضت لها المجلة التجارية وقت صدورها كانت محلّ تغيير بواسطة القوانين التي نقحت أحكامها.
1) لقد إعتبر المشرع بالتنقيح الوارد على الفصل 411 من المجلة التجارية بالقانون عدد 31 لسنة 1970 المؤرخ في 3 جويلية 1970 أن من أصدر شيكا بدون رصيد يستوجب نفس العقوبات المقررة للإحتيال وذلك عند ثبوت سوء نيّته
ليس من شك في أن يترتب عن هذا التنقيح نظرة جديدة للعقاب الذي يستحقه الساحب وترتاح له النفوس بعد أن أعطى المشرع لجريمة إصدار شيك بدون رصيد المفهوم الجديد الذي يستقيم واقعا وقانونا.
2) أما القانون عدد 46 لسنة 1977 المؤرخ في 2 جويلية 1977(60) فإنه أفسد ما أصلحه القانون السابق وذلك حين أعاد لنصّ الفصل 411 صياغته الأصلية وحذف بذلك عنصر سوء النيّة وأعاد للعقاب مفهومه المعهود.
ثمّ نصّ هذا التنقيح على عدم تطبيق قواعد ظروف التخفيف المنصوص عليها بالفقرات من 1 إلى 10 من الفصل 53 من المجلة الجزائية على كلّ من أصدر شيكا بدون رصيد وعلى كلّ من قبل عمدا تسلمّ شيك بدون رصيد.
وبعد أن كان مبنى الحكم بالتحجير الكلي أو الجزئي على الساحب والعائد المتعلق بالحقوق المنصوص عليها بالفصل الخامس من القانون الجنائي الفقرة ب (رابعا) أصبح السند القانوني التنقيح هو الفصل الخامس من القانون الجنائي الفقرة "ب" (سابعا)
لئن حاول ـ أيضا ـ هذا التنقيح إصلاح الغلط الواقع في السند القانوني لإجراءات التلبس الذي إعتبرها في الفصل 115 من قانون المرافعات الجنائية وهو في الحقيقة في الفصل 206 من هذه المجلة فقد إحتوى الإصلاح على خطأ جديد عندما اعتبر القانون المنطبق على إجراء التلبس هو قانون المرافعات الجنائية في حين أن هذا القانون قد ألغي بالفصل 2 من القانون عدد 23 لسنة 1968 المؤرخ في 24 جويلية 1968 وعوضه بمجلة الإجراءات الجزائية التي خصصت الفصول من 33 إلى 35 لحالات التلبس والإجراءات المتعلقة بها.
3) أما القانون عدد 82 لسنة 1985 المؤرخ في 11 أوت 1985 فقد ألغى كامل الفصل411 المتعلق خاصة بالأحكام الجزائية للشيك بدون رصيد وعوضه بالفصول 411 و411 مكرر إلى 411 سادسا
فبعد أن كان عقاب ساحب الشيك بدون رصيد هو العقاب المستوجب من المتحيّل والمنصوص عليه بالفصل 291 من المجلة الجزائية دون أن تكون الخطية أقل من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته أصبح يعاقب الساحب بالسجن مدّة خمسة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار دون أن تقل عن مبلغ الشيك أو باقي قيمته (61)
إضافة إلى أن هذا القانون أحدث جرائم شيك جديدة في الفصل 411 ثالثا لا تهم الموضوع (62) فقد إقتضى الفصل 411 رابعا بأن لا تضم العقوبات الواردة بهذا القسم لبعضها (63).
لا شك في أن منع ضمّ العقوبات يتسبب في صدور أحكام عديدة بالسجن على من أصدر شيكات بدون رصيد تفوق مدّتها الجملية المدّة المتبقية من حياته بكثير هذا ورغم سجنه مدى الحياة فإن من الثابت أن ما تبقى من عمره لا يفي بتنفيذ الأحكام الصادرة عليه.
إن عدم ضمّ العقوبات وضمّ الإجراءات غير مبرّر قانونا في جرائم الشيك بدون رصيد إعتمادا على القواعد المتعلقة بالموضوع والموجودة في المبادئ العامة للقانون الجزائي و في العمل القضائي.
إن في توحيد الإجراءات وضمّها لبعضها بعضا فائدة لا تنكر سواء بالنسبة لمصلحة القضاء أو لمصلحة الشخص المعاقب.
قد أكّد فقه القضاء ذلك وإستقرّ على أن ضمّ العقوبات لبعضها مبناه التخفيف على المعاقب عند تقدير عقابه عن كل جريمة من عديد الجرائم المنسوبة إليه على أن تعرض جميعها على محكمة واحدة و إلا تعذر الضمّ باعتباره تخفيفا في تقدير العقاب حسبما اقتضاه الفصل 56 من المجلة الجزائية

وقد أكدت هذا المعنى محكمة التعقيب حين قالت:
"الجرائم الواقعة لمقصد واحد ولها إرتباط ببعضها بعضا بحيث يصير مجموعها غير قابل للتجزئة تعتبر جريمة واحدة توجب العقاب المنصوص عليه لأشدّ جريمة منها" (64).    
4) أما القانون عدد 28 لسنة 1996 المؤرخ في 03 أفريل 1996 فإنه أدخل هذا القانون تغييرا على الخطية التي يستوجبها ساحب الشيك بدون رصيد فبعد أن كان قدرها ثلاثة آلاف دينار دون أن تقلّ عن مبلغ الشيك أو باقي قيمته أصبح يساوي مبلغ الشيك أو باقي قيمته.
وبذلك يكون هذا التنقيح قد شدّد العقاب المالي في الصورة التي يفوق فيها مبلغ الشيك ثلاثة آلاف دينار 
أما بخصوص موضوع ضمّ العقوبات لبعضها فإن التنقيح عالجه بطريقة فيها إعتراف بمساوئ قاعدة المنع من الضمّ وذلك حين إقتضى الفصل 411 رابعا فقرة أولى من المجلة التجارية أنه لا تضم العقوبات غير أنه إذا تجاوز مجموع العقوبات عشرين عاما سجنا فللمحكمة أن تضمّ هذه العقوبات لبعضها على أن لا يتجاوز الضمّ النزول بمجموع العقوبات إلى أقل من عشرين عاما سجنا
رغم أن الضمّ إختياري بالنسبة للمحكمة فإن مدّة العقاب بالسجن على من أصدر شيكا بدون رصيد هو خمسة سنوات وعلى من أصدر شيكات عديدة بدون رصيد هو عشرون عاما ولو فاق عددها المائة شيك في محاكمة واحدة.
5) أما القانون عدد 37 لسنة 2007 المؤرخ في 04 جوان 2007 فإن عنايته بساحب الشيك بدون رصيد سواء قبل دخوله السجن أو بعده تفيد الإعتراف بأن إصدار الشيك بدون رصيد لا يبرّر شدّة العقاب أو صرامته
ومع ذلك فقد أبقى هذا القانون مدّة العقاب بالسجن خمس سنوات مع تخفيظ في الخطية التي قدّرها بأربعين في المائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته على أن لا يقل عن عشرين في المائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته
وهو ما يستوجبه من سحب شيكا بدون رصيد ومن قبل تسلم الشيك مع علمه بانعدام الرصيد وكل من ساعد عمدا أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك بدون رصيد على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة تراتيب المهنة وواجباتها (65)

كما إقتضى هذا القانون بأن لا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية المتعلقة بالتخفيف على العقاب المالي.
كما حجر القانون على المحكوم عليه في كلّ الحالات وجوبا إستعمال جميع الشيكات غير التي تسلم لإنجاز سحب مباشر أو لشهادة إعتماد وذلك لمدّة أدناها خمسة أعوام بداية من قضاء العقاب أو سقوطه بمرور الزمن أو إسقاطه بالعفو ولا تطرح مدّة المنع التحفظي إلا إذا قرّرت المحكمة خلاف ذلك.
......

كما يسجل لهذا القانون إلغاء الأحكام المتعلقة بعدم ضمّ العقوبات لبعضها وعدم تطبيق الفصل 53 من المجلة الجزائية (قواعد ظروف تخفيف العقاب) في العقاب بالسجن وبالخطية كما ألغى الحق الممنوح للمحكمة في أن تسلط ما تراه من العقوبات التكميلية على الساحب.
ويتضح من هذا القانون تدرج المشرع نحو تخفيف العقاب على الساحب وتشديده على الصيرفي عوضا عن إتخاذ القرار المؤمل في عدم تجريم إصدار الشيك بدون رصيد.
تلك إذا هي العقوبات المستوجبة من ساحب الشيك بدون رصيد طيلة الخمسين سنة الماضية أما حصادها فإنه بالنسبة للأطراف المعنيين مباشرة بالشيك وهم الصيرفي والساحب والحامل وهو ما تقع محاولة بيانه في النهاية التالية:
                    
                      وفي النهـأيـة

ليس من شك في أن أصحاب المصارف والمؤسسات المالية هم أدرى من غيرهم بتقييم المنفعة المنجرة لقطاعاتهم من سياسة تجريم سحب الشيك بدون رصيد
أما تقييم ما ترتب على هذا التجريم من تعاسة وشقاء لمن سحب الشيك بدون رصيد أو لمن تسلمه بدون مقابل فإنه يعود أصلا لعلماء النفس والإجتماع والصحّة.
أما تقييم رجل القانون لتجريم إصدار الشيك بدون رصيد فمن الممكن إستنتاجه من الدراسة السابقة رغم عدم الإعتماد فيها على نتائج الإحصاءات المنشورة من المصالح المختصّة والمتعلقة بالشيكات بدون رصيد وحركيتها في الزمن وبعدد القضايا الجزائية الناتجة عنها وما فصل منها وما لم يفصل.
وإن مرد عدم الأخذ بنتائج هذه الإحصاءات هو الإعتقاد القوي بأنها لا تعكس الواقع وأنها لا تشمل كل جرائم المرتكبة والمتعلقة بالشيك بدون رصيد. 
علما أنه لا يمكن لهذه الإحصاءات ولغيرها أن تعكس صورة الهول الرهيب الذي يصيب الساحب سواء شملته الإحصاءات أم لم تشمله وسواء كان موضوع تتبع أو بقي ملفه على الرفوف منسيا.
والملاحظ أنه إن تمّ تعريف جريمة الشيك بدون رصيد وبعقابها فإنه لم يتمّ التعرف على مبررات التجريم لأنها تكمن في الوظائف الكبرى التي يقوم بها الشيك في الميدان الاقتصادي والمالي والتي لم يطلها المتعاملون به عندنا سواء وجد الرصيد أم لم يوجد.
ولا بدّ من الإعتراف بأن التعامل بالشيك عندنا لم يتعدى حدود قدراته الدنيا ووظائفه البسيطة المتواضعة.
ومن الثابت أن المجلة التجارية تعرضت لأحكام الشيك إلاّ أن أهمّها بقي نصوصا نظرية لا أثر لها في التطبيق.
لئن تضمنت النصوص أن الشيك ورقة فيها إذن بالدفع وأنه أداة سهلة التناول قادرة على نقل المال حينا من ذمة إلى أخرى وهو يقوم بوظيفة نقدية تسهل سحب الأموال وأن التعامل به يثبت الإبراء الذي يحتفظ بأدلته المسحوب عليه الذي تولى الأداء فإن هذه النصوص بقيت مفاهيم غير معروفة في المجتمع الذي وضعت له وخاصة من الناس الأكثر تعامل بالشيك. 
ومن المؤكد أن نيّة الإبقاء على التجريم مازالت قائمة رغم شدّة العقاب ورغم ضعف الشيك بعد أن تظافرت القوانين والتراتيب على إلحاقه به تدريجيا مع تجريده من المقومات التي تبرّر التجريم والعقاب حتى أصبح لا يمارس التعامل به إلا في أبسط معانيه.
لا يوجد فرق اليوم في المعاملات بين الشيك والإتفاق الأصلي الذي تسبب في إيجاده ولا يعدو أن تكون للشيك قيمة أكبر من قيمة الإتفاق الثنائي بين الدائن والمدين يضاف له تدخل المستفيد.
لقد أصبحت العلاقة الأصلية المجسمة في الشيك مجرد إتفاق ثلاثي بين الساحب والمسحوب عليه والحامل لا مجال فيه للإنتقال والتظهيره بأي عنوان كان (66)
وبعيدا عن كل النظريات نواصل الإستنتاجات مع البقاء في الواقع المعاش متعاملين مع ما هو مادي ومحسوس وهو الشيك في صيغته التي تسلم من المصرف لحريفه قصد استعمالها لإنشاء الشيك وسحبه.
وينبغي لذلك أن تقع محاولة الوقوف على الخدمات التي يسديها الشيك للمتعامل به بالرجوع إلى صيغته المذكورة ومن خلال البيانات المادية التي تكتب عليها.
ويتضح في المعنى المذكور أن صيغة الشيك بعد الإنشاء والسحب يشتمل وجهها دون ظهرها على أنواع ثلاثة من البيانات المكتوبة عليه
النوع الأول: يتعلق بالبيانات التي ضبطها القانون وأوجب كتابتها على صيغ الشيكات قبل تسليمها لصاحبها
النوع الثاني: يتعلق بالبيانات التي ضبطها القانون وأجبر الصيرفي على كتابتها إضافة للبيانات الأصلية الأولى.
النوع الثالث: يتعلق بالبيانات التي ضبطها القانون ويكتبها منشئ الشيك على صيغته والخاصة بالتعامل إضافة إلى البيانات الأصلية وبيانات الصيرفي.   
ويتضح مما سبق بيانه أن كل البيانات التي تكتب على صيغ الشيك يضبطها القانون.
وأن البيانات الموجودة على وجه الشيك بعد سحبه وتسليمه:
1) منها ما يكتب وجوبا على الصيغة ويصبح من مكونات الشيك الأساسية.
2) منها ما يكتبه الصيرفي ويضاف إلى البيانات الأساسية
3) منها ما يكتبه في النهاية منشئ الشيك وهي بيانات خاصة بموضوع هذا الشيك العملية تضاف إلى البيانات الأساسية وإلى بيانات الصيرفي.
والملاحظ أن البيانات الأصلية تعرض لها الفصل 346 من المجلة التجارية الذي لم ينقح طوال الخمسين سنة الماضية وهي:
1) ذكر كلمة شيك
2) التوكيل المطلق
3) إسم الشخص الذي يجب عليه الدفع (المسحوب عليه)
4) تعيين المكان الذي يجب فيه الدفع
5) الإشارة إلى تاريخ الشيك ومكانه
6) المكان المخصص لتوقيع من أصدر الشيك وهو الساحب
إن كانت قوّة الشيك تكمن في مضمون هذه البيانات فإن البيانات الأخرى التي سمحت بها القوانين المنقحة لأحكام المجلة التجارية وفرضتها بصفة غير شرعية الجمعية المهنية للبنوك قد ألحقت الهزال بالشيك وأفقدت التشريع من مبررات التجريم.
فبعد أن إتضح أن البيانات الأصلية لم تتغيّر يتعيّن الوقوف على ما تمّ بالنسبة للبيانات الأخرى:
1) لقد أوجبت المجلة التجارية وقت صدورها سنة 1959 على كلّ صيرفي إعداد صيّغ للشيكات تسلّم مجانا لأصحاب الحسابات الجاري فيها التعامل بالشيكات وأن يكتب على كلّ واحدة منها إسم الشخص الذي تسلم إليه وإلا يعاقب بخطية قدرها دينارا واحد عن كل مخالفة لهذا النصّ.
2) أما القانوني عدد 82 لسنة 1985 المؤرخ في 11 أوت 1985 فقد أوجب على كل مصرف إعداد صيغ شيكات منصوص بكل واحدة منها على إسم ولقب وعنوان صاحب الحساب أو إسم ومقرّ الذات المعنوية.
3) أما القانون عدد 28 لسنة 1996 المؤرخ في 03 أفريل 1996 فقد أوجب على كل مصرف أن يفتح حسابا يجري العمل به بالشيك لكل حريف يطلب منه ذلك.


ويقابل عملية فتح الحساب الوجوبي عدم جبر الصيرفي على تسليم صيغ شيكات لصاحبه لأنه:
1) بعد أن يفتح الحساب يسترشد المصرف قبل تسليم صيغ الشيكات لأول مرّة عن وضع صاحب الحساب لدى البنك المركزي.
2) وإذا لم يقع الردّ من البنك المركزي في ظرف ثلاثة أيام عمل يكون للمصرف الحق في تسليم صيغ الشيكات.
وحسب القانون عدد 28 لسنة 1996 المؤرخ في 03 أفريل 1996 فإن صيغ الشيكات التي يعدّها الصيرفي بصفة عامة تنص بكل واحدة منها على بيانات يحدّدها منشور صادر عن البنك المركزي
والجدير بالملاحظة أن هذه البيانات التي يحددها البنك المركزي لا علاقة لها بالبيانات الأصلية التي تضمنها الفصل 354 من المجلة التجارية و تبقى بيانات خاصة بالصيرفي.
كما سمح هذا القانون للمصرف إمكانية تسليم صيغ شيكات من نوع خاص مختلفة عن الصيغ العادية لبعض حرفائه وتكون من أحد الأنواع التالية:
1) صيغ ذات قيمة قصوى
2) صيغ مسطرة أو غير مسطرة منصوص عليها صراحة بأنها غير قابلة للتظهير إلا لفائدة مصرف أو مؤسسة مالية مماثلة أو لفائدة قابض مكتب بريدي أو محاسب عمومي.
3) صيغ لإنجاز سحب مباشر أو لشهادة إعتماد.
والملاحظ أن المصرف عندما يقرّر تسليم صيغ من الأنواع الثلاثة المذكورة فهذا يفيد إمتناعه من تسليم الحريف صيغ شيكات عادية أو شيكات على بياض.
ومن المؤكد أن هذا التنقيح أفرغ الشيك من معناه القانوني ومن قدرته على القيام بوظائفه الأصلية في الصورة التي يمتنع فيها المصرف من تسليم صيغ الشيكات العادية.
والجدير بالملاحظة أن صيغ الشيكات التي هي ليست من نوع الشيكات العادية لا يمكن بحال تجريم المعاملة بها كما لا يمكن بحال عقاب ساحبها لإنعدام الرصيد أو نقصانه وذلك لعلاقته القريبة بالمستفيد التي لا يمكن للشيك أن يتعداها وينتقل بعد التنقيح المذكور.
لا شكّ في أن هذا التنقيح ترتبت عنه آثار مخالفة للأحكام العامة للشيك المعتمدة في تجريم إصدار الشيك بدون رصيد.
وحتى تتبين أخطاء هذا القانون وتتوضح يجب التأكيد بأن الشيكات أنواع نذكر منها:
 1 ـ الشيك القابل للتظهير وهو المنصوص على وجوب دفعه إلى شخص مسمى بشرط صريح "للأمر أو بدونه"
2 ـ الشيك غير القابل للتظهير أي الإنتقال التجاري وهو المشترط دفعه إلى شخص مسمى مع شرط "ليس لأمر" أو شرط مماثل ولا يكون قابلا للإنتقال إلا حسب الإحالة العادية التي ضبطتها أحكام مجلة الإلتزامات والعقود مع التأكيد بأن هذا النوع من الشيكات لا يمكن أن يعاقب بالسجن والخطية ساحبه عند إنعدام الرصيد.
3 ـ الشيك المسطر ويسمي الشيك مسطرا بصفة عامة لوجود سطرين متوازيين في زاويته اليمنى والعليا وهو نوع ضبطته المجلة التجارية يكتسب هذه الصفة ويصبح نوعا من أنواع الشيكات بإرادة الساحب أو حامل الشيك لا بإرادة الصيرفي
ولذلك يختلف عن الشيك المسطر الذي سمح القانون عدد 28 لسنة 1996 للمصرف بإعداده وتسليمه لبعض حرفائه.
والملاحظ أن الشيك المسطر القانوني يختلف
ـ أولا: عن النوعين السابقين وذلك لإحتواء صيغة الشيك الخاصة بكل نوع منهما على بيانات تميّزها وتجعلها صيغة قابلة للإنتقال أو صيغة غير قابلة للإنتقال قبل أن يسلمها الصيرفي إلى الحريف ويختلف
ـ ثانيا:  عن الشيك المسطر الذي أحدثه القانون عدد 28 لسنة 1996 لأن الشيك القانوني المسطر لا يوجد السطران مكتوبان على صيغة الشيك التي يسلمها الصيرفي لحريفه وإنما يحدثهما الساحب أو الحامل.
أما الشيك المسطر الذي أحدثه القانون عدد 28 لسنة 1996 فإن التسطير يوجد بالصيغة قبل أن يسلمها الصيرفي لحريفه.
لقد تعرضت المجلة التجارية إلى الشيك المسطر في الفصول383 و384 و385 (67) وهي مأخوذة من أحكام القانون الفرنسي المؤرخ في 30 ديسمبر 1911 الذي أسس الشيك المسطر.
لقد أعطت المجلة التجارية في الفصول 383 و384 و385 حق تسطير الشيك للساحب أو الحامل فإذا بالقانون المؤرخ في 1996 يحرمهما من هذا الحق ويعطيه للصيرفي في نوع جديد من صيغ الشيكات المسطرة.
إن كان الشيك المسطر من الصيرفي نوع خاص لا تسلم صيغه إلا لمن لم يقبل الصيرفي تسليمه الشيك المفتوح فإن ما قامت به الجمعية المهنية لبنوك تونس جبر لحرفاء المصارف على أن يسلموا صيغ شيكات مسطرة من أصلها وغير قابلة للتظهير.
لقد وجهت الجمعية المهنية لبنوك تونس لرؤساء البنوك نسخة من محضر الجلسة المنعقدة يوم 14 مارس 2000 المتعلق بتطبيق الإتفاقية المبرمة بين البنوك بخصوص تسليم دفاتر صيغ الشيكات المسطرة وغير قابل التظهير مشفوعا
1) بقرار ينصّ فصله الوحيد على أن البنوك اتفقوا على أن لا يسلموا للحرفاء سوى صيغ شيكات مسطرة غير قابلة للتظهير إلا للمؤسسات المالية وذلك لتسهيل المقاصة بين البنوك.
2) برسالة موجهة من رئيس الجمعية المهنية لبنوك تونس مؤرخة في 02 مارس 2000 عدد 198 يطلب فيها من رؤساء البنوك أخذ التدابير اللازمة حتى لا يسلم للحرفاء إلا صيغ شيكات مسطرة وذلك بداية من غرّة مارس 2000.
إن قرار الجمعية التونسية للبنوك مخالف للدستور وللقانون لأن مجلس النواب وحده هو القادر على سنّ القوانين وتحويرها وإلغائها بصفته السلطة التشريعية.
وعلى هذا الأساس
أولا: فإن قرار الجمعية التونيسة للبنوك عطل تطبيق الفصول من 359 إلى 370 بدخول الغاية من المجلة التجارية المتعلقة بإنتقال الشيك
ثانيا: لقد منع هذا القرار المستفيد وحامل الشيك من إستعمال الحق الممنوح لكل واحد منهما قانونا بأن يتولى بنفسه تسطير الشيك وهو التسطير العام والخاص.
ثالثا: لقد فقد الشيك خاصية الأساسية وهي الإنتقال من حامل إلى آخر وبذلك أصبح من غير الممكن تعدّد المدنيين الضامنين لخلاص الشيك الذي يبقى خلاصه الساحب وحده ضامن لخلاصه عند إنعدام الرصيد علما وإن كل من سحب الشيك وظهّره مهما تعددوا ملزمون بأداء الشيك.
إن قرار الجمعية لا يبرّر تطبيق العقاب بالسجن والخطية والعقوبات الأخرى عند إنعدام الرصيد لأنه لم يبق بعد تحجير التظهير معنى للشيك.

تلك إذا هي مبررات عدم تجريم إصدار الشيك بدون رصيد بصرف النظر عن المزاحمة الجدية التي يلاقيها الشيك من قبل البطاقة البنكية الإلكترونية.
هذا ما توصلنا إلى بيانه من قوانين متعددة ومتضاربة "ربنا لا تآخذنا إن نسينا أو أخطأنا" والسلام./.   



  


(1)  1 ـ  الرائد الرسمي عدد 56 في 3  و6 و10 و13 نوفمبر 1959 صحيفة:
الفصل الأول: نصوص المجلة التجارية
الفصل الثاني: يجري العمل بأحكام هذه المجلة ويقع تطبيقها إبتداء من غرّة جانفي 1960 دون أن يكون لها تأثير على الماضي إلى النوال التي لازالت جارية في تاريخ غرّة جانفي 1960 تبقى خاضعة للأحكام القانونية المعمول بها في تاريخ صدور هذا القانون إلى أن تنفصل بوجه بات
2 ـ الرائد الرسمي عدد 59 في 27 نوفمبر 1959 (نشرت المجلة الفصول من 1 إلى 268)
3 ـ الرائد الرسمي عدد 60 في 4 ديسمبر 1959 (نشر بقية فصول المجلة من 269 إلى 746)
4 ـ إصلاح غلط الرائد الرسمي عدد 3 في 15 و19 جانفي 1960 صحيفة 79
5 ـ إصلاح غلط الرائد الرسمي عدد 41 في 3 و7 أوت 1962 وخاصة الفصل 411
الخطأ السطر 13: مبلغ الشيك كل من قبل
الصواب: مبلغ الشيك كل من زيّف أو زوّر شيكا كل من قبل
(2)  المجلة الأولى هي مجلة الأحوال الشخصية الصادرة بالأمر المؤرخ في 13 أوت 1956 الرائد الرسمي عدد 66 في 17 أوت 1956
(3)  إستقلت البلاد يوم 20 مارس 1956 كما مرّت مجلة المرافعات المدنية والتجارية باالقانون عدد 130 المؤرخ في 05 أكتوبر 1959
(4)  القضاء بعد عشر سنوات وزارة العدل 1966 صحيفة 199
(5)  ألغى القانون عدد 93 لسنة 2000 المؤرخ في 03 نوفمبر 2000 المتعلق بإصدار مجلة الشركات التجارية الفصول من 14 إلى 188 منها
(6)  وأضاف إبن منظور:
والقطّ في كلام العرب هو الصكّ وهو الحظّ والقط النصيب وروي عن زيد إبن ثابت وإبن عمر أنهما كانا لا يريان بيع القطوط إذا خرجت بأسا ولكن لا يحل لمن إبتاعها أن يبيعها حتى يقبضها
القطوط ها هنا جمع قطّ وهو الكتاب والقط: النصيب وأراد بها الحوائز والأرزاق وسميت قطوطا لأنها كانت تكتب ولأنها كانت تخرج مكتوبة في رقاع وصكاك مقطوعة وبيعها عند الفقهاء غير جائز ما لم يتحصل ما فيها في ملك من كتبت له معلومة مقبوضة
...
وبالمناسبة نذكر أن أحد النواب لاحظ في مداولات مجلس النواب المنعقدة بجلسة يوم 12 مارس 1996 للنظر في تنقيح بعض الفصول من المجلة التجارية:"أن لغويا الأفضل أن نستعمل الكلمة العربية "صكّ" عوض "شيك"
فكان جواب وزير العدل "أما فيما يتعلق بإستعمال الكلمات العربية أقول إن كلّ اللغات العربية اللاتينية والعبرية حسب معلوماتي المحدودة مشتقة من مصدر واحد فالعديد من الكلمات الموجودة في اللغات الأخرى أصلها عربي ولذلك لا مانع أن نستخدم في اللغة العربية كلمات موجودة في لغات أخرى. فكلمة "صكّ" أو "شيك" ربما لها نفس الإشتقاق ولكن الظن في وزارة العدل أن نستخدم كلمة "شيك" لأنها شياكة من كلمة "صكّ" والمعذرة للسيد النائب ... وأن الإستخدامات العربية نحن نمتلكها مثل ما قال طه حسين في أحد ردوده على تساؤلات قديمة تعود إلى أربعين سنة:" اللغة العربية ملك لنا ونحن نظيف إليها ما نرى من ألفاظ جديدة لم تكن مستعملة في العصر القديم" وإعتقادي أن اللغة العربية ملك لدينا ويمكن في يوم ما أن نستبدل كلمة "شيك" التي فيها نغمة أفضل من كلمة "صكّ"
الرائد الرسمي مداولات مجلس النواب عدد 32 جلسة يوم 12 مارس 1996    

(7)  لم تقبل هذا الرأي محكمة التعقيب سواء التونسية أو الفرنسية
لقد أقرت محكمة التعقيب التونسية في قرارها الجزائي عدد 43742 المؤرخ في 27 ماي 1992:"يستنتج من قراءة الفصلين 346 و347 من المجلة التجارية أن الشيك يستلزم لإعتباره كذلك تضمنه التنصيصات الواردة بالنص المذكور ـ أولا ـ وإلا فإنه لا يعتبر شيكا وهي قاعدة وضع لها المشرّع إستثنائين في النص الثاني في الذكر يتعلقان بمكان الدفع ومكان الإنشاء وتطبيقا لتلك القاعدة فإن السند الذي خلى من ذكر المبلغ لا يعتبر شيكا في نظر القانون التجاري.
ولئن كان الشيك لا يحتوي على كافة شكلياته ولا يعتبر شيكا في نظر القانون التجاري إلا أنه في نظر القانون الجزائي يعتبر شيكا طالما كان له مظهر الشيك " (نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي لسنة 1992 صحيفة 102)
أما محكمة التعقيب الفرنسية فعندها يعاقب الساحب عند إنعدام الرصيد من شيك لم يذكر به لفظ الشيك (تعقيب جزائي في 09 أكتوبر 1940 sirey 1942 ـ 1 ـ 149 تعليق L.Hugueney
(8)  تعقيب مدني في 10 فيفري 1959 القضاء والتشريع 1960 عدد 9 و10 صحيفة 238
(9)  الفصل 349 من المجلة التجارية " لا يخضع الشيك لشرط القبول وكل عبارة متضمنة للقبول تدرج بالشيك تعتبر لاغية "
(10)  الفصل 275 من المجلة التجارية "إن القبول قرينة على وجود المؤونة"
(11)  الفصل 269 من المجلة التجارية "يعتبر القانون الكمبيالة عملا تجاريا مهما كان الأشخاص المتعاملون بها"

(12) ولد بتونس سنة 1855 والتحق بجامعة روما وتحصل على شهادة الدكتوراه في القانون وقد دعاه المقيم الفرنسي في تونس للإشتراك في لجنة إعداد القوانين التونسية وأصبح مقررها سنة 1896 فوضع مشروع القانون المدني والتجاري الذي نتجت عنه مجلة الإلتزامات والعقود الصادرة بالأمر المؤرخ في 16 ديسمبر 1906 وانتدب للتدريس بالجامعة المصرية أستاذا لتاريخ الفلسفة في القاهرة سنة 1910 وتوفي سنة 1931   
(13)  الأمر المؤرخ في 30 ديسمبر 1923 المتعلق بالشيك المنشور بالرائد الرسمي المؤرخ في 31 ديسمبر 1923 صحيفة 1432 و26 جانفي 1924 صحيفة 63
        (14) الرائد الرسمي في 12 جويلية 1953 صحيفة 1434
 
(15)  قد يكون مردّ هذه الشهادة التردد الدائم على فضاءات القضاء
(16)  يكتب الصيرفي على كل صيغة من دفتر الشيكات الذي يسلمه لحريفه إسم الشخص الذي تسلم له (الفقرة 2 من الفصل 410 من المجلة التجارية)
(17)  لم يتعرّض الفصل 346 من المجلة التجارية ضمن البيانات التي يحتوي عليها الشيك لمبلغ الشيك رغم أهميته مقتصرا على البيانات التالية:
1 ـ ذكر كلمة شيك مدرجة في نصّ السند نفسه باللغة التي كتب بها
2 ـ التوكيل المطلق المدرج بدفع مبلغ معين
3 ـ إسم الشخص الذي يجب عليه الدفع (المسحوب عليه)
4 ـ تعيين المكان الذي يجب فيه الدفع
5 ـ تعيين تاريخ إنشاء الشيك ومكانه
6 ـ توقيع من أصدر الشيك (الساحب )
(18)   قرار تعقيبي جزائي عدد 3927 مؤرخ في 13 فيفري 1969 القضاء والتشريع سنة 1971 عدد خاص بمبادئ الأحكام الجزائية الصادرة من سنة 1957 إلى سنة 1971 صحيفة 72
(19)  قرار تعقيبي جزائي عدد 4750 المؤرخ في 16 جانفي 1967 المرجع المذكور صحيفة 76
(20)  يفيد لفظ الرصيد لغة ما تمّ إعداده لأمر معين وأرصدت له أي أعدت والمؤونة هي القوت
إستعمل المشرع لفظ المؤونة للكمبيالة والرصيد للشيك في حين أن المعنى واحد
(21)  رغم وجود ما يفيد ضمنيا عدم عقاب ساحب الشيك بدون رصيد بالعقوبات المقررة بالفصل 411 إلا إذا كان سيء النيّة بدأ من إجراء العمل بأحكام المجلة التجارية وتطبيقها في غرة جانفي 1960 فقد استقر فقه القضاء على إعتبار الساحب على سوء نيّة أصلا وقت إصدار الشيك و لا تزول عنه هذه الصفة إلا إذا تمّ الوفاء رغم أن عقاب الساحب في الفصل 409 من المجلة هو الخطية وقدرها 6./. من مبلغ الشيك إلى تاريخ إلغاءه بالقانون عدد 82 لسنة 1985 المؤرخ في 11 أوت 1985
(22)  لا يجوز منح أي إمهال على وجه الفضل إلا إذا حال دون إقامة الإحتجاج في الآجال المقرّرة حائل لا مردّ له كوجود نصّ قانوني أو غير ذلك من ظروف القوة القاهرة فتمدّد الآجال المذكورة
يجب إقامة الإحتجاج قبل إنقضاء أجل العرض (الفصل 387)
وإذا لم يتمّ العرض إلا في اليوم الأخير من الأجل فإنه يمكن تحرير الإحتجاج في أول يوم عمل التالي له (الفصل 387 من المجلة التجارية)
(23)  لا فائدة ترجى من وراء ذلك لأن الحكم بالخطية يستوجب الإدلاء بالشيك أداة الجريمة
(24)  والملاحظ أن تتبع الساحب جزئيا لا يمكن أن يتمّ إلا إذا توفر شرطان هامان هما:
أولا: إنقضاء أجل قدره عشرة أيام من يوم تبليغ أو بلوغ نظير شهادة عدم الأداء للساحب
ثانيا: ثبوت خلاص الشيك والخطية في الأجل المذكور
(25)  وليس المصرف الحامل لشيك ظهره له صاحبه
(26)  يضيف المصرف هذا الإعلام للملف الذي يوجهه لها بعد إنقضاء أجل التسوية بثلاثة أيام
(27)  يقبضها المصرف المسحوب عليه لفائدة الخزينة العامة
(28)  يستعيد الساحب حق إستعمال صيغ الشيكات عند وقوع التسوية ويستمرّ المنع عند عدم وقوعها إلى نهاية قضاء العقاب أو سقوطه بمرور الزمن أو إسقاطه بالعفو ما لم تر المحكمة خلاف ذلك أو وقع إيقاف التتبع بالحفظ
(29)  والملاحظ أن القانون عدد 37 لسنة 2007 إستعمل لفظ شيك دون رصيد وهي ترجمة عن الفرنسية لا تؤدي في العربية المعنى المقصود لفظ الشيك بدون رصيد.
(30)   الفصل 406 من المجلة التجارية
(31)  الفصل 406 من المجلة التجارية
(32)  لئن كان موضوع سوء النية الذي حذفه التنقيح من المجلة نصيب إلا ... من أولا السلطة التشريعية فإنه لا يبرّر الموافقة على المشروع دون التدخل... للبنك المركزي الذي له حضور مباشر لا ينكر في إعداد مشروع القانون ومناقشته
(33)  هي قانونية لسنها بقانون لا أكثر ولا أقل
(34)  على غرار ما يتمّ لإنقاص المؤسسات
(35)  الرائد الرسمي
مداولات مجلس الأمة (النواب) وموافقته بالجلسة المنعقدة بتاريخ ........ بالنسبة للقانون عدد 31 لسنة 1970
بتاريخ 21 جوان 1977 بالنسبة للقانون عدد 46 لسنة 1977 عدد 36
(36)  الفصل 409 من المجلة التجارية يتعلق بالخصوص بعقاب من لم يبين في الشيك مكان إصداره وتاريخه أو وضع به تاريخا مزورا أو سحبه على غير صيري وهو ستة في المائة من مبلغ الشيك ولا يجوز أن تكون الخطية أقل من دينار واحد
(37)  الفصل 409 والفصل 411 من المجلة التجارية
(38)  إن تعامل الساحب بالشيك يجعله مستهدفا للعقاب بخطية قدرها ستة في المائة من مبلغ الشيك إذ إتضح أنه بدون رصيد رغم حسن نيته طبقا لأحكام الفقرة 2 من الفصل 409 من المجلة التجارية
(39)  الفصل 291 ـ (نقح بالأمر المؤرخ في 8 أكتوبر1935 ) يعاقب بالسجن مدّة خمسة أعوام وخطية قدرها فرنكات 10.000 كل من إستعمل إسما مدلسا أو صفات غير صحيحة أو إلتجأ للتحيّل والخزعبلات التي من شأنها بعث الأمل في نجاح غرض من الأغراض أو الخوف من إعفائه أو وقوع إصابة أو غيرها من الحوادث الخيالية ويكون قد تسلم أو حاول أن يتسلم أموالا أو منقولات أو وقاعا أو ممتلكات أو أوراق مالية أو وعودا أو تواصل أو أبراءات واختلس بإحدى هذه الوسائل أو حاول أن يختلس الكل أو البعض من ثروة الغير
(40)  مداولات مجلس الأمة (النواب) جلسة يوم.. قانون عدد 31 لسنة 1970 المؤرخ في 7 جويلية 1970
(41)  الرائد الرسمي المداولات عدد 36 جلسة 21 جوان 1977 صحيفة 753
(42)  المداولات المذكورة سابقا
(43)  مداولات جلسة 21 جوان 1977 المذكورة سابقا صحيفة 758
إن كان من قبل موجود في المجلة التجارية قبل التنقيح
العقاب عند ثبوت حسن النية نصّ عليه الفصل 409 والعقاب عند ثبوت سوء النية نص عليه الفصل 411 ولكن تبرّره التنقيح ليس التثبت من أن الساحب على حسن نية أو على سوء نية فقط وإنما الحرص كل الحرص على أن يتم خلاص الشيك وبذلك يبرّر الرأي بأن المحكمة مقيدة بالقانون
(44)  الفقرة الثالثة:" يعاقب بالخطية نفسها لكل من أصدر شيكا له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه"
 الفقرة الرابعة:" وإذا كان مبلغ الرصيد أقل من قيمة الشيك فإن الخطية لا يمكن أن تتجاوز الفرق بين مبلغ الرصيد وقيمة الشيك"
(45)  الفصل 30 من مجلة الإجراءات الجزائية:"وكيل الجمهورية يجتهد في تقرير مآل الشيكات والإعلامات التي يتلقاها والتي تنهى إليه"
(46)  الأعمال التحضيرية قوة القانون المتعلقة به
(47)  مداولات مجلس النواب الرائد الرسمي عدد 36 جلسة 21 جوان 1977
(48)  الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية
(49)  حسب الفصل 411 من المجلة التجارية وقت صدورها حالة التلبس مقرّرة بالفقرة الخامسة من الفصل 115 من قانون المرافعات الجنائية في حين وبداية من صدور مجلة الإجراءات الجزائية التي ألغيت الأمر المؤرخ في 30 ديسمبر 1921 المتعلق بإصدار قانون المرافعات الجنائي:"ينطبق على الجنايات والجنح المتلبس بها مقتضيات الفصول 33 و34 و35 من هذه المجلة"
(50)  الفصل 395 من المجلة التجارية فيما عدا الشيكات التي لحاملها يجوز تحرير الشيك في عدّة نظائر مماثلة إن كان مسحوبا بالقطر التونسي وواجب الدفع ببلاد أخرى أو كان على عكس ذلك وإذا كان الشيك محررا في نظائر متعددة وجب ذكر أرقام النظائر في نص الشيك ذاته وإلا اعتبر كل نظير مها شيكا مستقلا بذاته.
(51)  مع التأكيد بأن مقتضيات الفصل 402 الجديد والواردة بالقانون عدد 37 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007 حين إستثنت من لزوم القيام بالإحتجاج حالة ضياع الشيك وسرقته فإن هذه الأحكام متناقضة مع أحكام سرقة الشيك وضياعه في معناه القانوني الصحيح أي أن حامل الشيك هو ضحية السرقة أو الضياع وليس الساحب حسبما تمّ بيانه
(52)  إن الدعوى المدنية منبثقة عن الدعوى الجزائية ولا كيان لها خارجا عن تلك الدعوى وذلك تماشيا مع أحكام الفصل 8 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي ينص على أن الدعوى المدنية تسقط بنفس الشروط والآجال المقرّرة للدعوى العمومية الناتجة عن الجريمة التي تولد عنها الضرر
قرار تعقيبي جزائي عدد 45654 مؤرخ في 19 ماي 1993 نشرية محكمة التعقيب سنة 1993 صحيفة 60 
(53)  قد مكن الفصل 408 من المجلة التجارية بعد تنقيحه بالقانون عدد82 لسنة 1985 المؤرخ في 11 أوت 1985 حامل الشيك المحرّر فيه إعلام بعدم الدفع أو إحتجاج زيادة عما له من حق القيام بدعوى الرجوع حسب الطرق المقرّرة لها أن يتحصل على إجراء عقلة تحفظية على منقولات الساحب أو المظهرين بمقتضى إذن على عريضة يعلم بها المعقول عليه خلال الثلاثة أيام الموالية لتاريخ تنفيذها على أقصى تقدير
وإذا لم يقع الخلاص في بحر شهر من تاريخ الإعلام يمكن للعدل المنفذ بيع تلك المنقولات بالمزاد العلني بمقتضى إذن على عريضة
وأصبحت بالقانون عدد 28 لسنة 1996 المؤرخ في 03 أفريل 1996 تجرى العقلة التحفظية على منقولات الساحب أو المظهر بمجرد الإستظهار بالشيك المحرّر فيه شهادة في عدم الدفع أو الإحتجاج وتباع المنقولات بالمزاد العلني بمقتضى إذن على عريضة إذا لم يقع الخلاص في بحر شهر من تاريخ الإعلام بالعقلة
أما القانون عدد 37 لسنة 2007 المؤرخ في 04 جوان 2007 فإنه أعطى حامل الشيك المحرّرة فيه شهادة إحتجاج أو شهادة في عدم الدفع حق إستصدار أمر بالدفع ضدّ الأشخاص الملتزمين بمقتضى هذا الشيك بنفذ بعد أربع وعشرين ساعة من تاريخ الإعلام به بقطع النظر عن الإستئناف
ويمكن بصفة إستثنائية لرئيس المحكمة المرفوع لديها الإستئناف أن يأذن بتوقيف تنفيذ الأمر بالدفع المطعون فيه لمدّة شهر واحد إذا كان من شأن التنفيذ أن يسبب ضررا يصعب تلافيه
ولا يمكن أن يصدر الإذن بإيقاف التنفيذ إلا بعد سماع الخصوم والقرار الصادر عن رئيس المحكمة غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن
(54)  لقد أقرت محكمة التعقيب أنه:
"طالما أن مقتضيات الفصل 410 ثالثا من المجلة التجارية والمتعلقة بجريمة إصدار شيك بدون رصيد تهمّ النظام العام والإجراءات المنصوص عليها بها تهمّ المصلحة الشرعية للمتهم فإنه لا يكفي أن يحرّر البنك الإشعار بوجوب توفير الرصيد بل لا بدّ من توجيه وبدون إتباع تلك الإجراءات ينتفي الركن المادي للجريمة ضرورة أن المشرع جعل من تقاعس الساحب عن التسوية بعد أن يقع إعلامه كما يجب توفر الركن المادي لجريمة إصدار شيك بدون رصيد "
قرار تعقيبي جزائي عدد 32419 مؤرخ في 18 مارس 2003 مجلة القضاء والتشريع عدد 6 لسنة 2003 ص 164.
(55)  الفصل 150 من مجلة الإجراءات الجزائية مع التأكيد بأن المشرع عندما يضبط في كل مرة طرق إثبات وقوع جريمة الشيك بدون رصيد فإن القانون لا ينص على أن العمل بوسائل الإثبات الأخرى غير ممكن
(56)  لم تنشر هذه الأحكام حسب علمنا
(57)  الفصل 291 من المجلة الجزائية ـ يعاقب بالسجن مدّة خمسة أعوام وخطية قدرها فرنكات 10.000 كل من إستعمل إسما مدلسا أو صفات غير صحيحة أو إلتجأ للتحيل والخزعبلات التي من شأنها إقناع الغير بوجود مشاريع لا أصل لها في الحقيقة أو نفوذ أو إعتماد وهمي أو التي من شأنها إقناع الغير بوجود مشاريع لا أصل لها في الحقيقة أو نفوذ أو إعتماد وهمي أو التي من شأنها بعث الأمل في نجاح غرض من الأغراض أو الخوف من إخفائه أو وقوع إصابة أو غيرها من الحوادث الخيالية ويكون قد تسلم أو حاول أن يتسلم أموالا أو منقولات أو رقعا أو ممتلكات أو أوراق مالية أو وعودا أو تواصيل أو إبراءات وإختلس بإحدى هذه الوسائل أو حاول أن يختلس الكل أو البعض من ثروة الغير.
(58)  القانون الجنائي الفصل 5 الفقرة الرابعة ب ـ عقوبات تكميلية
أولاـ منع الإقامة أي الإبعاد
ثانيا ـ المراقبة الإدارية
ثالثا ـ الحجز الخاص
رابعا ـ الحرمان من مباشرة الوظائف العمومية وبعض الحرف مثل وكيل عدلي أو طبيب بيطار أو قابلة أو مدير بمحل معدّ للتربية أو مستخدم به بأي عنوان كان أو مباشرة حرفة مقدم أو عريف أو شاهد بالعقود أو شاهد لدى المحاكم إلا بصفة مجرد إستفسار وكذلك الحرمان من حمل السلاح والنياشين وكل الوسامات الشرفية الرسمية
(59)  الفصول من 33 إلى 35 من مجلة الإجراءات الجزائية
(60)    نصّ الفصل 412 الجديد لسنة 1977
يعاقب بالخطية من مائتين وأربعين إلى ألفين وأربعمائة دينار
ـ كل مسحوب عليه تعمد تعيين رصيد بمبلغ أقل من مبلغ الرصيد المتوفر لديه
ـ كل صيرفي عارض شيكا للأداء أو مسحوب عليه حسب الحالة يخالف أحكام هذا القانون أو النصوص الصادرة لتطبيقه والتي تلزمه بالإعلام بعوارض دفع الشيكات.
أقر هذا التنقيح العقوبة المستوجبة من الصيرفي الذي يضر بالساحب عند عرض الشيك عليه وعند مخالفته بواجب الإعلام بعوارض دفع الشيكات 
ولو كانت العقوبات هي الخطية فهي عقوبات نظرية لم تصدر أحكام بشأنها حسب علمنا
(61)  كما زاد هذا التنقيح للفصل 374 المتعلق بالصور التي تمكن الساحب من تحجير الدفع على المسحوب عليه صورة ثالثة وهي تفليس الحامل
كما يسجل لهذا القانون إحداث جرائم ترتكب من الصيرفي وذلك حين أقرّ:
ـ كل من ساعد عمدا أثناء مباشرة مهنته ساحب الشيك (بدون رصيد) على إخفاء الجريمة سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفة التراتيب وواجبات المهنة.
ـ ويعاقب بخطية تساوي مبلغ الشيك أو باقي قيمته على أن (لا) تتجاوز ثلاثة آلاف دينار المصرف الذي يرفض أداء شيك عوّل صاحبه على إعتماد فتحه له ولم يقع الرجوع فيه بصفة قانونية 
إن كانت لوجود هذه المقتضيات فائدة فإنها بقيت نظرية لعدم العثور على ما يفيد تطبيقها في الواقع.
(62)  411 ثالثا: يعاقب بالسجن مدّة عام وبخطية قدرها خمسمائة دينار
ـ كل من أصدر شيكا قبل إنقضاء أجل تحجير إستعماله بعد إعلامه بذلك
ـ كل من تعمد تغيير توقيعه بما يجعل المسحوب عليه يمنع من الدفع
(63)  هو القسم العاشر من الباب الثالث من الكتاب الثالث المتعلق بالأحكام العامة والجزائية في الفصول من 404 إلى 412 من المجلة التجارية وقد تعرضت لموضوع الضمّ المجلة الجزائية في الفصول 54 إلى 58 كما تعرضت مجلة الإجراءات الجزائية بضمّ الإجراءات في الفصل 131
(64)  نشرية محكمة التعقيب القسم الجزائي 1986 صحيفة 332
(65)  حافظ على عقاب الصيرفي مثل ساحب الشيك بدون رصيد وبعقوبته إذا كان سبب عدم الوفاء هو إعتماد أو تسهيلات من حق الساحب الإعتماد عليها عدد سحب الشيك
حافظ على التحجير المعروف في إستعمال الصيغ من ساحب الشيك بدون رصيد
(66)  كل ذلك مع عدم الإلمام بمقومات الشيك ونوع الخدمات التي يسديها فلا إدراك لما يقصد بوكالة الشيك المطلقة وبالأمر الذي يحمله وهو علم دقيق يعذر بجهله ساحب الشيك البسيط ولا يعاقب من أجله.
لئن بررت عقاب ساحب الشيك بدون رصيد الخدمات الجليلة التي يقدمها الشيك عند التعامل به بفضل التظهير المفضي لإنتقاله من مظهر إلى مظهر له دون تحديد فقد جرّد الشيك من كل مقوماته ولم تبقى له من الخدمات ما يميّزه عن الإتفاقات الأخرى
حتى يعاقب الساحب يجب أن يكون على بيّنة من طبيعة الشيك وماهيته ومن الأعمال المتعلقة به وهي:
1) التوكيل المطلق المجرد بدفع مبلغ معين
2) عدم خضوع الشيك لشرط القبول
3) معيّن الشيك لأمر أو بدونه أو ليس لأمر
4) قيمة الشيك المشتمل على توقيعات أشخاص عديمي الأهلية حسب الفصل 356 من المجلة التجارية
5) مفهوم الشيك الموقع بالنيابة حسب الفصل 357 من المجلة التجارية
7) المقصود بانتقال الشيك وطرق إنتقاله ومعنى التظهير بلا قيد ولا شرط والتظهير الجزئي وتظهير المسحوب عليه (باطل) والتظهير للمسحوب عليه إبراء والتظهير التوكيل ونيابته والتظهير بعد الإحتجاج أو إنقضاء أجل العرض والتظهير بدون تاريخ والتزويد في تقدير الأوامر والتظهير على بياض وخصائصه والتظهير على ورقية ملحقة بالشيك وهي المضافة وإثبات الحامل لصفته الشرعية ومبدأ عدم التمسك بوسائل المعارضة الشخصية وتظهير القيمة للإستيفاء أو بالقبض أو بالتوكيل.
(67)  الفصل 383: يجوز لساحب الشيك أو حامله أو يسطره فتكون له النتائج المبينة بالفصل التالي.
يحصل التسطير بوضع خطين متوازيين على وجه الشيك ويكون التسطير عاما أو خاصا.
يكون التسطير عاما إذا كان لا يتضمن بين الخطين أي تعيين أو كلمة "صيرفي" أو ما يقابلها ويكون خاصا إذا كتب بين الخطين إسم أحد الصيارفة.
إن التسطير العام يمكن تحويله إلى تسطير خاص غير أنه لا يجوز تحويل التسطير الخاص إلى تسطير عام.
إن التشطيب على التسطير أو على إسم الصيرفي المعين يعتبر كأن لم يكن.
الفصل 384: لا يمكن للمسحوب عليه أن يدفع الشيك المحتوي على تسطير عام إلا لصيرفي أو لرئيس مكتب الصكوك البريدية أو لأحد حرفاء المسحوب عليه.
ولا يمكن للمسحوب عليه أن يدفع الشيك المحتوي على تسطير خاص إلى غير صاحب المصرف المعين يمكنه أن يسعى لدى صيرفي آخر للقبض.
ولا يجوز لصيرفي أن يكتسب شيكا مسطرا إلا من أحد حرفائه أو رئيس مكتب الصكوك البريدية أو من صيرفي آخر ولا يجوز له أن يقبضه لحساب أشخاص آخرين غيرهم.
إذا كان الشيك يحتوي على عدّة تسطيرات خاصة فلا يمكن للمسحوب عليه أن يدفعه إلا متى كانت التسطيرات لا تتجاوز خطين أحدهما يقضي القبض من إحدى حجرات المقاصة.
وإذا أهمل المسحوب عليه أو الصيرفي مراعاة الأحكام المتقدمة فإنه يكون مسؤولا عن تعويض الضرر بما يعادل مبلغ الشيك.
الفصل 385: إن الشيكات المعدة لإدراجها في حساب والتي تكون مسحوبة خارج القطر التونسي ويجب دفعها بالقطر التونسي تعتبر كشيكات مسطرة.